معادلة توسيــــع الوعـاء الضــــريبي مـع الحـرص عــــلى العدالـة الجبائيــــة
يتناول البروفيسور محمد حشماوي في هذا الحوار مختلف الجوانب المرتبطة بانعكاسات أحكام مشروع قانون المالية 2017 على مسار النمو الذي يشكل أكبر تحد في ظلّ الظرف الراهن الناجم عن الصدمة المالية الخارجية. وفي هذا الإطار يتوقف محدثنا - وهو مدير المدرسة التحضيرية في العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير التي حول مقرها من درارية إلى القليعة - عند مسائل جوهرية يدلي بشأنها برأيه ويتعلّق الأمر بمشكلة مواجهة عجز الميزانية دون المساس بالتوازنات ومدى تداعيات اعتماد آلية الضرائب المباشرة لتوفير الموارد بالنسبة لديمومة وتيرة النمو.
كما يبدي في خضم النقاش تصوره حول خيار اعتماد 50 دولارا لبرميل النفط سعرا مرجعيا في ضبط الموازنة وانعكاسات ذلك من جانب وكيفية التعامل من جانب آخر مع قاعدة 51 / 49 في وقت يزداد فيه الحاجة للرأسمال الأجنبي المباشر للدفع بالاستثمار المنتج للثروة.
الشعب الاقتصادي: كيف يمكن مواجهة العجز بدون المساس بالتوازنات الاجتماعية بالنظر لمشروع قانون المالية الجديد؟
•• بروفيسور محمد حشماوي: في البداية أود الإشارة إلى أن إعداد مشروع ميزانية 2017 جاء في ظروف اقتصادية صعبة نتيجة انخفاض الجباية البترولية بأكثر من 30%جراء تدهور أسعار المحروقات بأكثر من60 % منذ 2014، وهذا ما فرض على معدي هذا المشروع البحث عن موارد جديدة لمواجهة العجز من جهة والحفاظ على الدعم الاجتماعي من جهة أخرى . وللتوفيق بين تخفيض عجز الموازنة العامة والحفاظ على القدرة الشرائية، ينبغي تبين مقاربة جديدة تراعي الوضع الصعب الذي يتطلّب توسيع الوعاء الضريبي وفي نفس الوقت الحرص على العدالة الجبائية والاجتماعية فعجز الميزانية يقارب 30 مليار دولار وناتج صندوق الموارد لا يتجاوز 10مليار دولار هذا يعني أنه في حال استمرار هذه الوضعية خلال سنة 2018، فلن يكون بمقدور البلد تغطية العجز فإيرادات هذا الصندوق . فالمعادلة صعبة تتطلب تنويع الموارد المالية، ولكن هذا لا ينبغي أن يكون على حساب المواطن، فتقاسم الأعباء ينبغي أن يقع على جميع، والوضع يقتضي إرساء اقتصاد حقيقي مولد لفائض اقتصادي غير رهين ببرميل النفط.
• ألا يعتبر اللّجوء إلى الضريبة بمثابة فخّ يهدّد النمو ويدفع أكثر إلى التقشف بدل الترشيد؟
•• في ظلّ تأكل احتياطي الصرف وارتفاع وتيرة نفاد المخزون من العملة الصعبة مع انخفاض مخزون صندوق الإيرادات، كان لابد على السلطات وضع تدابير وإجراءات جديدة لمواجهة هذا المنحنى التنازلي للاحتياطات، حيث كشف محافظ البنك المركزي في جلسة مناقشة مشروع المالية من لجنة المالية بالبرلمان أن هذا الاحتياط بلغ 121 مليار مع نهاية شعر سبتمبر 2016.
فإن كان هذا المستوى من الاحتياطي يمنح الجزائر هامشا عل المدى القصير والمتوسط، فالوضع لا يقبل أن نغفل عن ضرورة إيجاد البدائل، ولهذا تميز مشروع المالية لسنة 2017 بالعمل بمعطيات النموذج الاقتصادي الجديد للفترة الممتدة من سنة 2017 إلى غاية 2019، لضمان اكبر قدر للتوازنات المالية والاقتصادية الكبرى وهذا عن طريق تحديد موارد جبائية جديدة أو الرفع من بعض الرسومات والضرائب من ناحية وتسقيف النفقات خلال هذه الفترة من ناحية ثانية، فرغم الجدل القائم حول هذا التسقيف هل هو تقشف أو ترشيد، فتحديد الأولويات في النفقات واستعمال أدوات الترشيد في الاستهلاك يهدف إلى إعطاء فعالية أكثر لهذه النفقات والتحكم فيها لتفادي الإنفاق غير المنتج كالإنفاق على المشاريع الفاشلة وإعادة تقييم المشايع التي تسببت في ضياع موارد مالية هامة قدرت بحوالي 45 مليار دولار في السنوات الأخيرة. فللجوء إلى الضرائب والرسوم وليكون ناجعا ينبغي أن يهدف إلى ترشيد الاستهلاك مع مراعاة العدالة الجبائية ووضع آليات تضمن توزيع إيرادات هذه الجباية توزيعا سليما على القطاعات ذات الأولوية وذات القيمة المضافة التي تساهم في عملية النمو وتنويع إيرادات الدولة للخروج من التبعية للمحروقات.
