ما يزال مشروع القانون المتعلق بالتقاعد المسبق أو النسبي يثير جدلا، في الأوساط العمالية، فقد تحول إلى مطلب ما فتئت بعض النقابات المستقلة تبرزه وتلوح بالإضراب للإبقاء عليه وتعتبره مكسبا، في حين تؤكد الوزارة المعنية على لسان بعض المسؤولين فيها، أنه إجراء ظرفي استدعته مرحلة معينة، في تسعينيات القرن الماضي .
أبرز جواد بوركايب المدير العام للضمان الاجتماعي بوزارة العمل في تصريحاته الأخيرة، من الناحية التقنية، أهمية هذا الإجراء أو القانون المتعلق بإلغاء التقاعد المسبق، كون الإبقاء على هذا الأخير، يؤدي إلى انهيار نظام التقاعد الذي تعتمده الجزائر والذي يمثل من أحسن الأنظمة في العالم ، نظرا للمزايا التي يتمتع بها والنسبة التي تحسب على أساسها قيمة منحة التقاعد التي لا تقل عن 80 بالمائة.
وأوضح في هذا الإطار أن الحق في الاستفادة من التقاعد لن يكون إلا ببلوغ السن القانونية لذلك وهو 60 سنة، لافتا إلى أن صندوق التقاعد بدأ يعرف اختلالات من حيث الموارد، لدرجة انه بالإمكان أن يصل الأمر إلى الإفلاس و بالتالي القضاء على الجانب التضامني، للأجيال المتعاقبة، لأن تمويله يأتي من الاشتراكات، لعدد من السنين لا تقل عن 32 سنة (القانون الحالي).
ارتفاع معدل عمر الفرد الجزائري إلى 77 سنة تحتم المد في سنوات العمل
غير أن ارتفاع معدل عمر الفرد الجزائري إلى 77 سنة ، كما أن الكثير من الأشخاص الذين يحالون للتقاعد أو يطلبون تقاعدا مسبقا، غالبا ما يلتحقون مجددا بسوق الشغل، ما يعني أن بإمكانهم ، و ما دام كذلك ، فلما لا يواصل عمله و يدفع اشتراكاته للصندوق، وكلما زادت سنوات العمل استمر تمويل الصندوق، و يستفيد من منحة تقاعد ذات قيمة معتبرة.
ويذكر أن القانون 86 -12 هو الذي يحدد شروط الإحالة على التقاعد، حيث حدد السن ب 60 سنة حسب ما ذكر سليمان ملوكة المدير العام للصندوق الوطني للتقاعد في تصريح له، وهذا معمول به في الكثير من الدول، غير أن الظروف التي مرت بها البلاد في سنة 1994، أدت إلى تعديل هذا القانون بالأمر 97 -13، تغير بموجبه الحد الأدنى للتقاعد فيما يخص السن، حيث يمكن للعامل إذا استوفى سنوات الخدمة المقدرة ب 32 سنة، له الحق في النسبة الكاملة للتقاعد والتي تصل إلى 80 في المائة، و ذلك حسب الأجر المعمول به، ما سمح للكثير من العمال بالذهاب إلى التقاعد في سن مبكرة (5 سنة بالنسبة للرجل و 54 سنة بالنسبة للمرأة).
غير أن تغير الظروف مع مرور الزمن أصبح “غير منطقي” حسب ذات المتحدث، لأن الصندوق لا يمكن أن يواصل بصفة مستمرة في دفع معاشات التقاعد، لا بد أن يحافظ على توازنه المالي، القائم على اشتراكات العمال والموظفين، مشيرا إلى أن 7 من أصل 10 ملفات المودعة على مستواه تتضمن طلب التقاعد المسبق.
وبعد 20 سنة من تطبيق هذا الأمر ، اتضح أن هذا الصندوق بدأ يفقد توازنه المالي، فبتسجيل إقبال كبير على طلب التقاعد المسبق، قلت المداخيل، وارتفعت بالمقابل المصاريف، وهذا ما تطلب إلغاء هذا الأمر وتعديل القانون لضمان دفع المعاشات للمتقاعدين حاليا والمقدر عددهم ب 3 ملايين متقاعد، ولضمان مستقبل المتقاعدين الذين سيلحقونهم مستقبلا .
و بالرغم من هذه التوضيحات والبراهين التي يقدمها الخبراء والمختصون فيما يتعلق بضرورة إلغاء الأمر المذكور، و اعتماد شرط السن في الذهاب إلى التقاعد معطيات تقنية محضة، إلا أن الشريك الاجتماعي، انشطر في موقفه من هذه المسألة إلى مؤيد لمشروع إلغاء هذا الأمر الذي سيطرح على البرلمان و المصادقة قريبا، كما هو الحال بالنسبة للمركزية النقابية، التي أبدى أحد قيادييها موقفا مؤيدا للتوجه نحو الرفع من سنوات العمل، بينما تصر النقابات المستقلة على رأيها الرافض لذلك ، ترى أن هذا التقاعد مكسب لن يتم التخلي عنه مهما كان الأمر .