طباعة هذه الصفحة

سحر بلادي

”ماكوماداس”.....المدينــــــة التــي اغرت كل الحضارات

يعود تاريخ ولاية أم البواقي إلى سنين بعيدة، فهو يضرب بعمقه جذور الحقب والأزمان البدائية، بحيث يعود تواجد الإنسان بها إلى 8000 سنة قبل الميلاد، الآثار المكتشفة بهذه الولاية تشهد على هذه الفترة، أين مثلت إقليما جد مهم من المملكة النوميدية وقد ازدهرت في هذه الفترة الحياة الاقتصادية والتي اعتمدت بالدرجة الأولى على الزراعة المكثفة لأشجار الزيتون، هذا ما جعل من قاديوفالا “قصر الصبيحي” وماكوماداس “أم البواقي” مركزين على قدر من الأهمية في التبادل التجاري.
في القرن الأول ميلادي وقعت المملكة النوميدية تحت سلطة الإمبراطورية الرومانية بعد الخلافات والنزاعات التي ظهرت بين القبائل البربرية، في هذه الفترة شهدت أم البواقي تطوير زراعة الحبوب “القمح والشعير” النشاط الرئيسي للسكان، غير أن المستفيد من ذلك كانت روما وتحولت أم البواقي أو ماكومداس في هذه الفترة إلى مطمورة قمح  تمون أوربا كباقي المدن الجزائرية، غير أن الثورات البربرية الثائرة في منطقة الأوراس ضد هذا الوجود حالت دون البقاء تحت رحمة الرومان حيث تم  طردهم  من كل المنطقة مخلفين شواهد أثرية مثل الضلعة، الرحية آثار عين البيضاء وسيقوس…
اما في الفترة الوندالية فشهدت أم البواقي تدهورا اجتماعيا واقتصاديا، كما خرب الوندال كل المنشآت التي خلفها الرومان وحتى مراكز التبادل التجاري لحقها الخراب الشامل، المقاومات العارمة التي قادها سكان منطقة الأوراس أسفرت ايضا على طرد الوندال واسترجاع تاموقادي، باغاي وعين البرج وماكومداس.
لم تكن أم البواقي على هامش الأحداث التي تعاقبت على منطقة الأوراس والهضاب العليا لمزاياها العديدة فبعدما طرد البربر الوندال حل البيزنطيون بقيادة “سولومون”، في هذه الفترة جرد أهل المنطقة من ممتلكاتهم وأراضيهم الخصبة، كما شيد البيزنطيون قلاعا ومراكز مراقبة تعتلي الجبال وتضمن مراقبة كل السهول الممتدة والأراضي الخصبة الغنية بالقمح الشعيرو من آثار هذه الفترة قلعة “قاديوفالا”  او “قصر الصبيحي”، وآثار جبل بوسيف.
لاقت الفتوحات الإسلامية في أولى طلائعها مقاومات شرسة قادتها زعيمة الأوراس  دهية أو الكاهنة التي هزمت حسان بن النعمان في مسكيانة وأسرت خالد بن يزيد، هذه المقاومة البربرية تحركت باعتقادهم بأن جيش الفتح الإسلامي ما هو إلا غازي مثل سابقيه ولكن بعدما أيقنوا مهمة الفاتحين اعتنقوا الإسلام خاصة بعدما هزمت الكاهنة، كما ساهم البربر بقيادة طارق بن زياد في فتح الأندلس.
بعد فتح أم البواقي واعتناق البربر الإسلام، توالت العديد من الدويلات أو الخلافات الإسلامية على هذه الولاية مثل الأمويين ثم الأغالبة الذين أعادوا إلى المنطقة توازنها الاجتماعي واستقرارها الاقتصادي، كما عرفت أم البواقي رخاء معتبرا خلال عهد الفاطميين وازدهرت بها العلوم والفنون، انقلبت هذه الأوضاع إلى حالة سيئة عند حلول الهلاليين وشهد الاقتصاد ومختلف المجالات ركودا وتدهورا وعاشت في هذه الفترة نوعا من البؤس والتأخر، أما في العهد الموحدي أي خلال القرن الثاني عشر، استرجعت أم البواقي استقرارها في إطار توحيد المغرب العربي وأخذت الأمور الثقافية، الإجتماعية والاقتصادية تزدهر خاصة لوقوعها في منطقة إستراتيجية تربط بين القيروان والجزائر.
إن تعاقب الحضارات المختلفة على أم البواقي ترك أثاره جلية لترتسم في معالم تاريخية جد مهمة تأخذك في سفر عبر الزمن وتتوقف عند روائع ماضيها الحضاري الجليل، وتتشوق للتعرف على منعرجات وخبايا السيرة العبقة لهذه الولاية، ومن أهم هذه المعالم التي تدعوك لزيارتها.
أثار سيقوس المصنفة ضمن التراث الوطني، موقع سيلا : وهو موقع جد هام يحمل في مكنوناته معطيات تاريخية قيمة،موقع عين البرج: ويتواجد بالعامرية ويتضمن أثارا من حقبة ما قبل التاريخ والفترة الإسلامية،المدينة الرومانية المتواجدة بالضلعة والتي لا تزال إلى اليوم في طور البحث والتنقيب عن أثار مدينة رومانية مدفونة ،كما تم العثور في هذا الموقع على فخاريات وأواني فاخرة وتتضمن أنفاقا أرضية وغرف ومطامر ...
أثار مدينة قاديوفالا،وهي مدينة بيزنطية تتواجد بقصر الصبيحي والتي شكلت حصنا عسكريا يضمن مراقبة  كل المنطقة.
أثار مدينة عين ببوش، أجمل ما وجد في هذا الموقع هو الفسيفساء التي نقلت إلى متحف الأثار القديمة بالجزائر العاصمة بالإضافة إلى هذه المواقع، تستطيع أيضا زيارة هنشير أولاد قوتي الذي تعتبر أثاره المدينة الأصلية لأم البواقي “ماكوماداس” ... هذا إلى جانب اللقى التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، الرماديات والحلزونيات المكتشفة بالضلع.