تلقى معسكر اليمين المتطرف في أوروبا ضربة قاصمة، بعد أن مني بخسارة فادحة في الانتخابات الرئاسية التي جرت بالنمسا، أمس الأحد، إثر فوز مرشح حزب الخضر فان دير بيلين على منافسه من حزب «الحرية» الشعبوي نوبرت هوفر، وسط حالة من الترقب من شتى الأطياف داخل أوروبا وخارجها.
السقوط المدوي لليمين المتطرف في النمسا جاء عكس سير الاتجاه، وبعيدًا عن استطلاعات الرأي التي رجّحت كفته على حساب التيارات التقليدية الأخرى، لا سيما في ظل نجاحه في توسيع نطاق انتصاراته في دول مختلفة من القارة العجوز منها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، فضلاً عن صعوده المذهل في الولايات المتحدة عقب فوز دونالد ترامب. الهزيمة التي مني بها اليمين المتطرف في النمسا، دفعت أوروبا إلى تنفس الصعداء، وهو ما جسدته تصريحات بعض القادة والزعماء التي عبرت عن ارتياحهم الشديد لنتائج الانتخابات، حيث تراجع منسوب حدة التوتر من استمرار هذا المارد المدمر، فهل آن الأوان أن يعاد تشكيل خارطة أوروبا السياسية؟
النمساويون ينحازون للعقل
في خطوة وصفها البعض بالانحياز للعقل على حساب الفوضى، اختار النمساويون مرشح حزب الخضر فان دير بيلين رئيسًا للبلاد على حساب مرشح حزب «الحرية» الشعبوي نوبرت هوفر، في واحدة من أشرس الانتخابات التي شهدتها النمسا في الآونة الأخيرة، وأكثرها جدلاً وغموضًا.
هذه الانتخابات جاءت وسط موجة عاتية من صعود اليمين المتطرف في بعض الدول الغربية، سواء في أوروبا كما حدث في بريطانيا وألمانيا، أو في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أثار قلق الوسطيين في أوروبا، وأضفى عليها هالة من الاهتمام والترقب من شتى الأطياف المعنية في الداخل والخارج، ومن ثم فإن خسارة اليمين المتطرف تعطي الأمل في تحجيم دائرة انتصاراته وتطويق أذرعه المتوّغلة هنا وهناك.
فخلال السنوات الأخيرة نجح تيار اليمين المتطرف في أن يقدم نفسه للشعب الأوروبي والأمريكي كبديل عن التيارات المحافظة الأخرى، مستغلاً المستجدات الطارئة على الخارطة الإقليمية والدولية، والتي تهدد أمن واستقرار المواطن الأوروبي كما روجت لذلك الآلة الإعلامية لهذا التيار العنصري.
تعززت فرص وحظوظ اليمين المتطرف أوروبيًا وأمريكيًا، بعد النجاح الذي حققه في أكثر من دولة، في مقدمتها ما حققه في بريطانيا، بفوز «بريكسيت» في استفتاء تاريخي، أدت نتائجه إلى عزل هذا البلد عن الأسرة الأوروبية، ثم التتويج بفوز دونالد ترامب في السباق الرئاسي الأمريكي.
يرجع الخبراء صعود اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا إلى عدة أسباب أولها: فشل النخب السياسية والاقتصادية التقليدية في توفير الأمن والاستقرار لشعوبها، ثانيها: «العولمة» التي أدت إلى تراكم الثروات في أيدي القليلين وتهميش قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى والطبقة العاملة.
ثالثها: «الثورة المعلوماتية» التي أدت إلى زعزعة الأفراد في المجتمعات متعددة الثقافات، معربا عن اعتقاده بأن ما نشهده الآن هو صراع هويات وحنين إلى الماضي وإلى الهوية الأصلية لتلك الشعوب.
اللاجئون.. النقطة الفاصلة
بعيدًا عن الأسباب الأيديولوجية التي ساهمت في صعود تيار اليمين المتطرف في أوروبا، إلا أن القضية الأبرز في ميزان ثقل هذا التيار، هي قضية اللاجئين الفارين إلى الدول الأوروبية، كونها إحدى أهم القضايا التي ساهمت في رفع أرصدة الأحزاب اليمينية المتطرفة وتحقيقها مكاسب على حساب التيارات السياسية الأخرى في الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد غنائم المقاعد التي حققتها الأحزاب المتطرفة في البرلمان الأوروبي.
مثل تدفق اللاجئين هاجسًا كبيرًا لدى مواطني الدول الأوروبية، حيث عزف قادة التيارات المتطرفة على هذا الوتر طويلاً خلال السنوات الأخيرة، منذرين القارة العجوز من مستقبل رمادي حال استمرار فتح الحدود لتدفق اللاجئين من مختلف الدول، وهو ما يمثل تهديدًا أمنيًا واقتصاديًا لملايين الأوروبيين، وهو ما قلل من مكانة التيارات المحافظة جماهيريًا بلا شك، والتي ترى في استقبال أوروبا للاجئين التزامًا أخلاقيًا وأمميًا لا يمكن النكوص عنه.