طباعة هذه الصفحة

إنتفاضة ضمـير

فنيدس بن بلة
10 أكتوير 2016

حالة من التأثر البالغ عرفه منتدى “الشعب” في وقفة تأبين فقيدة الجريدة أمال مرابطي، التي حملت عنوانا ذا دلالة واعتبارا يليق بمقام من سخرت قلمها سلاحا في نصرة قضايا الأسرى والمبعدين ورافعت بلا توقف من أجل تحرير فلسطين القضية والوطن.
كم كان شعار الوقفة مناسبا للتذكير بمسار الإعلامية الراحلة التي احترق فؤادها من أجل قضية مركزية معبّرة عن الضمير الجمعي الجزائري، الذي وضع فلسطين أولى الأولويات وأعلاها فوق الحسابات، مجسدا مقولات حفظت عن ظهر قلب: “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، “مع فلسطين في السراء والضراء” ومقولات ظلت تردد على الملأ في بلد الشهداء والحرية منذ أولى شرارة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي ودوائره وحلفائه في السر والعلن.
كان شعارا زُيّنت به منصة المنتدى، يتوقف عنده كل مشارك في الوقفة التأبينية ويقرأه ألف مرة ومرة “أمال مرابطي عاشقة فلسطين سفيرة الأسرى لدى الجزائر”. اختصر العنوان الدقيق كل شيء ولم يترك مكانا للتعليق والزيادة.
كل من تناول الكلمات من سفير دولة فلسطين السيد عيسى لؤي، ممثل الجالية الجزائرية في غزة أبوطير فتح، الرئيسة المديرة العامة للشعب السيدة أمينة دباش ووالد الفقيدة قدور مرابطي، الذي لبّى دعوة الحضور إلى الوقفة التابينية رفقة ابنه، مكسرا حاجز الجغرافيا مقرّبا المسافة بين قالمة والعاصمة، اهتم بهذا العنوان. وانصبّ جل تحليله ورؤيته وشهادته حول خصال الإعلامية أمال ومسارها ونضالها الذي ألف بين قلوب فلسطينية تحترق شوقا من أجل الوطن المستقل، معلقة الأمل على الآتي في استعادة الحق المهضوم والبلد المغتصب بلا وجه حق.
كانت كلمات المتدخلين تنساب وسط جموع الإعلاميين والضيوف مليئة بالحسرة والألم ومشحونة كذلك بالأمل الذي حملته الإعلامية ولم تفارقه لحظة في تدوين تعاليق أو إجراء حوارات مع أهل الاختصاص حول القضية الأم فلسطين، وقضايا التحرر الأخرى، منها الصحراء الغربية، مقتنعة أن معركة استعادة السيادة والوطن في فلسطين لا تقع على عاتق المسلح وحده المتخندق في غزة والضفة الغربية يواجه مؤامرات الداخل والخارج ويجعل من الحصار قوة إضافية في المواجهة المفتوحة.
عبّرت أمال عن الضمير الجمعي الجزائري وكانت أحد أصواته ومنابره في إعلاء صوت الحرية وعدم الاستسلام، اعتمادا على مرجعية نوفمبر التي شكلت ولازالت الدرس الوافي والرسالة الأمينة لكل منتفض في أي أرض للمعذبين فوق المعمورة وما أكثرهم!
انتفضت أمال وكانت الصرخة المدوية المعبّرة عن ملايين الجزائريين الذين عرفوا، بعد تجارب مرة وقساوة وآهات في متابعة ما يجري في فلسطين الماضي، الحاضر والمستقبل، ما ردّده قادتهم السياسيون في فجر الحرية: “إن استقلال الجزائر يبقى منقوصا في ظل احتلال فلسطين”.
أدرك ملايين الجزائريين معنى هذا الكلام واقتنعوا حدّ الثمالة أنها ليست رسالة مشفّرة، لكن تحذيرا من الآتي ويقظة لتجنب مؤامرات تتكرر وتأخذ مسالك حلزونية في الرقعة الجيو استراتيجية العربية من أجل خلط الأوراق وجعل القضية الفلسطينية في مراتب غير مراتبها وتذويبها في التناقضات والاهتزازات المرتدة بلا توقف، تمليها حسابات الداخل والخارج وإملاءات أجندات ذات هدف واحد: إبقاء استقلال فلسطين مؤجلا إلى إشعار آخر”.
لكن هذه الحسابات والمخططات التي انكشفت لدى الجزائريين وسقطت أقنعتها، ساهم فيها الإعلام النزيه الجاد والراحلة أمال كانت إحدى واجهاته.