تساؤلات محيّرة عن سبب التخلي عن مشروعان شكلا حلا لـ300 ألف نسمة
يشتكي عديد المواطنين بمختلف أحياء مدينة سكيكدة من صعوبات في ركن سياراتهم ولا يكون ذلك إلا بمقابل مبلغ مالي، غالبا ما يكون ابتزازيا لركنها في مكان يسيطر عليه أفراد ناشطون خارج الإطار القانوني يفرضون على أصحاب المركبات بغير وجه حق، 30 دج أو 50 دينارا، بحسب المنطقة السكنية والمدة الزمنية والزبون المتعامل معه. انه «بسيكوز» يعيشه المواطنون بسكيكدة يوميا ويعانون من ممارسات وابتزاز مافياوي يولد عراكا وملاسنات بلا توقف. «الشعب» رصدت الوضعية وتنقل التفاصيل.
السعر يحدد بطريقة عشوائية من قبل هؤلاء الشبان الذين يفرضون على أصحاب السيارات الدفع بكل الطرق حتى لو تطلب الأمر التهديد بالعصي و»الهراوات» التي يحملونها معهم ما جعل عديد المواطنين يدخلون في شجارات ومناوشات شبه يومية مع «المتسوّلين»، كما يسميهم أصحاب المركبات، باعتبار مهنتهم تكسب من غير جهد ولا عناء.
هؤلاء الشبان يعينون أنفسهم مسؤولين عن مواقف اختاروها مصدر رزقهم، فالازدحام الذي تعرفه الأرصفة والطرقات و المساحات الشاغرة مواقف عشوائية. بهذه الطريقة عدة أحياء سكيكدة، استغلها بعض الشبان البطّالين للربح السريع، إلا أن المواطن يجد نفسه مضطرا للرضوخ لطلباتهم ودفع أجرة الحراسة.
مدينة سكيكدة تفتقر إلى حظائر منظمة لركن السيارات. فعلى الرغم من مختلف المخططات الإنمائية والأموال الضخمة التي استفادت منها الولاية خلال العشرية الأخيرة، إلا أنه لا لم تنجز حظيرة واحدة، حتى المشروع الذي كان مسجلا من قبل أحد المستثمرين وعلى أساسه حصل على الأرضية بحي الممرات وسط مدينة سكيكدة، حوّل إلى «بزار» هكذا دون مراقبة.
سكيكدة تعيش من سنة لأخرى أزمة حقيقية بعد أن أضحت كل أرصفة المدينة تحت سيطرة أفراد تفرض على كل السائقين مبالغ مالية تقدر ما بين 30 دج إلى 50 دج، داخل المدينة دون الأخذ بعين الاعتبار مدة التوقف والركن، وما بين 300 دج إلى 500 دج على مستوى الأحياء التي تعيش هي الأخرى فوضى عارمة خاصة ليلاً على أساس أن الحراس يقبضون ولا يحرسون والدليل تعرض سيارات كثيرة للسرقة داخل تلك الحظائر.
بعد القضاء على التجارة الفوضوية بوسط المدينة، وقفت جريدة «الشعب» على ظاهرة خطيرة استفحلت بأحياء المدينة، حيث أصبح أصحاب المحلات يمنعون غير سياراتهم من التوقف أمام محلاتهم وكأنها ملكيتهم، أما المواقف المتكاثرة كالسرطانات بأغلب الأحياء فهي بلا رقيب ولا حسيب من قبل السلطات المحلية الغائبة على طول الخط، تاركة المواطن يعيش الأمرّين بسبب هذه التصرفات، خصوصا للفوضى والكلام الفاحش أمام مساكنهم.
إسمنت يغزو كل شيء
الشيء الغريب الذي يلاحظه كل زائر للوهلة الأولى لبعض الأحياء بالمدينة، التي غابت عنها شرطة العمران، ومصالح البلدية التي هي في سبات عميق، وعلى ما يبدو أنها لن تستفيق خلال هذه العهدة، قيام بعض السكان بحجز مكان في الشارع بوضع متاريس حديدية بعد تخريب الأرضية، وسلاسل وتثبيتها بالإسمنت، حتى يتسنى توقيف سيارة ذلك المحظوظ المتعدي على الملك العام، وكأن البلدية هذه الأيام توزع استفادات لاقتطاع مكان السيارات بالشوارع، وأبرز مثال بحي برج حمام، ووسط المدينة، أين أصبح كل من هبّ ودب يخصخص الشارع في غياب تام لمصالح الدولة، وبالأخص مصالح شرطة العمران.
