طباعة هذه الصفحة

انتخابات اليمين التّمهيدية تطلق السباق الرّئاسي الفرنسي

الأحزاب التّقليدية تصارع للحفاظ على هيمنتها واليمين المتطرّف يشحذ أنيابه

فضيلة دفوس

نصف سنة كاملة تفصل الفرنسيّين عن الاستحقاقات الرّئاسية المقرر تنظيم جولتها الأولى يوم 23 ماي2017 والجولة الثانية  يوم 23 أفريل.
 ورغم طول المدّة الفاصلة، فالسباق نحو قصر الإليزي بدأ فعليا من خلال الانتخابات التّمهيدية التي يستعد لها حزب «الجمهوريون» (اليمين الفرنسي) وأحزاب يمين الوسط في 20 نوفمبر القادم لاختيار المرشّح الذي سيخوض بشكل رسمي غمار الانتخابات الرئاسية.
وهي المرة الأولى التي ينظّم فيها اليمين الجمهوري الفرنسي مثل هذه العملية الانتخابية الأولية بعد أن امتحنها الحزب الاشتراكي للمرة الأولى في تاريخه في 2011، وخرج منها الرئيس الحالي فرانسوا هولاند منتصرا، فماذا تعني الانتخابات  التّمهيدية؟
الانتخابات التّمهيدية معمول بها منذ زمن بعيد في الولايات المتحدة، وهي فكرة جديدة ظهرت في فرنسا في 2011 عندما نظّم الحزب الاشتراكي انتخابات تمهيدية من أجل تعيين مرشّح رسمي له لسباق الرئاسة.
وأمام تعدّد المرشّحين الذين يودّون خوض غمار الانتخابات الرئاسية في 2017، تبقى الانتخابات التمهيدية أو الأولية، الحل الوحيد لضمان منافسة شريفة بينهم. كما تمنح أيضا فرصة للنّاخبين لاختيار المرشّح الذين يودون أن يمثلهم في معركة الرئاسيات المقبلة بكل حرية.
7 مترشّحين في معسكر اليمين
اعتمدت الهيئة المكلفة بتنظيم الانتخابات التمهيدية لليمين ويمين الوسط في فرنسا في 21 سبتمبر الماضي سبعة مرشّحين، وهم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي (61 عاما) ورئيس بلدية بوردو ألان جوبي (71 عاما) ورئيس الحكومة السابق فرانسوا فيون (62 سنة) وبرينو لومير وزير الزراعة السابق في حكومة فيون (47 سنة) وجان فرانسوا كوبي نائب في الجمعية الوطنية (52 سنة) وجان بيير بواسون، رئيس حزب الكاثوليك الديمقراطي (53 سنة)، إضافة إلى نتالي كوسيسكو موريزي (43 سنة)، وهي نائبة في الجمعية الوطنية، وتعدّ المرأة الوحيدة التي تشارك في الانتخابات التمهيدية في معسكر اليمين الجمهوري، وكانت واجهت صعوبات جمّة للحصول على التوقيعات التي تسمح لها بالترشّح.  
موعد الانتخابات التّمهيدية
من المقرّر أن تجرى الدورة الأولى من الانتخابات التمهيدية يوم الأحد 22 نوفمبر 2016، وفي حال لم يتحصّل أي مرشّح على غالبية الأصوات (أكثر من 50 بالمائة)، فسيتم تنظيم دورة ثانية بعد أسبوع واحد فقط، أي الأحد 27 من نفس الشهر. والمرشّح الذي سيخرج منتصرا سيخوض رسميا غمار الانتخابات الرئاسية في 2017 باسم اليمين ويمين الوسط.
وقد بدأت الحملة الانتخابية مساء 21 سبتمبر 2016، أي مباشرة بعد إعلان اللجنة العليا لمراقبة الانتخابات أسماء المرشّحين السبعة الذين يشاركون في الانتخابات التمهيدية،وستنتهي في 18 نوفمبر المقبل في منتصف الليل. وفي حال تنظيم دورة ثانية، فالحملة الانتخابية ستبدأ مباشرة بعد نشر نتائج الدورة الأولى لغاية 25 نوفمبر 2016 في منتصف الليل.
