«مرسى الفحم» المدينة التي تحب من سافر إليها
كشفت الرحلات البحرية التي أطلقتها المؤسسة الوطنية للنقل البحري للمسافرين بين مختلف مناطق الوطن، عن إمكانات كبيرة للنهوض بالنقل البحري والسياحة وقطاعات أخرى، يمكن أن تكون روافدَ للاقتصاد الوطني خارج المحروقات ومحفزا كبيرا لسوق الخدمات الذي يبقى ضعيفا في الجزائر.
بعيدا عن الاقتصاد والسياسة في زمن العطل والاصطياف، كانت الرحلة بين «الجزائر - وأزفون» على متن باخرة «سرايدي» ممتعة جدا، فالسفر عبر الباخرة له طعم خاص جدا، خاصة في ظل ما يفعله الازدحام في العاصمة، فالنظر للمدينة من الواجهة البحرية يجعلك تشعر بالجمال المفقود للجزائر وتتمنّى لو أن تلك اللحظات لا تنتهي. ولكون النسبية هي التي تحكم الحياة البشرية، فتلك اللحظات سرعان ما تنتهي، ليخلو البحر بضيوفه فبين تصاعد الأمواج والبواخر الضخمة تظهر منارة مسجد الجزائر الأعظم التي ستكون إحدى المآثر التاريخية الإسلامية في البحر الأبيض المتوسط، فهي تجلب الأنظار بارتفاعها الشاهق وهندستها.
وإن كانت هذه اللحظات الشيقة التي يعيشها الفرد وهو على متن باخرة «سرايدي» المؤجرة من إيطاليا، لا تخفي بعض النقائص في التنظيم.
من رحلة البحر الشيقة إلى جمال أزفون، يبقى الاستجمام واكتشاف سحر جمال الساحل الجزائري الذي يمتلك قدرات كبيرة غير مستغلة.
المواطن ضحية نقص الاتصال
لحسن الحظ أنني تنقلت إلى مكتب المؤسسة الوطنية للنقل البحري قرب المحطة النهائية لـ «ميترو الجزائر» بالبريد المركزي لاقتناء التذكرة، حيث وصلت قبل الساعة الثامنة، لأتفاجأ بوجود زبائن كثيرين يشتكون تأخر فتح الوكالة التي لم تضع أية لافتة تتحدث عن توقيت بدء العمل. وكشف أحد المغتربين من فرنسا امتعاضه من تدني الخدمات، مؤكدا «...لقد جئت أمس بعد الظهيرة ولم أتمكن من حجز تذكرة نحو فرنسا، فالطوابير لا تنتهي. وانتهى وقت العمل ولم يتم التكفل بالكثير من الزبائن الذين تساءلوا عن التسهيلات التي يتم الحديث عنها يوميا في نشرات الأخبار. وقال أحد الشباب، تمر الأيام والأعوام ولم تتغير الأمور، فأدركت أن من يختار دولا أخرى لقضاء العطلة فهو محق وهناك الكثير من المغتربين يقومون بدعوة أهاليهم لتونس للالتقاء هناك».
وتفرض الوكالة الوطنية للنقل البحري للمسافرين إحضار بطاقات التعريف لصرف التذاكر، الأمر الذي لم يَرُق الكثيرين، خاصة الذين جاءوا من ضواحي العاصمة وعادوا أدراجهم لإحضار الوثائق تحت حرارة ورطوبة شديدتين، وازدحام لا يطاق.
الأمر الإيجابي، يكمن في الأسعار التي هي في متناول الجميع، فقد حددت الشركة سعر الرحلة بـ800 دج بالنسبة للرحلة بين الجزائر وأزفون و500 دج للرحلة بين أزفون وبجاية. ويبلغ سعر تذكرة الرحلة بين بجاية وجيجل 500 دج بينما يقدر ثمن الرحلة بين والجزائر وبجاية بـ1.200 دج وبـ800 بين أزفون وجيجل. أما عن تكلفة الرحلة بين الجزائر وجيجل فقد حددت بـ1.600.
ويستفيد الذي يسافر مع اثنين من أبنائه من امتياز دفع 300 دج إضافية فقط، وتعفي الشركة الأطفال الأقل من سنتين من الدفع. كما تم تحديد أسعار تفضيلية للطلبة والأطفال فوق سنتين بدفع 400دج فقط.
