تعتبر مدينة بشيلقة الأثرية أو المعروفة سابقا بمنطقة زابي جسنيانه التابعة إدرايا إلى بلدية المطارفة بالمسيلة، عاصمة رومانية أسسها ملك روما جنسيان الأول وبإشراف قائده الجنرال سولومان، أقاما حولها العديد من الأبراج و مراكز الحراسة في إطار خط «الليمس» الذي يعرف على أنه أهم الأنظمة العسكرية والاقتصادية لحماية الرومان، و»بشيلقة» تتميز بالكنوز الأثرية المادية المدفونة بها، وقد عثر بها على العديد من بقايا التراث المادي من نقود وآثار إلا أن هذا لم يشفع لبقائها كمعلم تاريخي جراء تدخل يد بني البشر والزحف الإسمنتي الذي طالها في السنوات الأخيرة هذا ما رصدته « الشعب» بعين المكان .
تمتاز منطقة زابي أو كما تعرف حاليا ببشيلقة، بتاريخ حافل ومتنوع بتنوع حضارة من تعاقبوا على الإقامة فيها انطلاقا من الرومان والبربر والوندال والبزنطيين،بالثراء الأركولوجي و بالكثير من الكنوز الأثرية المادية المدفونة والتي غالبا ما يتم اكتشافها هنا وهناك من قبل السكان أثناء بناء سكناتهم.
يروي حقبا تاريخية متعاقبة
أكد العديد من المؤرخين في كتاباتهم التاريخية وعلى رأسهم المؤرخ الفرنسي جيزيل، أن منطقة بشيلقة المعروفة بزابي سابقا تنام على مجموعة من الكنوز الأثرية، وحسب المجلة السنوية لمعهد الآثار بجامعة الجزائر، فإن منطقة زابي تعتبر ضمن البلاد الواقعة فوق جبال الأوراس وتعني حسب نفس المجلة موريتانيا الأولى وعاصمتها ستيفيس وقد تم إلحاقها بالإمبراطورية البيزنطية بعد غزو القائد سولومان للأوراس سنة 539 ميلادي، وفي حين تعود تسمية بشيلقة إلى الكلمة اللاتينية بازيليكا والمقصود منها حسب نفس المجلة إلى وجود بازيليكا في المنطقة. حيث مرت منطقة بشيلقة أو ما تعرف بزابي سابقا بعدة مراحل تاريخية وهذا من خلال الكتابات الليبية النوميدية التي وجدت بمنزل الشيخ لخضر بوجملين الكائن بالمنطقة والتي جاء فيها أن الرومان احتلوها قبل القرن الثالث، وأنها كانت منطقة حدودية على الخط الدفاعي الثاني بحكم أنها تحتل وسطا جغرافيا لا يقل أهمية عن موقع طبنة، حيث اضطر الرومان في تلك الفترة إلى التعزيزات الأمنية وهذا بعد تقديم خط الدفاع نحو الجنوب باتجاه جبال الحضنة.
وأصبحت زابي كمدينة محصنة وباتت قاعدة لجيوش الرومان في مرحلتهم الأخيرة المتعلقة بمجابهة البربر الذين ألحقوا بها الخراب والدمار من أجل الحصول على ثروات وكنوز الحضنة، قبل أن تسقط في يد الوندال في القرن الخامس عشر و ظلت تحت سلطتهم إلى غاية مجيئ البزنطيين، وتحت إشراف قائدهم سولومون الذي استطاع استرجاع زابي أو ما يعرف حاليا بشيلقة، حيث تم بناؤها من قبل جوستنبان سنة 539 و 544 قبل الميلاد من خلال إعادة بناء أسوارها وبناء العديد من المدن، وعندما بلغت جيوش عقبة بن نافع منطقة زابي سنة 680 ميلادي دخلوها عن طريق الصلح بحكم أن المنطقة تتمتع بمكانة سياسية هامة وتعتبر مقصد الأمراء والملوك وكانت عامرة بالروم والمسيحيين، وظلت مدينة زابي قائمة على أساسها البزنطي وشهدت توسعا كبيرا نظرا لتوفرها على النشاط الاقتصادي والقدرة على الإنتاج الزراعي واستحواذها على معايير رئيسية بين التل والصحراء فضلا عن مكانتها عبر الطريق الرابط بين خليج قابس وتيهرت وما ورائها من مدن أخرى .
كنوز أثرية عرضة للإهمال والتلف
تزخر منطقة بشيلقة بالعديد من بقايا الآثار والكنوز التاريخية الظاهرة للعيان والمدفونة والتي تعرضت للتلف جراء الإهمال واللامبالاة من قبل السلطات المعنية، و في هذا الشأن أكد ابن المنطقة وأستاذ العلوم السياسية بجامعة المسيلة زعبة عبد المالك، أن بشيلقة منطقة أثرية بامتياز وتعتبر من الناحية التاريخية أصل مدينة المسيلة على أساس أن عمرها الزمني يتجاوز حوالي 1500 سنة أي حوالي 15 قرنا، مشيرا إلى أن كل الدراسات التي أجريت بالمنطقة أثبتت أنها منطقة أثرية مميزة وتحتوي على العديد من البقايا المتعلقة بالتراث المادي وخاصة وأن المنطقة بنيت في العهد الروماني، وتم إعادة بنائها في العهد الوندالي على يد القائد البزنطي سولومون وأن ما تم اكتشافه في السنوات الأخيرة فقط دليل مادي آخر على أن المنطقة أثرية ويتعلق الأمر باكتشاف والده قرابة 23 كلغ من النقود البيزنطية التي تم تسليمها للسلطات الأمنية على مستوى بلدية المطارفة، كما تم سنة 2012 اكتشاف مقبرة مسيحية تعود للحقبة الرومانية، وهذا على إثر إقدام أحد المقاولين على إنجاز حصة 80 مسكن تساهمي.
