طباعة هذه الصفحة

قوانين الإعلام والعقوبات لم توقف التجاوزات

مشــروع انتخــاب مجلس أخلاقيــات المهنـــة المحطـة الفاصلـة

حكيم بوغرارة

لم تعرف الساحة الإعلامية في الجزائر اهتماما بقضايا أخلاقيات المهنة، بالنظر للظروف التي عاشتها الجزائر، حيث لم يطرح بعد الاستقلال بالشكل الذي نعرفه الآن في ظل التعددية الإعلامية، لأن وسائل الإعلام كانت عمومية، وبالنظر لطبيعة النظام الاشتراكي لم تكن التجاوزات موجودة ولم تسجل أية قضايا قذف في المحاكم، إلا بعد دستور 23 فيفري 1989، الذي سمح بظهور الصحافة الخاصة وبدأت معها حرية التعبير والصحافة على مستوى التشريعات، لتكون الممارسة مندفعة كثيرا، خاصة وأنها تزامنت مع المد الإرهابي الذي زاد من متاعب المهنة.
عرفت حرية التعبير والصحافة آنذاك تدفقا واهتماما كبيرين من قبل الرأي العام، خاصة من خلال تكسير عديد الطابوهات وبروز تيارات سياسية وفكرية كانت تناضل إما في السرية أو تمارس السياسة في الظل.
وفي ظل فتوة الصحافة الجزائرية حاولت الكثير من الأطراف استغلالها لتأجيج الفتنة وتصفية الحسابات الضيقة وممارسة التضليل، حتى ظن المتتبع للشأن الإعلامي أن بعض الصحف في ذلك الوقت تم تأسيسها من قبل مجموعات ودوائر مافيوية لتمرير رسائل معينة واستهداف كل من تسول له نفسه الوقوف له في الطريق. كما تم استهداف شخصيات وطنية والتشكيك في نزاهة البعض بإيعاز من مؤسسات، كان يفترض أن تكون مخلصة للدولة.
أمام كل هذه التطورات والتحولات، تعالت الكثير من الأصوات لوضع أسس لمجلس أخلاقيات المهنة لحماية الممارسة الإعلامية بصفة عامة من التجاوزات واستغلالها في أمور غير مشروعة. وكانت الكثير من المحاولات الفاشلة لجمع الإعلاميين وتنظيمهم من أجل ميثاق أخلاقيات، يكون مكملا للتشريعات ويضم الإعلاميين أنفسهم لفرض احترامه والالتزام بقواعده.
تكمن أهمية مجلس أخلاقيات المهنة، في التكفل بتصحيح مسار الصحافة الوطنية وحمايتها من الاستعمالات غير المشروعة. كما أن إلغاء عقوبة حبس الصحافي اعتبرت من أهل الاختصاص والمهنة قيمة مضافة للقائمين على تنظيم الصحافة لتحمل المسؤولية بدل ترك الأمور تسير نحو الانفلات.
الصحافيون أول من تمرد على الأخلاقيات!
تمكن الصحافيون الجزائريون، بعد 10 سنوات من التعددية، من تنظيم أنفسهم لإنتخاب أول مجلس لأخلاقيات المهنة، كان ذلك في ربيع 2000 بالعاصمة. ورغم حساسية الفترة وبعد جهد جهيد، اتفق الإعلاميون على تنظيم أنفسهم، لكن اختلاف التوجهات والمصالح لم تكن لتجعل ولادة ذلك المجلس يسيرة. بعد مدة قصيرة لم يتمكن مجلس أخلاقيات مهنة الصحافي من فرض الصرامة اللازمة ومنع تمرد المؤسسات الإعلامية على قراراته. كما أن الكثير من المؤسسات الإعلامية رفضت العمل معه، بحجة أنها لم تحضر لعملية تأسيسه.
تعكس تلك التجربة الصعبة لإحدى أهم المؤسسات التي ضمت إعلاميين، على غرار الصحافي القدير زوبير سويسي – رئيس المجلس، وسعيد قرايت من جريدة “الشعب” ورابح مداوي من التلفزيون، الذين لم يكتب لهم تجسيد ميثاق أخلاقيات ومهنة الصحافي في الجزائر، والذي كان سابقة في تاريخ الصحافة الجزائرية، بالنظر لتشكله من إعلاميين فقط، ليتأكد أن مسألة تنظيم الصحافة في الجزائر وتطهيرها من القذف والسب وسرقة المواضيع وذكر مصادر الخبر، لن يكون بالأمر الهين.
يعتبر الإعلاميون الوقوف عند أسباب فشل المجلس السابق لتعبيد الطريق جيدا للمجلس الجديد، المنتظر تشكيله مستقبلا، بعد استكمال إحصاء الصحافيين المحترفين، مثلما تحدثت عنه وزارة الاتصال في الكثير من المرات.
روح الأخلاقيات ومصالح الممارسة
تضمن ميثاق أخلاقيات ومهنة الصحافي عديد الأمور المثالية والممتازة لتنظيم المهنة، خاصة وأن الميثاق كان ثمرة تجربة 10 سنوات ممارسة في عز التعددية، مع الأخذ ببعض تجارب دول سبقتنا في حرية التعبير والصحافة، لكن المصالح الضيقة واللهث وراء الإشهار والانصياع للكثير من الأطراف والدوائر الضاغطة، جعل من المجلس يفشل ويندثر فيما بعد، في ظل رفض الكثير من المؤسسات الإعلامية التعامل معه وتطبيق القرارات غير الملزمة للذين يقومون بتجاوزات.
