معالم ثقافية وحضارية تؤرخ للمقصد الجزائري ترصدها «الشعب»
تمنراست وجانت... خريطة من الجمال المرسومة على الصخر والرمال، عالم من الروائع الحضارية والطبيعية والثقافية، منحهما التاريخ والجغرافيا أبهى الصور وتفردهما وتميزهما بفضل الخصوصيات السياحية الكثيرة التي تحتاج إلى تثمين وإعادة الاعتبار، لجعلها القبلة الأولى للسياح الجزائريين والأجانب على حد سواء.
كانت بداية رحلتنا من مدينة «تمنراست»... بمجرد وصولنا إليها لاحظنا أنها منطقة خالية ومعزولة ونائية لما ينطوي عليه الواقع الصحراوي من صعوبات ونقائص في عدة مجالات كالصحة والتعليم وظروف العيش بصفة عامة مقارنة بولايات الشمال، لكن ببلوغ قلب مناطقها السياحية اكتشفنا أن منطقة الأهقار تتميز بخصائص طبيعية ساحرة ذات مناظر صحراوية رائعة زادتها جمالا الجبال والصخور الصامتة والرمال الذهبية العذراء والمعالم الأثرية التي تعود إلى ملايين السنين.
تمنراست تستقبل 2000 سائح في الأسبوع
استطاعت تمنراست بإمكاناتها البسيطة وخصوصياتها التي اعترفت بها المنظمة العالمية للسياحة، أن تستقبل 2000 سائح في الأسبوع، يأتون من مختلف بلدان العالم لتجربة الحياة الصحراوية المليئة بالمغامرات وسط سحر الطبيعة من خلال صخورها العتيقة الصامتة والساكنة ورمالها الذهبية التي تشعر الزائرين بهدوء ينسيهم صخب المدينة وضجيج السيارات، فهو علاج نفسي للسائحين قبل كل شيء، لاسيما عندما يتم التعمق في مواقعها السياحية، حيث يكتشفون أن «تمنراست» تتوفر على التراث الطبيعي والإنساني والتاريخي والثقافي، وتميزها أيضا تلك الرموز والنقوش والرسومات على الصخور والمباني.
يشاع أن كل زائر تطأ قدماه رمال منطقة «الأهقار» ويشرب فيها الشاي سيعود حتما إليها مرات عديدة، بغض النظر عن البلد الذي يأتي منه. وهو ما لمسناه خلال زيارتنا، ليس لأن «تمنراست» منطقة صحراوية وسياحية فحسب، بل لأنها كذلك منطقة ساحرة يشتهر سكانها بالجود والكرم وحسن استقبال الضيوف، حيث يشعرون السياح المتوافدين عليها من كل ربوع العالم وكأنهم في وطنهم الأصلي، وهو ما يجعلهم لا يترددون في زيارة هذه المدينة الرائعة بطبيعتها، على غرار متحف الحظيرة الثقافية للاهقار، «أتاهات» أتاكور التي تعد أعلى قمة في الجزائر وضريح تينهينان، وكذا جبال الأسكرام التي تتوفر على أجمل غروب شمس والتي، للأسف، لم يكن لدينا متسع من الوقت لزيارتها والتمتع بسحرها وجاذبيتها.
بعدها توجهنا إلى أجمل المناطق السياحية الواقعة بولاية إليزي «جانت» التي اشتقت كلمتها من جنة، باعتبارها تتمتع بثراء طبيعي وثقافي وحضاري يؤهلها لأن تصبح وجهة للسياحة الداخلية وكذا قطبا لجلب السياج الأجانب المولعين بحياة الصحراء والمناظر الرائعة التي تبهر البصر كأن صانعها قد انتهى لتوه من رسمها، ما جعلها إرثا وأرشيفا للإنسانية جمعاء، لاسيما ما تعلق بالتحف المعمارية ذات التصميم الصحراوي والمناظر الطبيعية العذراء الموجودة على الهواء الطلق.
