طباعة هذه الصفحة

الدكتور أحمد تليلاني لـ«الشعب”:

الأدب الجزائـري المهاجـر حلقـــة مفصليـــة في التحرر الوطنـي

سكيكدة: خالد العيفة

 النخبــة القلـب النابـض للثـورة الجزائريـــة

قال الدكتور احسن ثليلاني لـ«الشعب”، “أن الملتقى الوطني الثاني حول الأدب الجزائري المهاجر الذي تنظمه الكلية بالتنسيق مع مديرية الثقافة وقصر الثقافة، ينطلق اليوم بمناسبة الذكرى 55 ليوم الهجرة”.
ذكر الدكتور “أن الأدب الجزائري بالمهجر يعد حالة ثقافيةٌ ولّدتها ظروف تاريخية وأسباب موضوعية فرضت على ثلة من الكتاب الإقامة في مختلف المهاجر العربية، الأوروبية، والعالمية، واتخاذها موطنا جديدا، غير أن هذه الهجرة وحياة الغربة لم تمنع أولئك الأدباء المهاجرين من إعلان انتمائهم والتعبير عن ولائهم للرحم والتزامهم بالوطن الأم”.
وأضاف الدكتور عميد كلية الآداب واللغات بجامعة 20 أوت 55 بسكيكدة، “ان البحث في قضايا الأدب الجزائري المهاجر من أهم المجالات الخصبة التي أصبحت تفرض نفسها على الدارسين في الجامعات الجزائريةٌ، العربية، والأجنبيةٌ على امتداد العالم أجمع، نظرا لما أصبح يتميز به هذا الأدب من مستوى فني رفيع وانتشار دولي واسع، واستقطاب نقدي أهّله لانتزاع الاعتراف والتتويج”، مؤكدا” والأمر هنا لا يقٌتصر فقط على الأدب الجزائري باللسان الفرنسي ولكنه يشٌمل أدب الجزائريين بمختلف اللغات وفي شتى بلدان العالم”.
وأردف الاستاذ “ان أدب المهجر الجزائري استطاع أن يتحدى أسوار المحلية ليطٌالب بالعالميةٌ لأنه أدب رفيعٌ وإنساني بامتياز وذلك منذ أن أخذ زمام الدفاع عن الثورة التحريرية الكبرى، إلى أن تولى الدفاع عن المجتمع بعد الاستقلال، فاستحق بذلك أن يكون لسان مجتمعه، يفٌرح لأفراحه، ويتألم لآلامه”.
واعطى أحسن ثليلاني امثلة عن جيل الثورة من أمثال محمد ديبٌ وكاتب ياسين وآسيا جبار وغيرهم،” الدين تركوا بصماتهم على هذا الأدب وجعلوه مقدسا قداسة هذه الثورة، ليحمله جيل الاستقلال، للنهوض به إلى ما بعد المرحلة الكولونيالية في جانبيها الفردي والجماعي، وعلى جميع مستوياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية مثلما نجد ذلك في كتابات ياسمينة خضرا وأحلام مستغانم ورشيدة محمدي وغيرهم”.
فالأدب الجزائري المهاجر حسب الدكتور “حالة ثقافية لها أسبابها وظروفها التاريخية المعقدة، ومهما تعددت تلك الأسباب فإن هذا الأدب جاء ليكمل بعض ما فات الأدب الجزائري في الداخل، ولا يمكننا الحكم عليه إلا من خلال بعض الأطروحات من أهمها ما تٌعلق بالهوية والانتماء والهدف والالتزام والشهرة وما إلى ذلك، وهل تحكمه ضوابط أخلاقية أو سياسية أو إيديولوجية أو جمالية أوغيرها من هذه الأمور، وهل تأثر الأدباء الجزائريون في المهجر بغيرهم من الأدباء الأجانب من خلال المثاقفة والترجمة وصلات التقارب وأشياء أخرى”.
وأوضح عميد كلية الآداب واللغات “ان الملتقى حول الأدب الجزائري المهاجر جاء ليحاول الإجابة عن أهم التساؤلات المتصلة بخمسة محاور كبرى وهي محاور الملتقى، الشعر الجزائري المهاجر السرد الجزائري المهاجر، المسرح الجزائري المهاجر، الأدب الجزائري المهاجر بين المحلية والعالمية، ترجمة الأدب الجزائري المهاجر”.
مغامرات الرحلة والسفر
فقضية الأدب الجزائري المهاجر حسب ثليلاني تطرح خلطا كبيرا في المصطلحات فنحن عندما نقول الأدب المهاجر فهذا الوصف يمكن أن ينطبق حتى على الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية أو بلغات أخرى غير العربية والأمازيغية فهو أدب مهاجر في لغته وليس شرطا أن يقيم كتابه خارج الوطن، أما عندما نقول أدب المهجر فهذا الوصف يمكن أن ينطبق على كل أدب كتب خارج الوطن حتى وإن كان باللغة العربية، أما أدب الهجرة فهو ذلك الأدب المرتبط أساسا بمغامرات الرحلة والسفر خارج الوطن حتى وإن كانت هذه الرحلة قصيرة، وهناك نوع آخر من الأدب المهاجر وهو أدب المهاجرين وأبناء المهاجرين الجزائريين الحاملين لجنسيات غير جزائرية مثل حالة الكاتب عزوز بقاق وهناك أيضا أدب الحراقة من الكتاب الجزائريين الذين غادروا الجزائر بطرق غير شرعية ثم اكتشفوا مواهبهم الأدبية وأصدروا إنتاجات إبداعية في ديار الغربة”، ليضيف الدكتور “يأتي تخصيص الجزائر يوما وطنيا للهجرة بمثابة اعتراف رسمي وشعبي بدور المهاجرين الجزائريين في خدمة الأمة الجزائرية والتضحية في سبيل حريتها واستقلالها ونهضتها، وما اختيار يوم 17 أكتوبر إلا تذكير فقط بتلك المظاهرات العارمة التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس

