أسدل الستار على فعاليات المهرجان الدولي للسماع الصوفي الذي احتضنته دار الثقافة هواري بومدين بمدينة سطيف في طبعته الـ 6، استمتع خلالها الجمهور بوصلات صوفية وأنغام روحية رقيقة، ومجموعة من الموشحات بمشاركة 10 دول، ومشاركة قياسية من فرق بالجنوب الجزائري. وصنعت فرقة «الإمبراطورية العثمانية لنظم الصوت» الألمانية أحلى ختام خلال إسدال الستار عن فعاليات الطبعة.
ألهبت الفرقة المذكورة الأجواء وجعلت الجمهور يتمتّع، بآدائها المتميز لـ 6 مقاطع إنشادية دينية لدول عديدة،
وبلغات مختلفة على غرار العربية والألمانية والإنجليزية والباكستانية والفرنسية والإسبانية وبطبوع مختلطة ومتنوعة كالريغبي والهيب هوب والفلامينغو، تعبيرا على أن الطابع الصوفي الإسلامي موجود في جميع دول العالم، حسب ما صرح به لخلية إعلام المهرجان رئيس هذه الفرقة.
وقد بدأ الحفل الختامي باستمتاع الجمهور بالأداء الرائع لفرقة أنغام الزيبان التي صنعت الفرجة بأربع أناشيد روحية هي: «صلّي يا ربّي» و»شوق قلبي يا حضّار»
و»يا اللّي زيّار قبر المدني»، وكلها من التراث الصحراوي الجزائري المحلي، فيما كانت القصيدة الأخيرة وطنية بمناسبة شهر نوفمبر المجيد وحملت عنوان «عاشت بلادي».
وقبل تسليم أوسمة المشاركة في المهرجان من طرف السلطات المحلية، وقبل أن تؤدّي كذلك الفرق المشاركة في حفل اختتام مهرجان السماع الصوفي في طبعته السادسة التي حملت هذه السنة شعار «السماع لغة الطمأنينة والسلام» أنشودة جماعية، كان للفرقة المغربية نصيب من صنع الفرجة بآدائها لعديد الأنشودات الصوفية تفاعل معها الجمهور كثيرا خاصة قصيدة «صلّوا على الهادي صلّوا عليه شوقا عزي وإرشادي المصطفى حقا».
وعقب نهاية حفل الختام مباشرة، صرّح محافظ المهرجان دريس بوديبة: «لقد قمنا بتنفيذ كل البرنامج المسطّر كاملا وبدقة، سواء من جانب الفرق الأجنبية أو المحلية أو المحاضرات أو المعرض أو الورشة التكوينية، وبهذا يكون المهرجان قد أوفى بكل وعوده خاصة مع الإقبال الكبير للجمهور الذي توافد على القاعة بكثافة من الإفتتاح إلى الإختتام، وهذا ما يؤكّد نجاحه المستمر، وهذا يعود إلى ديناميكية التنظيم الذي تعتمد على التجديد وتطوير الأدوات الفنية والتقنية من دورة لأخرى».
وعرفت الفرق الجزائرية مشاركة يومية حافلة بفرق محلية من ولاية سطيف، تمثّلت في أشواق للراحل توفيق بوراس وسلسبيل، زيادة على فرق الأجيال الصاعدة من غرداية والأقصى من الجزائر العاصمة وإشراق بونة من عنابة والفنون والتراث من المسيلة، إضافة إلى فرقة العنادل من ورقلة والهدى من أدرار وأنغام الزيبان من بسكرة.
الجمهور يستمتع بوصلات
فرقة النّجاح التونسية وفرق من الجنوب
وفي اليوم ما قبل الأخير من فعاليات مهرجان السماع الصوفي، كانت الفرقة التونسية «النجاح للإنشاد والموسيقى الروحية» في الموعد الكبير، حيث اطربت الجمهور الحاضر من خلال عرضها «أسرار وأذكار»، الذي تجاوب معه الحضور تارة بالتصفيق، وتارة أخرى بترديد الأناشيد مع الآداء الجماعي للفرقة، وقد تضمن عرض الفرقة جملة من المدائح التونسية والموشحات الشرقية، إضافة بعض أناشيد من إنتاج الفرقة، وقد وصل تجاوب الجمهور أوجّه في أنشودة «يا لطيف ويا حفيظ يا مغيث يا إلهي» و»يا ولي الضعفاء ما لنا ملجأ سواك».
كما لم تحد فرقتا الجنوب الجزائري، على التوالي الهدى الفنية من أدرار وفرقة العنادل من ورقلة عن خط إمتاع جمهور السماع بالطابع الصوفي الروحي الجزائري، حيث أمتعت الفرقة الأدرارية الحضور بثلاث أنشودات وقد تميزت فرقة الهدى من أدرار باستعمالها «الدربوكة» بأحجام مختلفة، ويتعلق الأمر بـ «الرباع» المصنوعة من الطين والجلد و»الخلاف» وهي تتشابه مع الرباع، إلا أنها كبيرة عليه في الحجم، و»العريجة» وهي أصغرهم وجميعها محلي من التراث الجزائري وتستعمل هذه الآلات محليا، وتعتمد الفرقة فقط في هذا الطابع على هذا النوع من الآلات حفاظا على الموروث الثقافي لانها ترى فيه الباب الذي يوصلها إلى العالمية.
ورشة حول أساليب التعبير في الغناء الصوفي
استهلت الورشة بمدخل مفاهيمي شمل السماع والمديح والإنشاد والحضرة، أوضح فيه المؤطرون أنه ينبغي صقل الأداء الفني بالمفاهيم والنظريات العلمية، كما تطرقوا إلى التطور السماعي في الجزائر منذ فترة ماقبل الاستعمار الفرنسي، خاصة في الجنوب الكبير، وارتباطه بالزوايا ، مشيرين في سياق ذي صلة، إلى أن الإنشاد عند العرب كان يفهم على أساس أنه رفع الصوت لمخاطبة الناس، ليتطور بعدها ويصير ترنما بالشعر.
وأكد الأساتذة المؤطرون ،أن للإنشاد الحديث،خلفية أيديولوجية فكرية مرتبطة بالصحوة الإسلامية المبنية على الاعتدال والوسطية، وأن مواضيع السماع دينية وإنسانية مهما تعددت تسمياته بين السماع والإنشاد أو الغناء الديني المرتبط بعبادة الله ومناجاته. ،كما تحدثوا عن التيارات الدينية المحافظة التي لا ترحب بالموسيقى لاعتقادها أنها تلهي عن الخشوع والتضرع للخالق بسبب وجهتها الحسية النزوية. لكن، بفعل وسائل الاتصال والتكنولوجيا، تطور ذاك الغناء الروحي شكلا ومضمونا، وبات استخدام الآلات الموسيقية والإيقاعية عاديا.
ودعا المؤطّرون في ختام الورشة التكوينية، الفرق الإنشادية المحلية والوطنية الحاضرة إلى تطوير مقدراتها المعرفية والإبداعية وفقا لتقنيات وأساليب حديثة قصد التعريف بالموروث الصوفي الجزائري والدفع به نحو العالمية.