تراجع الوازع الديني واستقالة الوالدين من دورهما ضاعف الاختطاف
يرى المحامي والأستاذ الجامعي عامر أرخيلة، أن تنفيذ حكم الإعدام مسألة تتطلب دراسة معمقة ومتأنية وحوار وطني بين أهل الاختصاص من علماء اجتماع والنفس وحقوقيون، وفقهاء لمعالجة حالات اختطاف الأطفال والخروج باتفاق يقره الدين ويستجيب لرغبات المجتمع، وكذا يتجاوب مع قرارات العدالة وبعيدا عن الضغط، مشيرا في تصريح ل»الشعب» أن القضية ليست بالأمر الهين.
^ الشعب: اتخذت ظاهرة اختطاف الأطفال منحنى خطيرا في المجتمع الجزائري، ما هي الأسباب الحقيقية وراءها؟
^^ عامر أرخيلة: هذه الحالات لم تصل إلى درجة «ظاهرة»، ما تزال حالات معزولة محدودة ترتكب من حين لآخر إلا أن ما يميزها أنها ليست مرتبطة بمنطقة محددة، هي حالات اجتماعية لها خلفياتها. لو كانت خاصية جزائرية فقط لبحثنا عن أسبابها في الجزائر، لكن هذه الحالات موجودة في العديد من الدول العالم والشعوب التي تشترك معنا في الثقافة والدين والقيم، وهنا لابد من دق ناقوس الخطر ودعوة علماء الاجتماع والنفس القانون وكل المختصين والمهتمين لتشريح هذه الحالة.
والسؤال الذي يطرح هل الدور الذي يقوم به الإعلام في الحديث عن هذه الحالات مشجع لارتكاب هذه الحالات أو أنه دور مثبط أو من شأنه الحد من انتشار هذه الحالات؟، لأنه أحيانا التغطيات الإعلامية لاسيما الإعلام المرئي، قد يلعب دور ويكون مشجع للذين لديهم نية للإقدام على هذا الفعل، لأنه قد يكون هذا الفعل نائم في فكر إنسان محدد وتأتي هذه الصور لتوقظه أو تدفعه من جديد لإعادة التصميم على ارتكاب الجريمة.
للأسف لحد الساعة، لم يتم القبض على المرتكبين كلهم للحديث عن الأسباب الحقيقية، لو تم القبض على كل العينات لأمكننا من خلالها الوصول إلى دراسة الأسباب أو تحديد شخصيات مرتكبي القتل.
- ما هي الأسباب الحقيقية وراء اختطاف وقتل الأطفال بأبشع الطرق؟
التحولات التي عرفها المجتمع والمعاملات المالية التي ظهرت وليس لها تقاليد في جمع المال والمعاملات التجارية، جعلت العناصر التي تشتغل في عالم المال والتجارة الفوضوية و غير القانونية تلجأ إلى الانتقام من بعضها البعض، هؤلاء الذين يتجرؤون على بث سموم المخدرات وسط المجتمع بالأطنان تهون أمامهم إزهاق روح طفل بريئة أو عشرات الأطفال، إذا كان هذا الشخص يرى مصلحته الشخصية في توزيع أطنان من المخدرات في ولاية من الولايات ويعرف نتائجها ولا يتردد، هذا الشخص كيف ننتظر منه أنه يتردد أمام إزهاق روح إنسان.
ثم الطريقة التي يتم بها هذا الفعل المشين وهوس القتل والتنكيل بجثة الطفل يؤكد وجود أمراض نفسية، هناك أسباب الغيرة وتصفية الحسابات بين الأفراد وأسباب عاطفية ومادية كمحاولة ضغط أطراف على أخرى بالإقدام على قتل فلذة كبده، وشيوع الشعوذة وفكرة بعض أعضاء جسم إنسان لاسيما الطفل الصغير لها مفعول في صنع المعجزات في العلاقات الإنسانية.
لما نرى بعض القضايا التي طرحت على القضاء، مثل قيام أطباء مختصين بعملية نزع أعضاء لأشخاص أحياء ويتركوهم، يجعلنا نقول أن مبدأ الميكيافلية في العلاقات الإنسانية موجودة لذلك بعض الأطباء يقدمون على هذه الأشياء، لما يكون شخص له طفل يحتاج إلى زرع كلية يتعذر إيجادها و مستعد لدفع ثروة من أجل إنقاذ حياة ابنه، يساعده الطبيب على هذه العملية ولذلك يكون فيه مجرم يقوم بعملية الاختطاف ومجرم آخر يقوم بعملية نزع الأعضاء من جسم حي، نلاحظ ترك أطفال في بعض الدول مجردون من بعض الأعضاء في الشارع.
لذلك هناك أسباب نفسية ومالية، الشعوذة وأسباب مرضية كالغيرة و الحسد ، حتى بين أقرب الناس أصبحت من مكونات الثقافة لدى بعض الأطراف في المجتمع الجزائري، والشذوذ الجنسي، والتراجع الكبير للوازع الديني خلافا لما هو ظاهر فمظاهر التدين لا تعكس انتشار الوازع الديني في أوساط أفراد المجتمع، نتيجة الجهل بالدين وانتشار بعض الفتاوى في أوساط الناس من أشخاص لا يملكون حق الفتوى، شيوع الفتوى والتعاملات التي تتم باسم الدين. وكذا استقالة الأب والأم من دورهما في التربية والتوجيه ومتابعة الأطفال ، وهيمنة الذهنية المادية، أي كثرة الحاجات الموجودة في السوق و قلة اليد في مقابل انتشار مغريات في السوق وأيضا التطلع لتغيير الوضع الاجتماعي دون السعي المشروع.