معركة حامية بين جوبي وساركوزي
مع بداية الحملة للانتخابات التمهيدية لليمين الجمهوري، بدت بشكل واضح أنّ المنافسة ستنحصر بالخصوص بين مترشّحين إثنين  لهما باع طويل في العمل السياسي، وتقلّدا مناصب عليا بلغت هرم السلطة ذاتها.
المنافسة الشّرسة بدأت بين نيكولا ساركوزي وآلان جوبي اللّذان يعتبرهما كثيرون بأنهما غريمان مند أربعين سنة، أي مند دخولهما المعترك السياسي في منتصف السبعينيات.
فمنذ السبعينات كان الرجلان يتوليان مهاما مختلفة تماما، وعندما كان جاك شيراك رئيسا للحكومة «لاحظ أنّهما يشكّلان ثنائيا متكاملا، فعهد إلى ساركوزي كل ما يتعلق بالعمل الميداني ومنتدى النقاشات، وإلى جوبي الشؤون الإدارية والاجتماعات الإستراتيجية».
وبعد عدة معارك مشتركة، انفصلا مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي في 1995. وبقي جوبي مؤيدا لشيراك، في حين انضم ساركوزي إلى المرشّح اليميني الآخر ادوار بالادور الذي هزم فيها.
وبعد هذه المواجهة الأولى، مرّ الرجلان بأوقات عصيبة. وبعد أن استبعد من قبل شيراك الذي أصبح رئيسا، كان على ساركوزي الانتظار حتى العام ألفين للعودة إلى الواجهة.
وسرعان ما تراجعت شعبية آلان جوبي الذي عين رئيسا للوزراء، مع تظاهرات حاشدة احتجاجا على إصلاحاته الاجتماعية في شتاء العام 1995، وفي 2004 تلقّى ضربة موجعة عندما حكم عليه بعدم الأهلية لانتخابه في قضية وظائف وهمية.
والمفارقة هي أنّ انتخاب ساركوزي رئيسا في 2007 أعاده إلى الساحة السياسية مع إسناد حقيبة الدفاع إليه ثم الخارجية.
نقاط ضعف ساركوزي
أما اليوم فلم تعد المرحلة مرحلة التعاون بل على العكس، وتبدأ خلافاتهما أصلا بأسلوبهما المتباين. ونقلت أسبوعية «لوكانار انشينيه» الساخرة عن ساركوزي قوله إنّ «ترشّح جوبيه لا يزعجني بتاتا فهو يجعلني أشعر بأنّي أصغر سنا». أما جوبي فينتقد خصمه لافتقاره إلى رباطة الجأش حتى أنه وصفه بأنّه «شخص هائج» أو «هستيري إلى أقصى درجة»،
لكنهما مختلفان كل الاختلاف في الجوهر. في بلد شهد سلسلة اعتداءات إرهابية يشنّ ساركوزي حملة قوية تتعلّق بالأمن والهوية والإسلام، ويؤكّد على ضرورة انتماء كل الفرنسيّين إلى أجدادهم «الغاليين».
أما جوبيه فيراهن على «الهوية السعيدة» ويرفض «الانصياع للخوف»، ويدعو إلى عدم وصم المسلمين حفاظا على لحمة المجتمع.
الكفّة لصالح جوبي
أظهر استطلاع للرأي حول الانتخابات الرئاسية التمهيدية التي ينظّمها حزب الجمهوري (يمين) في فرنسا، تقدم آلان جوبي على نيكولا ساركوزي كمرشح محتمل للحزب في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في 2017.
وأفاد الاستطلاع، أنّ حوالي 42 بالمئة من ناخبي اليمين ينوون التصويت لوزير الخارجية السابق آلان جوبي، فيما يقول ذات الاستطلاع إنّ 28 بالمئة فقط من ناخبي اليمين ينوون التصويت للرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
ورأى المحلّل السياسي الفرسي رولان كارول،أن تراجع ساركوزي يعود إلى «الاستراتيجية الانتخابية التي يتبعها».
