تشهد مختلف مناطق النشاط التي تحوي على عقارات والتي لم تستغل بعد بتيبازة حالة يرثى لها من حيث انعدام التهيئة الخارجية و انعدام المسالك المؤدية اليها أحيانا، كما هو الحال بالنسبة لمنطقة الحطاطبة، مما أفرز صعوبة جمّة لمباشرة الاستثمارات بها، بـحسب ما أكّد عليه العديد من المستثمرين.
لغرض تفعيل النشاط الاستثماري المنتج للثروة بالمنطقة، فقد تمّ تشكيل لجنة ولائية مختصة لمتابعة المشاريع الاستثمارية في شهر ديسمبر من السنة المنصرمة غير أنّ ذات اللجنة لم تفعّل ميدانيا سوى في الفترة الأخيرة بأمر من والي الولاية الحالي السيد موسى غلاي الذي يعير مناطق النشاط الصناعي عناية خاصة و أمر مدير الصناعة والمناجم على هامش زيارته التفتيشية لدائرة القليعة مؤخرا بضرورة مرافقة المستثمرين والنظر بجدية في جميع الانشغالات المرفوعة من طرفهم وذلك بعد اطلاعه على معاناة المستفيدين من القطع الأرضية الكائنة بمنطقة النشاطات للحطاطبة والتي تفتقد الى مسلك يؤدي اليها ناهيك عن محاصرتها من طرف بيوت قصديرية بطريقة فوضوية، كما أشارت مصادرنا من مديرية الصناعة والمناجم الى أنّ معظم القطع الأرضية المعدّة للاستثمار بمناطق النشاط تمّ اسنادها للمستثمرين، إما عن طريق الكالبيراف أو عن طريق المزايدة و لم يتبق منها سوى 3 قطع بمنطقة سيدي عمر التي تسع لـ33 قطعة و 7 قطع أخرى بمنطقة قوراية التي تسع لـ75 قطعة إجمالا غير أنّ ذلك لا يعني مباشرة المستثمرين لأنشطتهم بحيث لايزال العديد منهم مكتوف الأيدي لم يحرّك ساكنا و لم يتجرّأ بعد على مباشرة الاجراءات الأولية المتعلقة بطلب رخصة البناء لمباشرة الاستثمار، بحيث تمّ تسجيل دخول 4 مؤسسات فقط في النشاط بمنطقة قوراية و يوجد مشروع واحد فقط في طور الانجاز و بلغت نسبة انجازه حدود الـ 50 بالمائة بمنطقة سيدي عمر فيما لم يشرع بقية المستثمرين في عملية الانجاز بعد وحصل 4 منهم على رخصة البناء فيما توجد حالتان في طور الدراسة حاليا و لم يقدّم الآخرون طلبات رسمية بهذا الشأن، وبقوراية فقد قدّم مستثمران فقط طلبات رسمية للحصول على رخصة البناء و تمّ رفض أحدهما فيما لا يزال الثاني في طور الدراسة، وبمنطقة النشاطات لعاصمة الولاية التي تمّ استحداثها منذ 3 سنوات تقريبا، فقد قدّم جميع المستثمرين طلبات رسمية للحصول على رخص البناء وتمّ منح 9 منها لأصحابها في حين تمّ رفض طلب واحد ويوجد اثنان في طور الدراسة، و بمنطقة خميستي فقد حصل 12 مستثمرا على رخص البناء مؤخرا وتمّ رفض حالتين و يوجد طلبان قيد الدراسة وذلك من بين 41 مستثمرا مسجلا بها 32 منهم حصلوا على عقود الامتياز، وأما بالحطاطبة فقد حصل مستثمر واحد فقط على رخصة البناء من بين 10 مستثمرين مسجلين هناك و تبقى المناطق الأخرى مشبعة حاليا و تعتبر جلّ القطع الأرضية المرصودة بها مستغلّة بنسب متفاوتة.
من هذا المنطلق فقد دفعت هذه الوضعية غير العادية التي تشهدها مناطق النشاطات التي تحوي عقارات صناعية غير مستغلّة الجهات المعنية للتحرّك سريعا مؤخرا في اتجاه تحديد المسئوليات و تشخيص الانشغالات المعبّر عنها من لدن المستثمرين في بادرة تهدف الى تحريك عجلة الاستثمار و توفير الثروة و الشغل أيضا، بحيث شرعت مصالح املاك الدولة في ارسال الاعذارات للمستثمرين المتقاعسين لحملهم على مباشرة نشاطاتهم كما سارعت الجهات المعنية الأخرى الى مباشرة جملة من الاجراءات الميدانية المتعلقة بحل الاشكالات القائمة، كما هو الشأن بالنسبة لمنطقة الحطاطبة التي تطلبت تنسيقا محكما ما بين مصالح الفلاحة ومصالح الصناعة بالولاية لغرض توفير مسلك مريح يؤدي الى إليها ناهيك عن تكليف مصالح الطاقة لاعداد حصيلة كاملة للطاقة بها وفقا لمتطلبات طلبات الاستثمار، مع الاشارة الى كون ذات المنطقة يستفيد منها حاليا 10 مستثمرين ويحوز أحدهم لوحده على مجموع 6 هكتارات من بين 9,8 هكتار اجمالية بها ويتطلب توسيع استثماره مستقبلا لمساحات أخرى و من ثمّ فقد تمّ مؤخرا طرح فكرة منح المنطقة كلها لذات المستثمر و تمكينه من تهيئتها وفقا لحاجياته مع تعويض المستثمرين الآخرين بمناطق أخرى غير أنّ هذه الفكرة التي بوسعها اختصار العديد من العوائق لم يتم ترسيمها الى حدّ الساعة.
