كان لتاريخ الفن الرابع بالجزائر منذ 1830 إلى يوم استرجاع السيادة الوطنية في الـ 05 جويلية 1962 حضورا قويا، عشية أول أمس، من خلال الكرونولوجية التي قدّمها بحماس شديد، وبإلقاء درامي متمكن ومتميز، الممثل والمسرحي عبد الحميد رابية، خلال اللّقاء الثقافي الذي احتضنته مكتبة “شايب دزائر” بالعاصمة، التابعة للوكالة الوطنية للنشر والإشهار.
شدّد الممثل المسرحي عبد الحميد رابية، خلال مداخلته على عراقة تاريخ المسرح الجزائري، الذي، وعكس ما تتداوله بعض المعلومات، شهد كتابة أول نص مسرحي و طباعته سنة 1847 من قبل المؤلف الجزائري إبراهيم دانتوس، وكان بعنوان: “نزهة المشتاق وحرقة العشاق في مدينة ترياق بالعراق”، وقد كان النص مكتوبا بلهجة مدينة الجزائر، هذا في حين اكتفى رواد المسرح في المشرق على اقتباس نصوص من الأدب العالمي.”
أكد رابية في سياق حديثه على أن كل المسرح الجزائري وجد في حقبة مميّزة حاول الاستعمار الجزائري خلالها طمس الهوية والثقافة الجزائرية وتجريد الشعب الجزائري من تاريخه و تراثه الأدبي، فكان هناك نوع من المقاومة الشعبية من خلال تداول الأدب الشفوي و الحكايات من جيل إلى آخر، إلى أن ظهر شباب جزائري وطني مولع بالفن الرابع وغيور على الهوية الوطنية ومناهض في قرارة نفسه لفرنسا الاستعمارية ومخططاتها الرامية إلى إبقاء الشعب الجزائري في ظلمات الجهل والعبودية.
فكانت البداية في سنة 1912 من القرن الماضي، مع الطاهر بن علي شريف، الذي أسس جمعية “المهدية” وأول مسرحياته “أضرار التبغ”، ثم مسرحية “حديقة الغرام” سنة 1923، وقبلها مسرحية محمد ميصالي “في سبيل الوطن”، التي منعتها السلطات الفرنسية.. بعد أن لوحظ إخفاق العروض بسبب اللغة المستعملة وهي العربية الفصحى التي لم يكن الشعب الجزائري يفقهها كانت محاولة لتدارك الوضع، أخرج، يقول رابية” شاب جزائري سلالي علي المدعو علالو سنة 1925، كتابة مسرحية “جحا”، بالدارجة المهذبة من تأليف إبراهيم دحومان، والتي لاقت رواجا كبيرا، فكانت بداية جديدة للكتابة المسرحية التي لم تطبع للأسف، واقتصرت على العرض فقط”.
تلاه العديد من الأسماء اللامعة والفنانين والمؤلفين و المخرجين، انطلاقا من محيي دين بشطارزي، ورشيد قسنطيني والممثلة ماري سوزان، وبدأت بعد ذلك موجة النضال التحسيسي والتوعوي للشعب الجزائري، من خلال المسرحيات الساخرة والهادفة التي كانت فرنسا الاستعمارية تعارضها وتمنعها وتحارب رجالات المسرح بعنف وقوة.
أصبح المسرح الجزائري وسيلة للنضال الثوري، وأسست الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني التي ساهمت في حمل رسالة كفاح الشعب الجزائري إلى الخارج، كما كان لها دور كبير في مناهضة فرنسا الاستعمارية وتوعية المواطنين حول قضية ثورة نوفمبر المجيدة، هذا في حين تعرض أعضائها إلى السجن والتعذيب والقتل والنفي.