وأوضح أنّ عماد هذه الاستراتيجية هو «الخطاب المعادي للمهاجرين والمسلمين في فرنسا، وتلويحة بمشاريع قوانين ضد الحجاب والبوركيني في الأماكن العامة، وإهماله للمشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الفرنسي في حياته اليومية، مثل البطالة و السكن وتراجع القدرة الشرائية وغلاء الأسعار».
ويقدّر عدد من المتابعين والمحللين أن من أسباب تراجع ساركوزي أيضا، كثرة الفضائح المالية والسياسية التي تلاحقه، من أبرزها ما يتداول في عدد من وسائل الإعلام الفرنسية والدولية من امكانية أن يكون الرئيس الليبي السابق أحد أهم مموّلي حملته الانتخابية في عام 2007.
اليمين المتطرّف قد يحدث المفاجأة
رغم أنّ الكثير من الشّخصيات لم تعلن ترشّحها بعد للاستحقاقات الرئاسية الفرنسية القادمة، وفي مقدّمتهم الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند، غير أن التّحليلات والاستقراءات بدأت تحدّد ملامح ساكن الاليزي القادم، ويتحدّث الكثيرون عن استبعاد انتخاب هولاند مرة أخرى؛ في ظل وضع اقتصادي وسياسي أمني ضعيف.
ويرى المراقبون ضرورة أن تنتج الانتخابات الرئاسية المرتقبة مشهدا جديدا على الصعيد الداخلي بفرنسا، مع ترجيح إعادة النظر في قدرة الحزبين المهيمنين «الجمهوريون» و»الحزب الاشتراكي» على الخروج من الوضع الراهن، حيث عكست تداعيات الظروف السياسية والاقتصادية الحالية، التي جاءت بعد عهدين رئاسيين لشخصيتين تنتميان إلى هذين الحزبين الكبيرين، حالة من تراجع الثقة فيهما، في مقابل صعود ملحوظ لشعبية «الجبهة الوطنية» المصنّفة في خانة اليمين المتطرف، الأمر الذي يثير تخوّف الكثيرين، خاصة العرب منهم، لاسيما أنّ هذا الحزب يميل إلى العنصرية ضد اللاجئين والمغتربين الأجانب في فرنسا.
وتذكر الأيام الجارية الفرنسيّين بانتخابات 2002 الرئاسية عندما صعد اليمين المتطرف على حساب الحزب الاشتراكي الذي سقط في الجولة الأولى، فانتقل إلى الجولة الثانية بدلاً من مرشّحه، زعيم «الجبهة» اليمينية المتطرّفة، جان ماري لوبن، وهو والد رئيستها الحالية، مارين لوبن. وكل المؤشّرات تدفع فرنسا أكثر نحو مشاهد سياسية شبيهة بواقع عدد من الدول الأوروبية اتجهت ناحية انكسار هيمنة الأحزاب التقليدية على الحياة السياسية، الأمر الذي يفتح الانتخابات الرئاسية المقبلة على كل الاحتمالات.
حظوظ هولاند ضعيفة
قال زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي جان كريستوف كامباديلي إنّه بناء على التوجهات الحالية لن يستطيع أحد من المرشحين الاشتراكيين الفوز أو حتى الوصول إلى جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة الفرنسية في عام 2017.  ويقول المتتبّعون للشّأن الفرنسي أنّ فرص إعادة انتخاب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي لم يعلن ترشّحه بعد أصبحت بعيدة بشكل متزايد، إذ تراجعت نسبة الموافقة عليه بشكل كبير في أعقاب ما تمّ الكشف عنه في الآونة الأخيرة في كتاب لاثنين من صحفيي صحيفة لوموند بشأن تصريحات تتعلق بأمور سرية والإسلام والقضاة. ويشهد الحزب الاشتراكي انقساما.  وتشير استطلاعات الرأي إلى أنّ الفائز في التصويت في الانتخابات الأولية للحزب الجمهوري، سيفوز في الانتخابات الرئاسية في أفريل، وعلى الأرجح في جولة إعادة أمام مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرّفة.
وبعيدا عن هذه التوقعات والقراءات، تبقى الانتخابات الفرنسية مفتوحة على كل الاحتمالات.