• جدل واسع عرفته الساحة جراء اعتماد 50 دولار سعرا مرجعيا لقانون المالية، ما هي قراءتك للموضوع؟.
•• اعتماد 50دولارا كسعر مرجعي بدلا 37 دولار. لا يغير في الأمر شيئا سوى حرمان صندوق ضبط الإيرادات من موارد جديدة إن استمرار أسعار البرميل على حالها فالعمل بمعطيات النموذج الاقتصادي الجديد أي على المدى المتوسط يساعد على توضيح الرؤية وبناء إستراتيجية تتسم بالاستمرارية لمواجهة التحديات التي يفرضها الوضع الاقتصادي الصعب للبلد في وقت تشير فيه كل التوقعات أن أسعار النفط لن تعرف استقرارا تاما خلال هذه الفترة وأن استقرت فسوف لا تتجاوز حدود 55 - 60 دولار للبرميل، حسب توقعات صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، نظرا أولا لتخمة المعروض من هذا المادة في الأسواق العالمية والتي لا يمكن امتصاصها خلال سنة واحدة، وثانيا لغياب استراتيجية وواضحة لمنظمة الأوبك لتباين مواقف أعظائها في العمل على توازن السوق في المدى المنظور.
• وما ذا بخصوص قاعدة 49 / 51 خاصة من حيث القطاعات الاقتصادية المعنية بها مباشرة؟.
•• إن مشروع قانون المالية لسنة 2017، لم يأت فقط بالزيادات في بعض الرسوم والضرائب فهناك تدابير تخص تحسن محيط الأعمال وتشجيع الاستثمارات فمهما كانت نجاعة الإجراءات الجبائية في جني المزيد من الأموال للخزينة العمومية، فإن عواقبها التضخمية ومحدوديتها في معالجة العجز لا ينبغي استبعاده.
وعليه فتحفيز الاستثمار المنتج وضمان التنويع الاقتصادي يشكل البديل الفعلي لاقتصاد رهين للبرميل النفطي، فلدينا قطاعات بإمكانها المساهمة في تحقيق معدلات نمو تفوق 6% وتشكل مصدرا ماليا دائما للخزينة.
صحيح أن القطاعات خدماتية كانت أو سلعية كلها منتجة، وتجربة الصين تشهد على ذلك، لكن في ظلّ الموارد المحدودة والاحتياجات المتزايدة ينبغي تحديد القطاعات الإستراتيجية والقطاعات ذات الأولوية من حيث المزايا والقيم المضافة وإدخال مرونة أكبر على قاعدة 149 / 51 بإلغائها الجزئي في بعض القطاعات مع وضع آليات جديدة لتأطيرها لتفادي تجميد الكثير من المشاريع الهامة كالبني التحتية أو بالاحتفاظ بنسب متفاوتة حسب مكانة وأهمية المشروع في سبة الاقتصاد الجزائري أو باستناد إدارة بعض المشاريع لمن يتحكم أكثر فأكثر في التقنيات و أساليب الإدارة الحديثة للمشروع نظر لأهميتها في نجاح المشروع و تحسين أدائه.
فالتعاون والشراكة محليا أو دوليا تبقى من إحدى الاختيارات الحالية لتنويع الاقتصاد الجزائري والاستفادة من التجارب الناجحة والانتقال من اقتصاد يتميز بالهشاشة ويتأثر بالأزمات الخارجية نتيجة التبعية ليس فقط لسعر البرميل، لكن أيضا في حاجياته الغذائية والصناعية، إلى اقتصاد منتج يولد فائضا اقتصاديا و يساهم في الرفع من قدرة البلد الاستثمارية و الخروج من الدائرة المفرغة التي طال عمرها، وهذا لن يتأتي إلا بثمين العمل وحسن التدبير والاستغلال الأمثل للإمكانيات والتوجيه السليم للموارد.