منطقة بقديش نموذج حي لم ينطلق بعد
تتربع منطقة بقديش بسيدي عمر على مساحة إجمالية تصل الى 4،19 هكتار وأنشئت رسميا في ماي 2005 خصيصا لاحتضان المشاريع ذات الصلة بالصناعات التحويلية المرتبطة بالقطاع الفلاحي وأسند تسييرها للوكالة الولائية للتنظيم و التسيير العقاري التي أنجزت بها 33 تجزئة قدّمت جميعها لـ17 مستثمرا راغبا في تجسيد مشاريع استثمارية لها علاقة بالقطاع الفلاحي، و من بين أهم المشاريع المقترحة هناك نجد صناعة «الشيبس» ومشروع بسكتة و مشروعا آخر لغرف التبريد و صناعة الجبن و الزبدة، اضافة الى عدّة مشاريع أخرى لها علاقة مباشرة بقطاع الفلاحة. كانت وكالة التنظيم والتسيير العقاري للولاية قد شرعت في تجسيد مشروع تهيئة المنطقة منذ استلامها دواليب التسيير بها سنة 2005 وتمّت تهيئة الطرقات والأرصفة و تحضير شبكتي الماء الشروب و قنوات التطهير، غير أنّ الجهات الوصية اضطرت الى اعتماد برنامج تهيئة مكمل سنة 2014 يقضي بانجاز مجرى لتصريف المياه و تجسيد شبكة الانارة و جدار الاحاطة بمعية سياج من جهة الغابة المجاورة، غير أنّ النقطة السوداء المتعلقة بهذا المشروع تكمن في تأخر المؤسسة المعنية باعداد دراسة أولية لمشروع الانارة والتزود بالكهرباء لم تقم بعملها بعد بالرغم من تكليفها رسميا منذ سنتين و تتخوّف الجهات المعنية من تأخر هذه العملية التي تعتبر مفصلية و أساسية فيما يتعلق بانطلاق مشاريع الاستثمار، كما برزت الى الأفق مؤخرا مشكلة أخرى حالت دون شروع 10 مستثمرين في تجسيد مشاريعهم من الناحية الجنوبية للمنطقة بسبب تراكم الأتربة هناك و صعوبة تصريفها بحيث كان هؤلاء يعتقدون بأنّ هذا الأمر يندرج ضمن فقرات و مقتضيات التهيئة الشاملة غير أنّ برنامج التهيئة لم يأخذ في الحسبان هذه المعضلة التي تبقى تؤرق ثلّة من المستثمرين.
بعيدا عن مناطق النشاطات المستحدثة هنا وهناك تقبع جملة من العقارات الخاوية على عروشها، منذ عدّة عقود من الزمن، و لا أحد تجرّأ على المبادرة باستغلالها الأغراض صناعية أو خدماتية كما هو الشأن بالنسبة لمصانع النسيج المهجورة، منذ نهاية الثمانينيات بمدينة فوكة وكذا مقر الديوان الوطني للخضر والفواكه المحل بكل من فوكة وبوسماعيل وأجزاء كبيرة من أسواق الفلاح سابقا، اضافة الى عدّة عقارات أخرى بفوكة وبوسماعيل و عين تقورايت وحجوط وغيرها كانت توفر مناصب عمل بالجملة ناهيك عن وفرة الثروة وعدم حاجة البلاد للاستيراد إلا أنّ التحولات التي طرأت طيلة 3 عقود من الزمن حالت دون استكمال مسار استغلال تلك الفضاءات لأغراض تنموية واستثمارية تماشيا و زيادة الحاجة المعبّرة عنها.
يكشف واقع هذه الهياكل المهجورة للعيان غياب نظرة استثمارية شاملة تأخذ في الحسبان مجمل العقارات المهجورة و القابلة للاستغلال لاسيما و أنّ عدد المستثمرين لا يزال يرتفع باستمرار، إلا أنّ مشكل العقار الصناعي يبقى عائقا أساسيا يقف حجر عثرة أمام هؤلاء و يندرج ضمن هذا العائق ارتفاع تكاليف تهيئة العقارات المسندة للمستثمرين، بحيث لا يستبعد بأن يرفض المستثمرون الجدد المقترحون لتعويض المتقاعسين منهم استلام التجزئات غير المستغلّة الى حدّ الآن بمناطق النشاطات بالنظر الى حاجتها الماسة للتهيئة.