من سلبيات هذا الخط البحري الجديد، سوء التنظيم على مستوى ميناء السماكة. فعند وصولنا على الساعة السابعة صباحا، لم نجد في الاستقبال أي أحد، مما فتح المجال للتسابق بين العائلات، خاصة التي اصطحبت معها أطفالا للظفر بكرسي انتظار في ظل غياب أدنى توجيه من أعوان المؤسسة الوطنية للنقل البحري للمسافرين.
وعند الساعة الثامنة والربع، بدأ التحضير لصعود المسافرين الباخرة «سرايدي» حينها بدأ التدافع دون احترام للعائلات ولا للأشخاص المسنين، في صورة شوهت كثيرا صورة النقل البحري.
وحتى حضور الشرطة لم ينفع، في ظل تواجد العديد من دون تذاكر حاولوا بكل الطرق صعود الباخرة، فالكثير كان يجهل ضرورة الحجز قبل 24 ساعة من السفر.
وحدثت مناوشات وملاسنات بين المسافرين والمسؤولين عن الباخرة الذين رفضوا المجازفة بنقل أشخاص دون تذاكر لتنطلق الباخرة في رحلتها.
«الجو العائلي والأطفال... يمنحان الرحلة جمالا آخر»
أكد الضابط عمار بولال، أحد مسؤولي باخرة «سرايدي» الإيطالية الصنع، التي تضمن النقل عبر الخط البحري الجزائر- جيجل، أن تقييم التجربة الجديدة لنقل المسافرين عبر البحر إيجابية، موضحا لـ «الشعب»، «...تقييمي هذا استخلصته من المسافرين الذي عبّروا عن إعجابهم بمبادرة بعث النقل البحري، حيث سمح للجزائريين باكتشاف بلادهم عبر البحر». وأضاف، «لقد عبّر لي الكثيرون عن سعادتهم بالجو العائلي وعن الاحترام والتنظيم داخل الباخرة».
وحول «تبعات السفر بحرا» وحالات الغثيان الكثيرة التي يصاب بها المسافرون، بمن فيهم مندوب «الشعب»، وضرورة تواجد طبيب على متن الباخرة في ظل وجود أطفال كثر وكبار السن، فقد تحدث السيد بولال عن أهمية هذا الأمر، قائلا: «حقيقة هناك الكثير من الأشخاص الذين يصابون بدوار البحر، فهم لا يتحمّلون السفر في أجواء مضطربة». وأشار إلى «أن المعايير وإجراءات السلامة تضمن تواجد أطقم طبية، لكن هناك كيلومترات معينة يجب أن تتوافر لضمان أطقم طبية، لكن بما أن هناك محطات توقف بأزفون وبجاية، فهذا يجعلنا قادرين على التكفل بكل الحالات الطارئة».
ونقل نفس المصدر، أنه بعد أكثر من شهر من بدء الخط البحري فإن الإقبال الكبير عن النقل البحري يعتبر رد فعل نفسي من الجزائريين الذين تعبوا من العشرية السوداء ومن ضغط المدينة واهتراء الطرق، فقد نقلوا لي افتخارهم بعودة النقل البحري وتطويره مستقبلا من خلال تخصيص بواخر تقوم بجولات عبر كامل الساحل الجزائري الذي يتجاوز 1200 كلم.
وشدد عمار بولال، الذي يسهر على التكفل بانشغالات المسافرين وتنظيم الرحلة داخل الباخرة على سلامة المسافرين، على أن التنسيق مع مصالح الأحوال الجوية دائم، حيث يتم إلغاء بعض الرحلات في حال وجود رياح قوية، لهذا تم فرض بيع التذاكر يوم الرحلة لتفادي إتعاب العائلات دون إن يسافروا عبر الباخرة».
وأوضح بالمقابل، عن تعطش الجزائريين لهذا النوع من الرحلات، التي ألفوها في تونس ودول الجوار، مؤكدا أن الكثير من الفضوليين يأتون إلى موانئ جيجل وبجاية و»أزفون» ويطلبون منا السماح لهم بالاطلاع على الباخرة «سرايدي»، حيث نلبي كل الطلبات ونسمح للجميع بالاستفادة من رحلات بحرية مستقبلا والترويج لهذا النوع من النقل الذي يمكن أن يقدم الكثير لقطاع الخدمات والاقتصاد الوطني بصفة خاصة.