نصّ ميثاق أخلاقيات وقواعد المهنة للصحافيين الجزائريين، المفرج عنه في 13 ماي 2000، على الكثير من الأمور الإيجابية. ففي باب “بيان الواجبات والحقوق”، نص على أن الصحفي المحترف، مهما كان وضعه، هو من يمارس بصفة أساسية مهنته بطريقة منتظمة ومقابل أجر في وسيلة أو عدة وسائل إعلامية. ومنها يستمد موارده الأساسية”.
وتطرق إلى ماهية الحق في الإعلام، موضحا “أن الحق في الإعلام وحرية التعبير والنقد، هو من الحريات الأساسية التي تساهم في الدفاع عن الديمقراطية والتعددية. ومن هذا الحق في معرفة الوقائع والأحداث والتعريف بها، تنبثق مجموعة واجبات وحقوق الصحافيين”.
وتوقف المجلس كثيرا عند مسؤولية الصحافيين لحماية المهنة من كل السلوكات المشينة، خاصة القذف والسب والشتم والتطرق للحياة الخاصة للأفراد. وورد في هذا المجال، “أن مسؤولية الصحافي إزاء الجمهور تعلو على كل مسؤولية أخرى،خاصة إزاء مستخدمة وإزاء السلطات العمومية. تتضمن مهمة الإعلام بالضرورة حدودا يفرضها الصحافيون على أنفسهم ويطبّقونها بحرية. وهذا هو موضوع بيان الواجبات المصاغ هنا”.
وشدد الميثاق آنذاك، على ضرورة توفير الجو الملائم لممارسة مهنة الصحافي قبل محاسبته، من خلال ضمان استقلاله عن أهواء وشهوات المساهمين وضغوطات أصحاب المال والأعمال، حيث اتفق أعضاء مجلس أخلاقيات المهنة على أن “...الواجبات لا يمكن إن تحترم فعليا أثناء ممارسة المهنة، إلا إذا توافرت الظروف العملية لاستقلالية الصحافي”.
للتأكيد على أن الميثاق ليس قانونا للعقوبات وإنما مبادرة للضمير والحفاظ على الخطوط العريضة الميثالية لمهنة الإعلام، حيث جاء في الميثاق “أن هذا الميثاق ليس بالقانون المسلط والرادع ولا بالنظام الذي يفرض ويجبر وإنما هو ميثاق أخلاقيات يحدد مجموع قواعد السلوك القائمة على المبادئ المعمول بها عالميا، لضبط علاقة الصحافيين فيما بينهم وعلاقتهم بالجمهور. وينبغي أن تتخذ هذه القواعد المتبناة بحرية والمصادقة عليها ديموقراطيا، كدليل سلوك في ممارسة مهنة الصحافة”.
وحدد المجلس واجبات الصحافيين أثناء القيام بعملهم والتي ضمت ضرورة قول الحقيقة وتجسيد الحق في الإعلام والدفاع عن حرية الرأي والتعليق والنقد والفصل بين الخبر والتعليق واحترام الحياة الخاصة للأشخاص والامتناع عن تحريف المعلومات، ونشر الشائعات.
ومن الواجبات عدم لعب دور القاضي أو الشرطي أو تقاضي أموال من أطراف غير المؤسسة الإعلامية، مع افتراض البراءة في الكتابات الصحافية وغيرها من الواجبات التي كانت مثالية وتعكس مستوى الإعلاميين الجزائريين.
ودافع المجلس عن حقوق الصحافيين، التي صنفها بعد الواجبات وشملت الوصول إلى كل مصادر الخبر والحق في التحقيق الحر في كل الوقائع التي تتعلق بالحياة العامة. ولا يمكن أن يمنع من الوصول إلى المصادر إلا استثناء وبموجب أسباب معبّر عنها بوضوح.
من الحقوق التي ركز عليها الميثاق، هو تمتع الصحافيين بقانون أساسي مهني. مع الحرص على الاستفادة من تكوين متواصل وتحسين مؤهلاته المهنية.
وحتى يكون احترام للمهنة، شدد المجلس على ضرورة تمتع الإعلاميين بالشروط الاجتماعية والمهنية الضرورية لممارسة مهنته وعقد عمل فردي في إطار اتفاقية جماعية ضامنة لأمنه المادي واستقلاليته الاقتصادية، الاعتراف له بحقوق التأليف والاستفادة منها.
إن المطلع على الحقوق والواجبات التي تضمنها ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافي، يكتشف بأنها كانت مثالية وسامية الأهداف، غير أن تطبيقها ميدانيا يجعلها تصطدم بالكثير من العراقيل، أهمها الضغوطات الكبيرة التي يتعرض لها الصحافيون من قبل مالكي عناوين الجرائد وتوظيفهم في تصفية الحسابات. كما أن سلطان المال والإشهار جعل الكثير من وسائل الإعلام تتخذ من السب والشتم والقذف وقودها اليومي، ناهيك عن الأوضاع الاجتماعية الصعبة للصحافيين الذين يقبلون بما هو متوفر من إمكانات، لأن الاحتجاج قد يجعل الكثيرين منهم يفقدون مناصبهم.