مازالت الاحتجاجات تهزّ المملكة المغربية وعرشها بعد أسبوع من اندلاعها كردّ فعل على سحق تاجر السمك محسن فكري في شاحنة قمامة بأمر من الشرطة،لتشكل أكبر وأطول التحديات للسلطة في المغرب منذ اندلاع مظهرات مطالبة بالإصلاح خلال الربيع العربي في 2011.
أمس ولليوم التاسع على التوالي استجابت الجموع الغفيرة للدعوة التي وجهها عدد من النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم مسيرات مليونية تتجه إلى الحسيمة والانخراط في تظاهرة «مسيرة الغضب» للاحتجاج على مقتل «شهيد الحقرة».
وقد نظّم المحتجون قافلة وطنية إلى الحسيمة، ولكي لا يخفت وهج الحراك الشعبي، جابت مسيرات أخرى كل المدن المغربية موحدة في الزمان ومتفرقة في المكان.
والشيء المميّز لهذه الاحتجاجات، أنها انتقلت من التضامن مع محسن فكري والتذكير بمحاسبة كل المسؤولين عن الواقعة، إلى مطالب بالعيش الكريم ورفض ما يصفونه بـ»الحقرة»، التي تعني الاحتقار والإذلال والظلم.
ورفض المتظاهرون ما جرى تداوله لدى بعض الأوساط من تحذير من الفتنة واتهامات لجهات معينة بالركوب على قضية محسن فكري لأجل ضرب الاستقرار، وحملت الشعارات انتقادات وحتى المطالبة برحيل وزير الداخلية محمد حصاد الذي صرّح بأن السلطات تعرف من يقفون وراء الدعوة للتظاهر، كما انتقدت الشعارات كلمة «أوباش» التي ذكرتها نائبة برلمانية.
وفي الحسيمة تجاوز عدد الغاضبين الجمعة خمسين ألفًا حملوا شموعا أضاءت شوارع المدينة الساحلية، وقدموا من كل الجماعات الخمس والثلاثين المشكلة لإقليمها، وهو أكبر تجمع احتجاجي سلمي عرفته الحسيمة في تاريخها، هدفه الأساس مطالبة الدولة بفتح تحقيق نزيه يحدّد المسؤوليات المباشرة وغير المباشرة للفاسدين في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية بالأساس.
وتوقف موكب الشموع دقيقة صمت أمام المحكمة الابتدائية ومقر الأمن الإقليمي الذي كان مسرحا لحادثة الوفاة المأساوية لـ»بائع الأسماك» محسن فكري، حيث تمت قراءة سورة الفاتحة بشكل جماعي في جو مهيب، لتنتهي المسيرة في الساحة الكبرى التي انطلقت منها.
وحسب المتابعين لتطورات الوضع بالمغرب، فالاحتجاجات مرّشحة بقوة للاستمرار، خاصة بعد الاتفاق على مواصلتها إلى حين إعلان الدولة عن نتائج التحقيقين الجاريين في قطاع الصيد البحري بالمنطقة ومقتل محسن فكري، ومعاقبة الجناة المتسببين في الواقعة ورفع الحصار الإقتصادي عن الإقليم.
إنزلاقات تنذر بالخطر
وما يميّز موجة الغضب التي تجتاز المغرب، أنّها أخدت منعرجات خطيرة حيث رفعت صوت المعارضة الذي ظلّ مبحوحا بسبب القمع، وفجّرت الجانب العرقي في البلاد، إذ برزت الأعلام الأمازيغية بقوة خلال المظاهرات مصحوبة بلافتات كانت المقاومة تستخدمها ضد الاستعمارين الفرنسي والإسباني في الوقت الذي ردد المحتجون هتافات ضد «المخزن»، وهو اصطلاح يستخدم لوصف المؤسسة الملكية وحلفائها.
وهتف الحشد باللغة الأمازيغية قبل استخدام اللغة العربية’إننا نشعر بحزن شديد فالمخزن يقتلنا’، و’الشعب يريد هؤلاء الذين قتلوا الشهيد’.
وكانت الاحتجاجات التي وقعت الأسبوع الماضي سلمية، واحتفظت الشرطة بمسافة في بلد تندر فيه الاحتجاجات السياسية .
يذكر أنه يوجد للحسيمة تاريخ طويل من المعارضة، فهي عاصمة منطقة الريف التي تعد منذ فترة طويلة معقلا للتمرد منذ خمسينيات القرن الماضي.
وفي محاولة لتهدئة التوترات أمر العاهل المغربي الملك محمد السادس وزير الداخلية بزيارة أسرة الضحية لتقديم العزاء بالنيابة عن القصر في لفتة نادرة .
ووجهت السلطات المغربية بالفعل تهمة القتل الخطأ لأحد عشر شخصا، وسجنت ثمانية منهم، بينهم مسؤولان بوزارة الداخلية واثنان من مسؤولي الصيد المحليين ورئيسا مصلحة الطب البيطري في الحسيمة.
وقد رجّحت النيابة العامة أن تكون وفاة تاجر السمك ناتجة عن قتل غير عمدي، وقُتل محسن فكري ليلة الجمعة 28 أكتوبر، عندما ابتلعته آلية شفط النفايات داخل شاحنة نفايات، وهو يقف في الجهة الخلفية للشاحنة محتجًا على مصادرة قوات الأمن لبضاعة من السمك اشتراها. وبررّت السلطات قرار المصادرة بكون الأسماك من نوعية ممنوعة في هذه الفترة من الصيد احترامًا للراحة البيولوجية.
مغربية تحرق جواز سفرها ببريطانيا
وبينما يواصل المغاربة احتجاجاتهم في مدن المغرب للتنديد بما يسمونه مشاعر الظلم والاحتقار التي يتعرضون لها والتي تفجرت مع مقتل محسن فكري «السماك المطحون»، أعلنت جمعيات مغربية في دول المهجر تنظيم تظاهرات مماثلة في دول أوروبية.
وانضم مغاربة المهجر إلى إخوانهم في الداخل في تنظيم تظاهرات تشجب ما يعتبرونه جريمة بشعة في حق مواطن مغربي كان يدافع عن قوت يومه، وقد نظم أمس نشطاء مغاربة في العاصمة بروكسيل التي تضم جالية مغربية كبيرة وأغلبها من الريف المغربي، مسرح الجريمة ضد محسن فكري، تظاهرة أمام السفارة المغربية.
كما سيتظاهر مغاربة المهجر في عاصمتين أخرتين، الأولى وهي العاصمة باريس اليوم الأحد وشهدت الأسبوع الماضي تظاهرة، والثانية هي العاصمة الإسبانية مدريد، ومدن أوروبية أخرى.
وأقدم مغاربة آخرون على ردود فعل ومنها قيام مغربية مقيمة في بريطانيا بتصوير شريط فيديو ووضعته في يوتوب وهي تحرق جواز سفرها المغربي، وقالت أنها لم يعد يشرفها حمل جواز صادر عن سلطات «تطحن مواطنيها».
ولا يستبعد حقوقيون وسياسيون مغاربة في المهجر تأسيس منتدى عام يدافع عن الحريات ويندد بالتهميش و»الحقرة» في المغرب بعدما تماطلت السلطات في التحقيق في عدد من الأحداث التي شهدتها البلاد ويغلب عليها الطابع الإجرامي مثل الاعتداء على المتظاهرين وضغط السلطات التي أدى بمواطنين الى إحراق أنفسهم.