من بين أهم وأروع المعالم الأثرية «البقرة الباكية» بمنطقة تيغرغرت التي تجسد قصة تعود إلى آلاف السنين، اختلفت الروايات حول حقيقتها، فهناك من روى أنها حزنت وبكت على فقدان صغارها بسبب ندرة المياه، أما آخرون يعتقدون أن بكاءها لم يكن حزنا وإنما من شدة الفرحة بعد سقوط الأمطار، حيث لا يمكن لأي زائر إلى هذه المنطقة أن يغادرها دون التقاط صور تذكارية لموقع البقرة الباكية والجبال الصخرية الشامخة التي نقشت عليها وقائع التاريخ.
لعل ما لفت انتباهنا ونحن نتجول في منطقة الطاسيلي تلك البنايات والقصور القديمة لمدينة تعاقبت عليها أجناس وأجيال، زيادة على جمال الكثبان الرملية والجبال الصخرية التي تحاكي الطبيعة وتعبر عن حضارة إنسانية تعود إلى آلاف السنين وتجعل كل زائر ينبهر بجمالها الاستثنائي من واحات ومواقع أثرية ذات قيمة فريدة من نوعها بنايات جبلية متعالية موشاة بنحت فريد وكثبان رملية تثير في النفس رغبة الغوص في أعماق رمالها المترامية، فالمنتوج السياحي بجانت يتميز بخصوصياته ويسوق على شكل مسارات سياحية تنظم حول مواضيع مختلفة ثقافية وتاريخية وأثرية، زيادة على موسيقى الأمزاد الرائعة وزغاريد المرأة الصحراوية المميزة والفريدة من نوعها.
«جانت»... حركة غير عادية مع نهاية السنة
مع انطلاق الموسم السياحي الصحراوي، تشهد منطقة «جانت» حركة سياحية غير عادية يطبعها توافد أعداد كبيرة من السياح الأجانب من مختلف الجنسيات الأوروبية والآسيوية، حيث استقبلت مدينة الطاسيلي من 21 سبتمبر إلى ديسمبر أكثر من 220 سائح جزائري و208 أجنبي من مختلف الجنسيات، منها الألمانية بـ37 سائحا وايطاليا بـ30 سائحا و35 سائحا من فرنسا و23 من سويسرا. ويرتقب أن يتضاعف عدد السياح الذين سيقبلون على المدينة السياحية مع اقتراب حلول السنة الجديدة.
ولأجل تسهيل حركة السياح في اتجاه المواقع التي يرغبون زيارتها، تمّ تجنيد وكالات الأسفار والسياحة ومجموعات من المرشدين السياحيين للسهر على توجيه السياح الأجانب وإيصالهم عبر المسالك الطبيعية الصعبة إلى عموم المناطق السياحية التي تتميز بتباعد المسافات والتضاريس الوعرة وهي خصائص عادة ما تستهوي السياح الأجانب، وهو ما يجعل الحركة السياحية في منطقة «جانت»، بحسب أصحاب الوكالات بالمنطقة، تتخلص من روتينها المعتاد وتنفرد بنوع من الحيوية الواعدة.
وكشف أصحاب الوكالات عن تنظيم معرض الصناعة التقليدية التاسيلي «جانت» من 26 إلى 31 ديسمبر، حيث سيتم عرض أهم الحرف التقليدية التي تشتهر بها المنطقة، كالطرز على الجلد والنسيج التقليدي والدباغة ومنتوجات مصنوعة مصنوعة من سعف النخيل وآلات موسيقية كآلة الأمزاد التي تحظى بشعبية واسعة.
الصحراء في حاجة ماسة إلى تنويع عروضها السياحية
في ظل هذا الثراء السياحي لاتزال أجمل المواقع السياحية الواقعة بتمنراست و»جانت» بإليزي في حاجة ماسة إلى تنويع العروض السياحية، بما يجعل منها مقصدا للسياحة الصحراوية بامتياز من خلال تدعيم قدرات ومرافق الاستقبال وكذا تسريع وتيرة إنجاز بعض المشاريع السياحية، على غرار المركز السياحي بجانت، بالإضافة إلى صيانة بعض الطرق والمسالك الصحراوية بين مدن «إيليزي» و»جانت» وبرج الحواس التي يستعملها السياح الأجانب بكثافة.
