طباعة هذه الصفحة

مجاهدون عايشوا الحدث لـ «الشعب» :

شهران من التخطيط والتنظيم لإنجاح هجمات فك الحصار على الأوراس

حمزة لموشي

أكد، المجاهد عبد الله بوراوي، الحارس الشخصي لمهندس هجمات الشمال القسنطيني، الشهيد الرمز، زيغود يوسف، قائد الولاية التاريخية الثانية، أن الهجمات حققت أغلب أهدافها خاصة تلك التي حددها «سيدي احمد» كما كانوا ينادونه على غرار فك الحصار على منطقة الأوراس والتعريف بالقضية الجزائرية من خلال دفع  الأجانب للتعرف على حقيقة الوضع وظروف الحرب  لخلق مساندين للقضية. هذا ماتوقفنا عنده بمنتدى الشعب من سكيكدة.
بعد مرور حوالي سنة على اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، والحصار الخانق الذي ضربته القوات الإستدمارية على منطقة الأوراس وسلسلة الاغتيالات والاعتقالات في صفوف مجاهدي وقادة الثورة، والتي أراد من خلالها الفرنسيون خنق الثورة لوأدها في مهدها حتى لا تتوسع رقعتها أكثر وتحقق أحد أهم مبادئها وهي الشعبية والشمولية والاستمرار حتى تحقيق الاستقلال.
كان لا بد حسب المجاهد عمي عبد الله بوراوي الذي التحق بصفوف جيش التحرير الوطني بولاية سكيكدة وعمره لا يتجاوز الـ17، حيث جنده البطل زيغود يوسف وسلمه شخصيا السلاح وألحقه بجنوده في الجبل تحديد إستراتيجية سياسية، عسكرية عامة لجبهة التحرير الوطني لوضع منهج تحدد فيه بوضوح مسارها، وهو ما لن يتحقق إلا بإرباك القوات الفرنسية وتشتيتها من خلال جعلها تتراجع عن حصار منطقة الاوراس وتوجه قواتها للشمال القسنطيني لفك الحصار عن الولاية التاريخية الأولى.
فكانت النتائج المحققة خلال هجومات 20 أوت 1955، يضيف المتحدث  في تصريح لجريدة «الشعب» على هامش تنظيم منتدى جريدة «الشعب» بالتنسيق مع قصر الثقافة لولاية سكيكدة حول هجمات الشمال القسنطيني، دافعا قويا للتعريف بالثورة الجزائرية في الخارج وتوحيد صفوف الداخل.
أسلحة بسيطة وإرادة قوية وتنظيم محكم أذهل العدو
ساعدت هجمات الشمال القسنطيني ثورة الفاتح نوفمبر 1954 وجعلتها تتخذ منحنى آخر أكثر جدية وقوة خاصة و أنها  أكدت للجزائريين والفرنسيين على حد سواء أن الجزائريين يد واحدة وقرروا كما كانوا دائما أن يواصلوا مسيرة الكرامة.
وهنا يواصل المجاهد شهادته «المثيرة» حول هجمات الشمال القسنطيني، مؤكدا أنه التقى سي احمد بمنطقة «الزمان» ببوشطاطة حاليا، حيث انخرطت في الجيش مع المجاهد الكبير الدراجي بلعايب، وبدأنا بناء على تعليمات من زيغود يوسف بالتحضير لعقد مؤتمر صغير للتحضير للهجمات لضمان نجاحها وفعاليتها، من خلال جمع الأسلحة والمئونة وتنظيم المجاهدين وتشجيع ا المواطنين على الإنخراط في المسعى، وقد تم اللقاء الموعود بين زيغود يوسف وثلة من الرعيل الأول للثورة المجيدة بمنزل المجاهد رابح مشهود والذي كان والده إماما مشهودا له بالورع والتقوى يشهد منزله إقبالا منقطع النظير من طرف السكان الأمر الذي لم يكن ليثير انتباه الفرنسيين وهي الحكمة من اختيار هذا المكان المتواجد بمنطقة بوساطو بسيدي مزغيش خلال الفترة الممتدة حسب المجاهد من نهاية جوان إلى بداية جويلية 1955.
وبعدها التحق الجميع من المدعوين لحضور «مؤتمر الإعداد لهجمات الشمال القسنطيني» بمنطقة الزمان وبالتحديد بـ»اللمقصبة ولعلايق» وامتد المؤتمر من نهاية جويلية إلى بداية أوت حضره إلى جانب زيغود يوسف المجاهدون عمار بن عودة، عبد الله بن طوبال،علي كافي، صوت العرب بوبنيدر، البشير بوقادوم،عمار شطايبي، مسعود بوعلي، مسعود بوجريو وتلقوا خلاله تعليمات بتكثيف الهجمات وجعلها دقيقة مركزة ترعب العدو.
