مجبر على تفعيل حوار استراتيجي مع روسيا لمعالجة مسائل الشرق الأوسط
يتحدث د.مصطفى صايج، مدير المدرسة العليا للعلوم السياسية، في هذا الحوار، مع جريدة «الشعب»، عن خلفيات فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية ومستقبل الجالية المسلمة في أمريكا والعلاقة مع روسيا والحلفاء التقليديين من أوروبا والشرق الأوسط.
الشعب: حدثت المفاجأة وانتخب دونالد ترامب ليكون الرئيس 45 للولايات المتحدة الأمريكية، ما الذي قلب الموازين بعدما كان هناك شبه إجماع على هيلاري كلينتون لتصبح أول امرأة تقود هذه الدولة القوية؟
د.مصطفى سايج: عامل المفاجأة كان مطروحا بشدة، رغم أن الاتجاهات الكبرى لسبر الآراء كانت ترجح هيلاري كلينتون، ما يطرح مصداقية مؤسسات استطلاعات الرأي في الانتخابات الأمريكية، مقارنة بنمط الاقتراع المعقد، حيث بقيت 15 ولاية متأرجحة بين الخيارين. مع الإشارة إلى أنه من الناحية التقنية لسبر الآراء، كانت تبقي على هامش الصحة والخطإ بـ3 نقاط. في نفس الوقت يطرح التساؤل بشأن المؤسسات المالية والإعلامية، التي كانت تدعم علنا كلينتون على حساب ترامب.
في المجمل، يمكن القول إن الناخبين الأمريكيين وجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر أي أنهم اختاروا بين السيّئ والأسوإ.
وبالنسبة لفوز ترامب وتغير الموازين، يمكن القول إنه ظاهرة خارجة عن الأطر الكلاسيكية للحزب الجمهوري برموزه السابقة جورج الأب والإبن بوش ووزير الدفاع السابق كولن باول، حيث خلق ترامب تصدّعات بينها. ويمكن القول إن فوزه امتداد للتغيرات السريعة في العالم الأنجلوسكسوني، على غرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رغم أن كل التوقعات كانت تشير إلى بقائها، مثلما كان عليه الحال مع هيلاري كلينتون.
وما يطرح في التحليل، الفارق بين الفكر الرغبوي الذي كان يرى في كلينتون رئيسة نموذجية للولايات المتحدة الأمريكية، والفكر الواقعي الذي يجسد التوجهات الأنجلوسكسونية التي اختارت حاليا استراتيجية العزلة والحمائية.
وهذا هو برنامج ترامب، الذي طالب بإعادة النظر في تكتل “نافتا” (كندا، أمريكا والمكسيك)، والعلاقة مع دول الحلف الأطلسي والتكتلات مع البلدان الآسيوية، وهو نهج جديد مضاد لسياسة الانفتاح الأمريكي على الأسواق المالية والأمريكية.
والفكرة أن انتخاب ترامب لا يخرج عن صناعة الرؤساء بأمريكا، فكما كان رونالد ريغن ممثلا شهيرا وصل البيت الأبيض، لدينا اليوم ملياردير شهير في وسائل الإعلام ويعكس المأزق الأمني والسياسي والاجتماعي والهوياتي الذي تعيشه أمريكا في قلب الاضطرابات العالمية.
قبل أسبوع من الانتخابات، أعاد مكتب التحقيقات الفيدرالية “أف.بي.أي”، فتح ملف البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون وأثار عددا من الفضائح المالية لها، هل يمكن القول إن هذا الجهاز الأمني لعب دورا في وصول ترامب إلى البيت الأبيض؟
المؤشرات الواقعية تدل على أن إعادة فتح ملف البريد الإلكتروني لكلينتون أعطى تفوّقا لترامب في سبرا الآراء، خاصة في الأيام القليلة التي سبقت موعد الاقتراع، حيث لعبت ورقة الخوف واللاّأمن تحت قيادة هذه المرأة، والشعب الأمريكي مازال يذكر أحداث 11 / 09 / 2001، وعززت هذه الورقة بالمشهد الكاريكاتوري لمحاولة اغتيال ترامب في آخر تجمع شعبي له، وصورت حمايته من قبل أجهزة الأمن كنوع من التخويف للناخب.
ترامب قال في خطاب الفوز إنه سيكون رئيسا لجميع الأمريكيين، هل يحمل ذلك تطمينات للجالية المسلمة التي كانت هدفا رئيسا لهجماته في حملته الانتخابية؟
بعدما بات رئيسيا الآن، سيكون ملزما بأن يتبنّى خطابا يتمشى مع الواقع السياسي الأمريكي، الذي سيدفعه لإعادة النظر في الكثير من المواقف السابقة، سواء تعلق الأمر بمعاداة الآفرو- أمريكيين أو اللاتينو- أمريكيين، أو في البعد الحضاري المتمثل في معاداة المسلمين. وستكون أول القرارات هي طمأنة هذه الجاليات، باعتباره رئيسا لكل الأمريكيين.
روسيا التي كانت ترفض علناً هيلاري كلينتون وسياستها الخارجية، رحّبت بانتخاب ترامب وعبّرت عن أملها في حوار جاد مع الولايات المتحدة، ماهي انعكاسات ذلك على المنقطة العربية؟
ترامب يمثل واقعية سياسية أمريكية جديدة، بحيث سيطرح باب المفاوضات والتعاون أكثر مع روسيا (بوتين)، خصوصا في المسائل العالقة في سوريا والعراق. وينطلق من قناعة أن روسيا لاعب استراتيجي مهم يجب التعاون معه لإنقاذ التدخلات الأمريكية في الخارج والتي كبّدت الخزينة الأمريكية أموالا طائلة. وسيدفع بالحلفاء التقليديين في منطقة الشرق الأوسط، على رأسهم العربية السعودية، إلى دفع تكلفة الحماية، كما ستدفع اليابان وأوروبا فاتورة ضخمة استنادا لهذا التوجه.