وبالمقابل، حين نرى المحاكم وما يعرض عليها من قضايا نجد في سجوننا أشخاصا عقلهم غائب تماما ولم يبق فيهم من الإنسان إلا الهيكل، وحسب الإحصائيات هناك مليون شاب جزائري تتراوح أعمارهم ما بين 16 و25 سنة يعيشون في قطيعة كاملة مع المجتمع، يربطهم العنف ونظرة الحقد والكره اتجاه المجتمع تراهم ناقمين عليه، مما يدفعه لارتكاب أي فعل مشين تحت تأثير مخدرات تجعله فاقدا للسيطرة على نفسه، قد لا يدرك ما قام به إلا بعد إنجازه الفعل الإجرامي.
وأشير هنا إلى أنه بالرغم من الوسائل الحديثة المستعملة في محاربة الإجرام، مثل أخذ البصمات، التحاليل، وغيرها إلا أننا لاحظنا الجرائم التي ارتكبت ضد الأطفال نفذت باحترافية، حيث أن القاتل لم يترك وراءه قرائن أو بصمات لتحديد هويته، وأتمنى أن لا يكون مآل التحقيق في قضية الطفلة نهال كغيره.
نشاهد الآن الكثير من الأطفال مصدومين نتيجة ما حدث لأصدقائهم، وهذا يبقى راسخا في ذهن الطفل وينعكس عليهم سلبيا، كما أن الكثير من الأولياء أصبحوا يعيشون حالة رعب بمجرد اختفاء الطفل ولو داخل البيت يثير الشكوك والقلق وسط أفراد الأسرة.
لابد من اليقظة المدنية والعلاج القانوني
- و الحل في رأيكم ؟
الحل يكمن في اليقظة المدنية، لأننا اليوم نشاهد استقالة المواطن في التعامل مع أعمال العنف التي ترتكب في الشارع ضد الأشخاص بصرف النظر عن الجنس وبقاء المواطن متفرج وكأنه غير معني ويبقى رافعا شعار» تخطي راسي»، فمن هو غير معني اليوم قد يكون ضحية غدا، وكذا العلاج القانوني بإلقاء القبض على مرتكبي الإجرام، كما على المؤسسات التربوية والاجتماعية والإعلامية أداء دورها في تحسيس المواطنين ، وموازاة مع ذلك يجب إعداد دراسة بشكل متأني بعيدا عن الضغط .
- وما هو دور المجتمع المدني في الحد من هذه الظاهرة التي استفحلت بشكل رهيب في مجتمعنا؟
بصراحة لا يوجد مجتمع مدني بمفهومه الحقيقي في علم السياسة الذي هو مجتمع منظم، بل هي مجرد حركات جمعوية طفيلية مطلبية تسعى للتموقع في مواقع حزبية أو مصلحية أو الاستفادة مما يوزع على بعض المؤسسات واعتماد البزنزة .علما أنه في السابق كان لنا مجتمع مدني يتمثل في شيخ القرية أو الفرقة.
- البعض يطالب بتفعيل عقوبة الإعدام ضد مختطفي الأطفال، باعتبارك مختصا في القانون ما قولك؟
لما نتحدث عن الإعدام نجد ثلاث مواقف الأول قانوني مرتبط بالقانون الدولي وضغوط جمعيات دولية معارضة لحق الدولة في إزهاق روح من يرتكب فعل القتل تحت عنوان حقوق الإنسان، والموقف الديني صريح يتمثل في قاعدة الحد، وموقف المجتمع وهو مشتت بين الموقف الديني والاجتماعي، كمحامي انطلق من القاعدة القانونية العامة والمجردة والملزمة، الكثير من الدول ما يزال يوجد النص يفيد بالإعدام والولايات المتحدة الأمريكية في بعض مناطقها تطبقه.
أما في الجزائر فقانون العقوبات ينص على أن حكم الإعدام لم يلغ بالرغم من عدم التنفيذ، لكن أحكام الإعدام الصادرة من طرف محاكم الجنايات موقوفة التنفيذ، رغم أن الحكم لا ينص على وقف التنفيذ يقضي بالإعدام، ومسألة التنفيذ تخرج من يد القاضي، يجب أن نضيف لقانون العقوبات تفعيل النص الموجود كل من قام بإزهاق روح أو اعتداء جنسي.
الموضوع ليس بالمسألة الهينة بل يحتاج لدراسة معمقة وحوار وطني بين أهل الاختصاص من علماء الاجتماع والنفس والقانون والفقهاء لدراسة هذه الحالات والخروج باتفاق الذي تقرعه الشريعة الإسلامية يستجيب لرغبات المجتمع، ويتجاوب مع قرارات العدالة تدرس كل الحالات، لأنه أحيانا يكون مرتكب الجريمة الأب، مع عدم إغفال العشرية الدموية التي مر بها المجتمع سنة 1990. قبل هذه السنة كانت هذه الحالات موجودة بشكل قليلة جدا والفاعل تعرف أسبابه الحقيقية.
وفي هذه النقطة، أقول أنه ليس هناك قانون يلزم السلطات القانونية بعدم تنفيذ حكم الإعدام المقضي بها قضائيا معناه أنه يمكن تنفيذ أحكام الإعدام الخاصة التي تصدر في حق مرتكبي الأفعال ضد الأطفال القصر، لا أرى مانع قانوني من تنفيذ حكم الإعدام، وبذلك نضع المنظمات الدولية التي تتبنى مسألة عدم تطبيق عقوبة الإعدام أو حتى عدم إقراره أمام ضميرها ومسؤوليتها، لاسيما منظمة الطفولة والأمم المتحدة فيما يخص حق الطفولة في الحماية.