تولي أغلب دول العالم أهمية كبيرة للسياحة بالمتاحف لما لها من دور فعال في التنمية المحلية وتحقيق لعوائد اقتصادية معتبرة، ولعل هذا ما دفع بالدولة الجزائرية من خلال وزارتي الثقافة والسياحة إلى إعادة النظر في الكثير من الأمور المتعلقة بالسياحة الثقافية والمتحفية وتشجيعها، بإطلاق برامج هامة لإحداث تحوّل ثقافي في نظرة المجتمع الجزائري «المقاطع منذ سنوات لزيارة المتاحف»، وما تحويه من تراث وطني، وتعزيز الوعي بقيمته، وتطوير الثقافة المتحفية، خاصة أن الجزائر تزخر بكنوز ثقافية وطبيعية وأثرية هامة تجعل منها قطبا سياحيا إقليميا، وأن هاته المعالم الحضارية شاهدة على التاريخ والتراث الحضاري للدولة الجزائرية.
لقد أدركت العديد من الدول حسب ضيف جريدة «الشعب» السيد شفيق بوغرارة رئيس الدائرة الأثرية بتازولت بباتنة، بأنّ السياحة المتحفية والأثرية في القرن الحالي ليست أكبر صناعة في العالم فحسب بل إنها ستكون الأكبر مستقبلا، وبفارق كبير، مؤكدا أن الجزائر أدركت هذا الرهان لذا فهي تسعى جاهدة لتدارك النقائص المسجلة في السنوات الماضية وتحقيق قفزة نوعية تجعل منها قبلة للسياح الداخليين والأجانب، الأمر الذي من شأنه دفع عجلة التنمية السياحية وخلق ثروة بديلة تماشيا وتوجهات الحكومة الجزائرية في هذا الشأن بعد تهاوي أسعار النفط، من خلال البحث عن الإستثمارت في هذا الجانب كون الجائر من بين أغنى الدول في مجال الآثار والمتاحف والتاريخ. وقد اهتمت كل دول العالم يضيف المتحدث خلال لقاء جمعه معنا، بفتح أسواق جديدة إلى جانب التقليدية لأجل استمرارية المد السياحي طيلة العام، وتقديم برامج سياحية بخدمات ذات نوعية عالية ومنافذ توزيعية مناسبة، من شأنها زيادة فترة إقامة السائح فضلا عن امتلاك وسائل متطورة للترويج السياحي والفندقي والأثري والمتحفي.
تعتبر أهم مقوّمات نجاح أي استراتيجية للنّهوض بالقطاع
ويعتبر الترويج للسياحة المتحفية الداخلية من بين أهم مقومات نجاح أي استراتيجية للنهوض بقطاع المتاحف بالجزائر، فهي صناعة تصديرية هامة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بينما يعتبر تشجيع السياحة الخارجية التي تحقق فائضا من العملة الصعبة أمرا ضروريا لتمويل عملية التنمية والتعريف بتاريخ الجزائر والحضارات الهامة التي تعاقبت عليها، فالقطاع السياحي المتحفي بحكم خصوصيته سواء على المستوى الوطني أو الدولي تقوم معادلته بالأساس على العلاقة الوطيدة بين السياحة والآثار من جهة، وإقبال المواطنين واهتمامهم بها من جهة أخرى، مبني حسب المتحدث على حماية المواقع الأثرية والحفاظ عليها مع استمرار الاستكشاف والكشف عن ما تبقى في مواطن الأرض، مع توفير الفرصة لأكبر عدد من السياح والزائرين يسمح به الموقع الأثري لزيارته وارتيادهو وبما ينطوي على احترامه وتحقيق العوائد الاقتصادية والاجتماعية، وخلق ديناميكية عملية ذات أداء عال لتنفيذ المتطلبات والأعمال اللازمة، فمتحف تيمقاد مثلا المفتوح على الهواء الطلق كان ولازال مقصد الآلاف من الجزائريين لما له من تاريخ عريق وذاكرة حية تأبى النسيان.
دعوة إلى التّثمين السّياحي للتّراث الثّقافي
وفي هذا الصدد، دعا رئيس الدائرة الأثرية بتازولت شفيق بوغرارة إلى التثمين السياحي للتراث الثقافي، معتبراً ذلك السبيل الأمثل لنجاح الاقتصاد، ورغم الإمكانيات المتاحة في مجال ترقية التراث فإنها تبقى قليلة، حيث أكد ضيف «الشعب» من جهة أخرى على أهمية دعم وتعزيز التنسيق ما بين المهنيين والحرفيين في مجال التراث، وإغراء السائح والزوار خاصة بالمتاحف بما تزخر به المدن الداخلية من مأكولات شعبية والمنتجات التقليدية والأواني الفخارية المحلية، وذلك من أجل ترقية السياحة الداخلية. ولفت المتحدث إلى ضرورة إشراك جميع الفاعلين في المجال الثقافي، من جمعيات ومجتمع مدني لتساهم في الحفاظ على التراث المادي واللامادي المحلي، وتساهم بالنهوض وإعادة الاعتبار للمواقع الأثرية والمتحفية المهمّشة. وألحّ السيد بوغرارة في ختام لقائنا به على ضرورة تعميق فلسفة المتاحف في المدارس والجامعات الوطنية، وأن يناط بمؤسسات الدولة الرسمية والمحلية أن تجعل من زيارة المتاحف هدفا استراتيجيا لبناء جيل مثقف يدرك أهمية المتاحف في البناء الوطني، والانتماء لمفهوم التراث. كما أنّ حلقات التواصل التراثي من خلال التربية المتحفية ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعرض الشروط والمواصفات الأساسية لإنشاء المتحف، سيما الحي منه من خلال وسائل الحفاظ على الفنون الشعبية والحرف التقليدية الأصيلة، وتشجيع إعادة إنتاجها على كافة المستويات خاصة لدى أصحاب القرار، سوف يؤدي بالتأكيد إلى تنمية الوعي المتحفي لدى المواطن في الجزائر.