ويميز منطقة زابي أو بشيلقة بعض الجدران التي لا تعلوا عن سطح الأرض وبعض الحجارة الكبيرة وأجزاء لأعمدة تيجان والتي لم يعد لها وجود اليوم، وبعض الطرق التي تمر بها والتي واعتبرها بعض المؤرخين دالة على وجود ورشات لصناعة الفخار، وبعض الآثار على شكل مستطيل وهو يعتبر مقر زابي الموجود بكدية الرمادة تحتوي على العديد من البقايا الفخارية المتنوعة والمكونة من طبقات من الرماد الأسود والأحمر، يضاف إلى هذا العديد من البقايا السكنية على غرار الحي السكني المتواجد بالجزء الغربي للحي الحالي لبشيلقة وكذا السور الخارجي للجهة الشمالية وبعض الجدران الداخلية، وما ميز هذه الآثار هو بقايا أثار بازيليكا الواقعة حوالي 70 مترا شرق الحي السكني وبالضبط في إسطبل عائلة بن زغبة، حيث تظهر بقايا أثرية لأرضية نصف دائرة مبلطة بحجارة كلسية رمادية اللون .
مطالب بإعادة الاعتبار للمعلم للأثري
يطالب المؤرخون والباحثون في مجال علم الآثار من السلطات الوصية و على رأسها وزارة الثقافة، بضرورة الإسراع في تصنيف المنطقة كمنطقة أثرية لحماية ما تبقى من المدينة الأثرية النائمة على كنوز أثرية هائلة، فعلى الرغم من المراسلات والتوصيات التي أطلقتها عديد الجمعيات الناشطة في مجال التراث وهيئات محلية منتخبة على غرار مراسلات رئيس بلدية المطارفة سعد دهمش الذي راسل مديرية الثقافة في وقت سابق عدة مرات من أجل حماية أراضي بشيلقة وعلى رأسها مراسلة حول أحد الأراضي التي أراد أحد السكان بناء منزل فيها إلا أن رد مديرية الثقافة ورد فيه أن القطعة الأرضية المراد استغلالها غير مصنفة وغير مبرمجة للحماية، وهو ما أسال أطماع الكثيرين، حيث تم سابقا دراسة تحويل الموقع الأثري بشيلقة إلى 400 تجزئة ترابية صالحة للبناء، إلا أن الأمر باء بالفشل بعد تدخل بعض الغيورين على التراث الثقافي للمنطقة، ومن بين هؤلاء المجلس البلدي لبلدية المطارفة الذي قام بإعداد دراسة جادة من أجل حماية الموقع الأثري بشيلقة وطالب القائمين على قطاع الثقافة بإدراج المنطقة ضمن الجرد الوطني للآثار .
ومن جانبه مدير الثقافة السابق بن عبد الرحمان ابراهيم، أكد لـ « الشعب» أن الانشغال المتعلق بالموقع الأثري بشيلقة يعود لاعتباره أهم المواقع الأثرية بالمسيلة، حيث بادرت المديرية حسبه لحماية الموقع رغم الصعوبات التي واجهتها في إتمام ملف الموقع الأثري وعلى رأسها تواجد السكان بالمنطقة، وهو ما صعب المهمة الأثرية وكذا كون الساقية تمر ببعض أحواش المواطنين ما صعب عملية تصويرها والاطلاع على وضعيتها وبحكم أنها تتواجد بحرم منزل معين، أشار إلى أن مصالحه حضرت الملف سنة 2014 و تم استكمال إجراءات الرفع المساحي للمنطقة التي تقدر بأكثر من 30 هكتار يضاف إليها منطقة الحماية وتم تحديد الموقع والحدود في جميع الاتجاهات، حيث تم وضع الملف وعرضه على اللجنة الولائية المكلفة بالجرد الإضافي وبعدها تتم عملية التصنيف.
وبالعودة للحديث عن المعالم الأثرية التي ما تزال ترزخ تحت طائلة التهميش والنسيان والتي تنادي بإعادة الاعتبار لها، نذكر على رأسها قلعة بني حماد الواقعة ببلدية المعاضيد والتي تعتبر من التراث الأركولوجي، ومن أهم المعالم الأثرية التي خلدت حقبة تاريخية باعتبارها أول عاصمة للحماديين، حيث يعاني هذا المعلم الإهمال الكبير وعدم الاستغلال الأمثل للجاذبية السياحية التي تمتلكها المنطقة، وهذا بالرغم من المجهودات التي تقوم بها الجمعيات المتخصصة في المجال السياحي بالمنطقة، فالغياب الكلي للمرافق الضرورية التي يحتاجها الزائر كالمحلات التجارية والفنادق شكل حجرة عثرة في وجه السياح، ونفس الإهمال واللامبالاة تعانيها فسيفساء أولاد سيدي يحي والتي تجسد رسم منظر صيد الخنازير يحيط به للتزيين إطاران الأول على شكل دوائر متقطعة والثاني يحتوي أشكالا نباتية، حيث شهد هذا المعلم تهميشا كبيرا من قبل القائمين على السياحة، وهو ما أدى إلى تدمير جزء كبير، كما يعاني معلمي المدينة الدفينة وطاحونة فيريرو وكذا النقوش الصخرية تجاهلا سياحيا كبيرا من الناحية الإعلامية والترويجية، فلا يكاد يسمع بهما سكان الولاية باستثناء فئة قليلة، والسؤال المطروح متى تستعيد السياحة بالولاية بريقها؟.