الحفاظ على الجزائر وفاء لوصية الشهداء
أكد مهندس الثورة التحريرية بالولاية التاريخية السادسة الرائد عمر صخري، في تصريح حصري لـ «الشعب»، أن الجرائم التي قام بها الاستعمار الفرنسي وبعض الخونة، زادت من النضال التحرري للجزائر المكافحة، متحدية كل محاولات إجهاض الثورة المجيدة والقضاء عليها في مهدها، داعيا جيل الاستقلال من الكتاب والمؤرخين والإعلاميين إلى توخي الحذر أثناء التطرق إلى نضال الشعب الجزائري في انتزاع الحرية والسيادة.
كما أشاد الرائد عمر صخري، الموسوم بذاكرة وأرشيف الولاية التاريخية السادسة، بما تقوم به «الشعب» من جهود لتعريف جيل الاستقلال بالتاريخ الوطني ودورها البارز في خلق جسور تواصل بين جيلي صناع الثورة وتاريخها وجيل الاستقلال، من خلال تواجد الجريدة الدائم في كل المناسبات والتظاهرات التاريخية، ناقلة بأمانة وصية الشهداء بالحفاظ على الجزائر والدفاع عن الذاكرة الوطنية في كل الظروف.
وقال الرائد صخري، أحد أبرز قادة الثورة بالولاية التاريخية السادسة، إن هذا الحذر بات ضروريا في الظرف الراهن وهدفه عدم «تشويه تاريخ الثورة والجزائر» و»تجريم وتخوين عروش أو قرى»، لأن الثورة قام بها الشعب كله وساهم في إنجاحها حنكة وتضحيات قادة الثورة، رغم الاختلافات الكثيرة التي كانت موجودة بينهم في تلك الفترة، مشيرا إلى أن الاختلافات بين القادة كانت لصالح تحرير الجزائر. فقد يختلف أسلوب العمل، غير أن الهدف واحد: إنجاح الثورة والقضاء على الاستعمار وتحرير الوطن.
وأبرز المتحدث خلال شهادة مثيرة لجريدة «الشعب»، على هامش تكريمه، أمس، من طرف منتدى الذاكرة بإمدوكال، تقزيم الدور الثوري الكبير لبعض القرى والمداشر، على غرار إمدوكال، كونها ضحت بالمال والسلاح ومولت الولاية التاريخية السادسة ماليا والولاية التاريخية الرابعة فدائيا، ومازالت من أجل الجزائر.
ونفى القائد صخري، وجود أي عميل أو حركي لفرنسا إبان الثورة التحريرية المباركة، وكذا عدم انضمام أي شاب للجماعات المسلحة أو سقوط أي ضحية في إقليم البلدية أثناء العشرية السوداء.
مستطردا بالقول: «كانت إمدوكال منطقة مفتوحة للثوار وفضاء واسعا لتحركات المناضلين، مما ساعد على تكوين عدة خلايا دعمت الثوار بشكل كبير ودعمت حتى الولايات التاريخية الأخرى، مما جعل منها منطقة آمنة، كنا نتحرك فيها بسهولة»، مستشهدا بالعمليات الفدائية التي كانت مسرحا لها، وتطرق الرائد إلى عشرات المعارك التي شهدتها والمناطق المحيطة بها.
في سياق متصل، أشاد الرائد عمر صخري بشخصية الشهيدين سي الحواس والعربي بن مهيدي، خلال كلمة ألقاها حول مسيرته الثورية أثناء تكريمه من طرف منتدى الذاكرة، حيث قال: «سي الحواس كوّن الكثير من اللجان من الأعيان والوجوه المعروفة بمنطقة الزيبان ونظم الأعراش، كونه يعرف المنطقة ولعب دورا حاسما في مسار الثورة وخدمها بصدق والتاريخ يشهد على ذلك».
أما سي العربي بن مهيدي، فكان – بحسب الرائد عمر صخري - متشبعا بروح الوطنية والمسؤولية وماقتا العدو، محبا للجزائر، ولعب دورا مهما في تدريب الثوار المغاربة والتونسيين على فن حرب العصابات، التي أرقت العدو الفرنسي وهو ما جعل منهم أبطالا عادوا بعدها لوطنهم لمحاربة العدو.
من جهتهم كشف مجاهدون ومؤرخون خلال حفل تكريم المجاهد الرمز الرائد عمر صخري، في ندوة تاريخية ببلدية إمدوكال، جنوب باتنة، عن الكثير من بطولات ونضال سكان المنطقة خلال الثورة التحريرية، مؤكدين أن إمدوكال من أهم المناطق الثورية التي انطلقت بها شرارة النضال شهر أوت 1955 من طرف قيادة الولاية الأولى التاريخية وبعدها أصبحت تنتمي إلى الولاية السادسة، قدمت – بحسبهم - عددا كبيرا من الشهداء الأبطال على غرار عائلة دباش المجاهدة، حيث فقدمت بلدية إمدوكال الصغيرة لوحدها في تلك الفترة ما يزيد عن 187 شهيد، كما وقعت بها أكثر من 30 عملية حربية جريئة، تكبد خلالها الفرنسيون خسائر فادحة.
ووصف المؤرخ محمد لحسن زغيدي في مداخلته، الرائد عمر صخري بنموذج الذاكرة، الذي ربط بين جيلين، جيل المجاهدين في الحركة الوطنية، وجيل بناة الجزائر وقادتها الكبار، مؤكدا أن نظرة المجاهد للتاريخ كانت نظرة استشرافية لمستقبل الأمة، مشيرا أن تبليغ رسالة نوفمبر والشهداء تقع اليوم أكثر من أي وقت مضى على عاتق المجتمع المدني والمؤسسات التربوية.
من جهته، دعا رئيس جمعية مشعل الشهيد محمد عباد، في تصريح لجريدة «الشعب»، على هامش حفل التكريم، المؤرخين والإعلاميين والمجتمع المدني، إلى تعزيز التنسيق مع المجاهدين من أجل استكمال كتابة التاريخ المتعلق بالثورة الجزائرية، داعيا الجميع إلى تجاوز الخلافات الشخصية لمواصلة كتابة التاريخ، ضمانا لأمن الجزائر واستقرارها ومستقبلها واحتراما لتضحيات الشهداء.
وأشاد، أمس، كل من حضر من المجاهدين وإطارات المنظمة الوطنية للمجاهدين، بخصال الرمز عمر صخري وتضحياته الكبيرة خلال الثورة المجيدة، مثمّنين مبادرة منتدى الذاكرة في الحفاظ على الذاكرة الجماعية للجزائريين من خلال تذكر رموز وصناع التاريخ الوطني.