طباعة هذه الصفحة

صرخة الحرية

فنيدس بن بلة
30 أكتوير 2016

شكل المنعرج الحاسم في النضال التحرري بالجزائر وأجاب على السؤال المحير كيف السبيل إلى التخلص من كابوس الاحتلال الفرنسي؟ وأي أسلوب بديل لاستعادة السيادة الوطنية بعد ليل استعمار طويل وحملات تشويه وتضليل للأمة الجزائرية ووجود شعب جزائري في التاريخ البشري؟؛ إنه أول نوفمبر المرجعية الأبدية لجزائر انتفضت ضد النسيان وخاضت معركة المصير لتحرير الذات والقضية، متخذة من إخفاقات الحركة الوطنية محطة تصحيح وتقويم للسير نحو الهدف المنشود.
إنه نوفمبر الذي أشعل فتيله قادة شباب تشبعوا بقيم الحرية والنضال، صغرت أمامهم الأشياء وكبُر الوطن وعلا شأنه. شباب استلهموا من دروس الآخرين في التحرر وإخراج الثورة إلى الشارع لاحتضانها الشعب، مكسّرين حالة التردد تاركين جانبا كل النعوت التي وصفوا بها وما قيل عن مغامرتهم في السير نحو المجهول والزج بشعب بأكمله نحو الأخطار والأهوال.
على عكس هذه التوقعات والآراء سار هؤلاء الشباب قدُما نحو تفجير الثورة المجيدة وتوسيعها إلى ربوع الوطن، كاشفين عن عبقرية تنظيم وقيادة ورؤية استشرافية استراتيجية تدرّس في كبريات المعاهد والأكاديميات الحربية.
أظهر هؤلاء عبقرية في إصدارهم لبيان أول نوفمبر، الذي حدد الخطوط العريضة للنضال ورسم خارطة طريق لأهداف معلنة: الاستقلال مهما كان الثمن، واضعين في الحسبان جنوحهم إلى السلم والتفاوض في حال اعتراف فرنسا الاستعمارية بالسيادة الوطنية على كافة التراب الجزائري. أجابوا في البيان على إشكالات أخرى ومسائل تخص الأقليات الأوروبية ونظرتهم لها وأي مكانة يحتلونها في الجزائر المستقلة.
قوتهم التي لم يتمكن المستعمر النيل منها أو إضعافها مع مرور النضال التحرري، القيادة الجماعية وتوزيع الأدوار والوظائف والتشاور قبل اتخاذ القرار، الذي يصبح تنفيذه واجبا وطنيا لا يقبل المساس والجدل.
هذه القيادة الجماعية والرؤى الموحدة والتنظيم الإقليمي وتوزيع الأدوار في الداخل والخارج، هذه المؤسسات المستعملة والتجهيزات أعطت للثورة شرارة زائدة وأبقتها مشتعلة ملتهبة حيرت الإدارة الاستعمارية الفرنسية وغيرت اتجاه الرأي العام واستمالت النخبة المثقفة والمنظمات الحقوقية في مشارق الأرض ومغاربها وجندتها في مسيرات التأييد والمساندة وإظهار للملإ أن الثورة الجزائرية فجرت من أجل عدالة قضية وهي تعبير صارخ من أناس كسروا التعتيم السياسي والإعلامي الفرنسي وادعاءاته بأن من قاموا بها إرهابيون وقطاع طرق.
من باندونغ إلى نيويورك مرورا بأكرا ومونروفيا وبلغراد، إطلع العالم على حقيقة النضال الجزائري وفهم رسالته واقتنع بأهدافه وخرج ساسة كبار كانوا في المعسكر الغربي يساندون فرنسا الاستعمارية في السر والعلانية ليصرخوا بملء الفم، كفى حربا في الجزائر والانطلاق في حملات معاكسة تؤيد حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره. وما قام به السيناتورالأمريكي كينيدي أواخر الخمسينيات من مرافعة لصالح الجزائر بقبة الأمم المتحدة المثال الحي.