15 مجاهدا بكل فوج يقوده مجاهد كبير
ويفصل المجاهد في طريقة توزيع المجاهدين إلى أفواج بكل فوج حوالي 10 إلى 15 مجاهد، بالشمال القسنطيني، حيث اتجه عمار بن عودة إلى عنابة ومسعود بوجريو إلى قسنطينة وجيجل كلف بها بوعلي مسعود وجهة القل يمثلها عمار شطايبي والدراجي بالعايب بمنطقة الحروش وبتاريخ الـ18 أوت 1955 كلف رفقة المجاهدين حميدة قديد وسي المكي بوعنينبة بتنفيذ عملية بـ»دار الشرع»، وأثناء توجههم للهدف أطلق عليهم بعض المعمرين وابلا من الرصاص أدى إلى استشهاد المجاهد بوعنيبة، وواصل المجاهدان طريقاهما ووصلا إلى المحكمة وقاموا بحرق أجزاء منها.
وفي هذا الصدد، أكد شعبان مرابط رئيس مكتب منظمة متقاعدي جيش التحرير الوطني على مستوى ولاية سكيكدة، أن هجومات الشمال القسنطيني تعد أول ضربة موجعة تلقتها القوات الاستعمارية من طرف جبهة التحرير الوطني بعد اندلاع الثورة المجيدة، حيث كثف المجاهدون وقتها من عملياتهم الفدائية والهجومية لإثارة الرعب في قلوب العدو لجعله يعيش «اللإستقرار».
ذكريات مع البطل زيغود يوسف
من جانبه، استرجع المجاهد عبد الله بوراوي الذي كان مكلفا بحراسة الشهيد الرمز زيغود يوسف خلال تنقلاته وفي كل لقاءاته أن الشهيد تألم مثيرا لوفاة البطل ديدوش مراد الذي كان من بين أهم زعماء الثورة الذين يحبهم ويؤمن بقدرتهم على قيادة الثورة  وتحقيق إضافة كبيرة وفعالة لها، كما يتذكر عمي عبد الله الكثير من المواقف التي ميزت مسيرة سي احمد زيغود يوسف على غرار حرصه الشخصي والشديد على الإشراف على كل كبيرة وصغيرة تتعلق بتنظيم المجاهدين من نقل وإطعام وإيواء وتسليح وغيرها، حيث أنه ـ حسب المتحدث- لا يتناول طعامه إلا بعد أن ينتهي جميع المجاهدين من ذلك وفي إحدى المرات وعقب تناولهم لوجبة الغداء عقب نجاح هجمات الشمال القسنطيني وبينما كان المجاهدون يتمازحون ويتحدثون عن الاستقلال وقربه دخل عليهم وخاطبهم بالقول « والله العظيم ما يجي الإستقلال حتى يكره الحبس منا»، واستغرب الحضور من كلامه وخاطبه أحد المجاهدين المقربين منه :»كيفاش يا سي احمد يكره الحبس منا» فقال: « أنا نطلب ربي نستشهد قبل ما نستقلوا»، كما كان البطل زيغود حسب حارسه الشخصي حريصا كل الحرص على التفاف الشعب الجزائري حول الثورة وقادتها  لتحقيق التضامن الشعبي.
حدث حاسم ساعد في  مسار الثورة
وعاد عمي عبد الله للحديث على أهمية هذا الحدث التاريخي وانعكاسه على مسار الثورة الجزائرية إذ يقول :«في ذلك اليوم هبط المجاهدون في حدود 500 شخص كلف كل واحد منهم بالقيم بعمليات نوعية لخلق صدى إعلامي خلق الذعر في قلوب الفرنسيين لدحض إشاعات مسئوليهم أن المنطقة مؤمنة ومعقل الثورة الأوراس محاصر وستنتهي الثورة، وقد سمع كل العالم بما جرى في هذا اليوم الذي أثبت فيه الشعب الجزائري تمسكه بالاستقلال والحرية  يضيف المتحدث.
وبدوره السيد «شعبان مرابط» رئيس مكتب منظمة متقاعدي جيش التحرير الوطني اعتبر خلال حديثه على الأبعاد الإستراتيجية والعسكرية لهجمات الشمال القسنطيني في تصريح لجريدة الشعب أنها منعرج تاريخي هام في مسيرة ثورتنا التحريرية، وظروف الثورة في تلك الفترة لم تسمح بهجوم شامل على كامل التراب الوطني فاكتفى بتنظيمه في المنطقة التي كان يقودها وهي منطقة الشمال القسنطيني.
ففي أوائل جويلية 1955 وجه زيغود يوسف دعوة إلى كافة المسؤولين بالمنطقة للحضور إلى بوساطور قرب قرية مزغيش، لكن المنطقة لم تكن مؤمنة فوقع الاختيار على جبل الزمان بسكيكدة وهو مكان مرتفع وآمن.