متعاملون يكشفون عن الوضعية المزرية للسياحة الصحراوية
طرح المتعاملون السياحيون جملة من الانشغالات على وزير التهيئة العمرانية والسياحة عبد الوهاب نوري، صبت في مجملها حول أهمية إعادة فتح المسالك التي أغلقت من قبل لاعتبارات أمنية وتقديم الدعم للوكالات السياحية التي تنشط بأقصى الصحراء الجزائرية، من بينها 70 وكالة سياحة وأسفار بالأهقار و41 وكالة بالطاسيلي، تعمل بإمكانات بسيطة على تشجيع السياحة الداخلية واستقطاب السياح.
وأجمع أصحاب الوكالات على الوضعية المزرية التي تعرفها السياحة الصحراوية في ظل نقص الإمكانات التي تمكنهم من استقطاب قوافل من السياح الأجانب الذين يفضلون زيارة أجمل المواقع السياحية، مطالبين السلطات المعنية بمساعدة المتعاملين على إيجاد ميكانزمات ووسائل تسهل النهوض بالسياحة الصحراوية، زيادة على مساندة المستثمرين المحليين وتمثيل السياحة الجزائرية في الخارج من خلال خلق شبكة اتصال.
من جهته أشار رئيس جمعية وكالات السياحة والأسفار وصاحب وكالة أحمد حمداوي، إلى أهمية مبادرة استدعاء الوكالات السياحية من الشمال للتعامل مع وكالات الجنوب، بغية الترويج للسياحة الصحراوية بالمنطقة وجلب أكبر عدد من الجزائريين لاكتشاف جمال بلدهم وسحره، لاسيما وأن 4 ملايين من الجزائريين يتوجهون إلى الخارج لقضاء عطلهم، في حين أن الجزائر تتوفر على أجمل المناطق السياحية.
توفير المرافق وتحسين الخدمات ضرورة
تأسف بعض المتعاملين في القطاع السياحي، من قرار غلق الفندق الوحيد بمنطقة عين صالح «تيدكلت»، لاسيما وأن المنطقة لا تتوفر على مرافق وهياكل يتم من خلالها استقبال السياح وهو ما جعل أصحاب الوكالات السياحية عاجزين عن تقدين خدمات نوعية لفائدة الزوار والتسويق لسياحة صحراوية مغرية، حيث يتفوق الإقبال على قدرات الاستقبال بها.
في ذات السياق، أكد أصحاب الوكالات أن المرافق الموجودة بالصحراء لا تسمح في الظرف الراهن بتلبية كافة طلبات السياح الأجانب، مع التوافد القوي الذي ينتظر أن تسجله صحراء الجزائر بمناسبة الاحتفالات بأعياد رأس السنة الميلادية الجديدة بمنطقتي التاسيلي والأهقار.
أما رئيس الديوان المحلي للسياحة بتمنراست علي بن سرقال، فقد دعا إلى إعادة فتح المواقع السياحية المغلقة والارتقاء بالنشاط السياحي إلى المنافسة الحقيقية في السوق العالمية من خلال تحسين نوعية استقبال السياح والخدمات وتوفير الهياكل الضرورية، زيادة على تحسين الصناعة التقليدية في المنطقة التي شهدت نقصا في المدة الأخيرة وتخفيض أسعار تذاكر الرحلات التي تعد عائقا أمام السياح لزيارة واكتشاف سحر الصحراء.
كما دعا رئيس جمعية الوكالات السياحية «أزجر»، إلى إعطاء الأولوية لأصحاب الوكالات السياحية من أجل الاستثمار في هذه المنطقة، كونهم يعانون التهميش وكذا وضع ميكانيزمات تمكنهم من الحصول على وسيلة قانونية تسمح للوكالات السياحية بشراء المركبات المسترجعة من قبل الجمارك أو توفير قرض مالي لهذا الغرض، مشيرا إلى أن هذا المقصد التاريخي الهام لا يجب العبث به دون إشراف الهيئات المعنية ومناقشة أمور هامة لا يراها إلا أبناء المنطقة، لاسيما ما تعلق بمعرفة الشكل المطلوب للسياحة بجانت، من سياحة مسؤولة إلى إشراك السائح في أعمال المحافظة على الإرث السياحي وتطويره.