ففي ظل فقدان البديل وغياب الحظائر العمومية بمدينة سكيكدة والعدد الهائل من السيارات المتوافدة عليها من كل أنحاء الولاية، يجبر السائق على ركنها في أي مكان يضمن من خلاله ولو جزءا صغيرا من السلامة لمركبته على الرغم من تضايقه من استغلال هؤلاء الشبان غير الشرعي لطرقات، هي في الأصل ملك للجميع، إلا أنه لم يجد بديلا عن هذه المواقف فأي مكان آخر لا يضمن له سلامة مركبته من السرقة، كما أكد لنا أحد المواطنين أنه أصبح امتلاك سيارة بالنسبة لسكان سكيكدة أمرا مؤرقا لأن إيجاد مكان للتوقف بات هاجسهم اليومي، ما دفع العديد ممن يملكون السيارات إلى تفادي قيادتها بسبب انعدام الحظائر لركنها، حيث يمضي ساعات في إيجاد مكان لركن سيارته دون فائدة، ما جعل البعض يستعمل الحافلة أو سيارات الأجرة في تنقله وترك السيارة إلا للمسافات البعيدة والرحلات العائلية.
نشير هنا إلى أن مدينة سكيكدة وعلى الرغم من التوسع الذي عرفته خلال السنوات الـ5 الأخيرة وما انجر عن ذلك من ارتفاع في عدد المركبات وصل إلى حد التشبع، تبقى المدينة الوحيدة تقريبا على المستوى الوطني التي لا تملك حظائر منظمة ومراقبة تساهم بشكل كبير من التخفيف من حدة الازدحام الذي تعرفه عاصمة الولاية، بالخصوص خلال فصل الصيف، دون نسيان العوائق الكبرى التي تسببها شبكة الطرقات داخل التجمعات الكبرى للولاية، بما فيها تلك المتواجدة بمدينة سكيكدة فيما يتعلق بحركة سير المركبات وصعوبة إيجاد مكان لركنها، بسبب ضيق الطرق القديمة منها وتدهورها، إضافة إلى النقص الفادح المسجل في الشوارع الرئيسية التي تنفتح على الأحياء الكبرى للمدينة القديمة.
مشروع استهلك 260 مليون دينار إلى إشعار آخر
كان من المفروض ان تتعزز مدينة سكيكدة بحظيرة لركن السيارات ذات طوابق يجري إنجازها حاليا بحي صالح بوالكروة بالقرب من حي 20 أوت 1955 بالجهة الجنوبية للمدينة، وهذه الحظيرة التي تفقد أشغال إنجازها الوالي السابق فوزي بن حسين من 5 طوابق وتتسع لـ 595 سيارة وتعد الأولى من نوعها على مستوى الولاية، وقد قدمت الشروح حينها بعين المكان فإن هذه الحظيرة يجري إنجازها وفقا للمواصفات العالمية المعروفة، وذلك على مساحة إجمالية بـ 3015 متر مربع 2418 منها مبنية، كما تطلب هذا المشروع الذي تقدمت ورشة إنجازه حاليا بـ30 بالمائة والمتوقع استلامه السنة المقبلة تطلب غلافا ماليا بقيمة 993 مليون د.ج، حيث ان قرار والي الولاية الحالي شاطر عبد الحكيم بتوقيف الاشغال، وتغيير طابع المشروع أخلط الأمور، حيث جاء قرار التوقيف هذا بحجة هدر المال العام بدون منفعة، وأمر والي الولاية بوقف الاشغال فورا، وتغيير طبيعة المشروع .
كما تم التخلي عن المشروع القديم المتمثل في إنجاز حظيرة للسيارات ذات طوابق بمحاذاة ساحة الحرية «الكور» على بعد أمتار من مقر الدائرة، لأسباب تبقى مجهولة وغير مفهومة لتظل تلك الحظيرة تسير بطريقة فوضوية من قبل بعض الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة دون حصولهم على وثائق رسمية ودون استعمالهم للوصلات أو التذاكر.
مع الإشارة فإن ركن السيارة على مستوى هذه الحضيرة التي تفوق طاقة استيعابها أكثر من 90 سيارة، 50 دج تجمع صافية ودون دفع أدنى سنتيم للخزانة العمومية بالرغم من أن الأرضية ملكية عمومية وليست ملكية خاصة.
بغض النظر عن الأسباب التي ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة في عاصمة الولاية التي تعتبر بلدياتها من أغنى بلديات الوطن والتي قد يشترك فيها حتى المواطن الذي يرضخ في كثير من الأحيان لمطالب هذه العصابات التي أصبحت منظمة دون أن يتجرأ لرفع شكوى على مستوى المصالح المختصة.
إن غياب مخطط دقيق لتنظيم حركة نقل المركبات داخل المدينة بما في ذلك المشاريع الملحقة بها منها الحظائر المنظمة قد أدخل سكيكدة في فوضى حقيقية بعد أن أصبح المواطن في كثير من الأحيان وأمام الاختناق الذي تعرفه مدينة سكيكدة يلجأ إلى ركن سيارته على الأرصفة التي أصبحت هي الأخرى تصنع الاستثناء بسكيكدة.