ليلة 17 أكتوبر 1961 للتنديد بالسياسة الاستعمارية ودعم القضية الوطنية وهي المظاهرات التي شارك فيها حوالي 60000 متظاهر واجهتهم الشرطة الفرنسية تحت إدارة موريس بابون بكل قسوة حيث تم قتل المئات منهم بالرصاص الحي وبالقذف في نهر السين إضافة إلى اعتقال الكثير منهم والزج بهم في السجون والمعتقلات، وهو ما جعل المؤرخين يطلقون على هذا اليوم عبارة: “مجزرة باريس” وهي المجزرة التي غابت للأسف عن إبداعات الكتاب والأدباء إلا القليل جدا منهم مثل الكاتب مجيد بن الشيخ الذي ألف مسرحية بالفرنسية تشخص تلك المأساة سماها “أمسية في باريس” كنت قد ترجمتها وتولى مسرح أم البواقي تقديمها مشكورا، ومجيد بن الشيخ الذي ألف المسرحية أمسية في باريس جزائري مهاجر يعيش في طوكيو باليابان وهو من مواليد الاستقلال وقد استلهم الموضوع من خلال حكايات والده المهاجر، وإننا إذ نختار هذا اليوم الوطني لعقد ملتقى الأدب الجزائري المهاجر بجامعة سكيكدة يومي 17 و18 أكتوبر 2016، فإننا نطمح من خلال ذلك إلى نفض الغبار عن جناح مهم من أجنحة الثقافة الجزائرية ونعني به مساهمات الكتاب الجزائريين في مختلف المهاجر عبر مشارق الأرض ومغاربها.
من أبوليوس إلى رضا حوحو
غاص الدكتور في أعماق تاريخ الأدب الجزائري الذي اعتبره “مليء بظاهرة الكتاب المهاجرين منذ أبوليوس لوكيوس الذي كتب أول رواية في تاريخ البشرية عنوانها:«الحمار الذهبي” وهو الأديب الجزائري ابن مدينة مداوروش بسوق اهراس إلى الشاعر الأمير عبد القادر الذي نفي إلى سوريا وكتب فيها أجمل أشعاره بل إن الأدب الجزائري الحديث إنما تأسس وتطور في المهاجر مثل أحمد رضا حوحو الذي كتب أول رواية وهو مقيم في السعودية عنوانها “غادة أم القرى” إلى الشاعر رمضان حمود الذي أبدع الشعر الرومانسي وهو طالب بالزيتونة في تونس، حتى إذا اندلعت الثورة هاجر الكثير من الأدباء الجزائريين وحملوا على عاتقهم مهمة التعريف بالقضية الجزائرية مثلما فعلت الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني والمسرح الإذاعي عبر أثير صوت الجزائر من القاهرة ومن تونس ومثلما فعل كاتب ياسين الذي هاجر إلى فرنسا وأحرجت كتاباته الضمير الأوروبي، أما بعد الاستقلال فقد هاجر بعض الأدباء مثل محمد ديب وآسيا جبار وأحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق وعمارة لخوص وغيرهم كثير ومثل الأدب مثل الرياضة بحيث إن أهم الأصوات الأدبية التي رفعت العلم الجزائري عاليا إنما هي الأصوات المهاجرة وهذا لأسباب عديدة يمكن طرحها والإجابة عنها في الملتقى” .