وأضاف ذات المتحدث، أن المنتوج السياحي متوفر إلا أن الإمكانات محدودة، لذلك يجب أن يتم تحسين ظروف العمل بالنسبة للمتعاملين المحليين، مشيرا إلى أن السياحة الصحراوية عرفت انتكاسة في فترة العشرية السوداء، وهو ما أثر سلبا على نشاط العديد من المتعاملين وضياع الاستثمارات الخاصة، داعيا في ذات السياق إلى إعادة النظر في ملف إعانة وتعويض المتعاملين المحليين وذلك بتخفيف الضريبة وتبسيط الإجراءات.
كما كشف ممثلو وكالات السياحة بجانت، أن أكثر من 80 من المائة من سكان المدينة يعملون في قطاع السياحة بشكل مباشر أو غير مباشر، كون السياحة تعتبر النشاط الرئيس في المنطقة، حيث ساهمت في توفير 7733 منصب شغل في ميدان الصناعة التقليدية الفنية، زيادة على أكثر من 13 ألف منصب شغل.
نوري يطمئن المتعاملين بتحسين الأوضاع
طمأن وزير التهيئة العمرانية والسياحة والصناعة التقليدية عبد الوهاب نوري أصحاب الوكالات السياحية بتحسين الأوضاع من خلال تسخير جميع الإمكانات والوسائل لجلب أكبر عدد من السياح وإعادة النهوض بالسياحة الصحراوية.
وتعهد الوزير بأن يتوج اجتماعه مع المعنيين بجملة من القرارات، تصب في مجملها حول كيفية إيجاد حلول جادة لإنعاش السياحية الداخلية والنهوض بالموروث التاريخي والثقافي لمنطقة الجنوب وتشجيع السياح الجزائريين على اكتشاف بلدهم قبل الذهاب إلى وجهات أخرى، معترفا بالوضعية الكارثية التي آلت إليها أجمل المواقع السياحية بالصحراء الجزائرية والتي جعلتها تفقد مكانتها الحقيقية وتستقطب أقل عدد من السياح مقارنة بالأعوام السابقة، موضحا أن الوزارة تبذل قصارى جهدها لتسريع عملية بعث النشاط مجددا.
وكان نوري قد أعلن عن أهم قرار استجابة لمطلب المتعاملين السياحيين، يخص إعادة فتح 4 مسالك سياحية أغلقت وهمشت منذ سنة 2011 في ولاية تمنراست، على رأسها منطقة «تفدست» و»أسكرام» و»أهنت»، بالإضافة إلى الموقع السياحي طاسيلي «أهقار» الذي من المرتقب أن تمسه عملية إعادة الفتح جزئيا في الجهة الشرقية، بالإضافة إلى تأكيده على ضرورة القضاء على البيروقراطية ورفع القيود عن المتعاملين والتخفيف من ثقل الإجراءات التي تعيق النشاط، لاسيما ما تعلق بشرط إعادة حصول أصحاب الوكالات السياحية على الاعتماد كل 3 سنوات.
فيما يخص النقائص المسجلة في مرافق وهياكل الاستقبال، أبرز نوري استعداد الوزارة تقديم الدعم للمستثمرين الخواض الذين ينوون إنشاء فنادق ومركبات سياحية في الصحراء، من خلال تبسيط الإجراءات وتقديم تسهيلات. داعيا رجال الأعمال إلى عدم التردد في الاستثمار وإنجاز مشاريع ومنتجعات سياحية، مشددا على ضرورة ضمان العمل المشترك بين الوكالات السياحية لمنطقة الشمال والجنوب لتفادي خسارة 4 ملايين جزائري يتوجهون إلى الخارج لقضاء عطلهم سنويا.