المدن الساحلية تطالب بالتوقف عندها
ينتابك أثناء مرور الباخرة «سرايدي» بالمدن الساحلية الواقعة بين العاصمة و»أزفون» بشعور غريب، حيث يخيل إليك وأن كل مدينة ساحلية تطالبك بالتوقف عندها لتكرم ضيافتك، خاصة وأننا في موسم الاصطياف... ويقف الفرد على جمال برج البحري التي تتوافر على شاطئ القوارب الشراعية، ومدرسة تامنفوست الخاصة بالقوات البحرية، ليتأكد الجميع بأن للجزائر عين ساهرة عليها برا، بحرا وجوا، ويكتشف مدى المجهودات الضخمة لعناصر القوات البحرية في حماية السواحل الجزائرية، واكتشاف المتوسط الذي قرأنا عنه عبر العصور بأن البحرية الجزائرية، خاصة في الفترة العثمانية، بسطت سيطرتها عليه. وأمام حركة الأمواج التي كانت عاتية في ذلك اليوم، إلا أن ذلك لا يمنع المسافر من استذكار رحلات السندباد وحكاياته الشيقة.
من تامنفوست إلى شواطئ عين طاية وسيركوف والقادوس والرغاية، مرورا ببودواو البحري، كل منطقة تستعرض مفاتنها لعلها تلفت أنظار المسافرين الذين كانوا منقسمين بين «أزفون / بجاية وجيجل» واعتذروا لتلك المدن الساحلية، بما فيها كاب جنات بمينائها الجميلين ودلس وتيڤزيريت اللتين تستحقان توقفا عندهما لتبرز من بعيد مدينة «أزفون «التي اكتشفتها لأول مرة.
والباخرة تستعد للاقتراب من ميناء «أزفون» المتواضع والذي تعلوه منارة لتحذير السفن من الصخور، ينتباك شعور غريب من جمال تلك المنطقة التي يكاد يلتصق فيها الجبل بالبحر، ورغم المساحات الكبيرة التي التهمتها النيران على مرتفعات الجبال، تأبى أزفون إلا أن تفترش بساطا من سندس الجبال ومن زرقة البحر، إنه بساط طبيعي.
«أزفون»... تاريخ وحاضر من ذهب
تمتلك مدينة أزفون، التابعة إداريا لولاية تيزي وزو، تاريخا ضاربا في أعماق الحضارة. وبحسب الكاتب والمؤرخ والمثقف محمد أرزقي فراد، فإن إسم «أزفون»،أو «إزرْخفاوَنْ»، أو «إبَحْريَنْ»، أسماء لمسمى واحد. تعني «مرسى الفحم».
وأكد نفس المصدر، أن «أزفون» اسم سار ذكره في كتب الرحالة العرب والأجانب. «أزفون»، موقع جغرافي حفظ بصمات الحضارات السالفة التي تعاقبت على أرض الجزائر، «أمازيغية، فينيقية، رومانية وإسلامية».
«أزفون» بلد ارتبط بمدينة «الدزاير آث مزغنة» منذ عهد الأتراك، بفضل ثرواته الغابية التي استغلت لتوسيع عمران القصبة والهجرة الموسمية والدائمة إليها. «أزفون» الذي اشتهر قديما بتصدير كميات كبيرة من الفحم، حتى لقب ميناؤه بمرسى الفحم.
وأشار محمد أرزقي فراد حول المدنية... بأن تاريخ «أزفون» تميّز بالمثاقفة التي حدثت بين الحضارتين الأمازيغية والعربية عبر التاريخ، خاصة من خلال نزول عديد العائلات الأندلسية هناك «آث واندلوس»، بعد سقوط غرناطة، آخر إمارة للمسلمين بالأندلس وقد ساهم هؤلاء الوافدون في ترقية الحياة الاجتماعية والاقتصادية بما حملوه من رصيد حضاري هام.
وتشير الكتابات التاريخية لنفس المؤرخ، أن منطقة «أزفون» تدور في فلك بجاية سياسيا وثقافيا واقتصاديا، أيام ازدهارها ورقيّها، خلال عهد الحماديين والموحدين والحفصيين، وكانت تندرج ضمن حزام أمنها، لذلك أقام أمراء بجاية في أزفون قلعة عسكرية، برزت أهميتها عند هجوم السلطان الزياني أبو حمو الأول على أراضي بجاية في مطلع القرن الرابع عشر الميلادي، مثلما أشار إلى ذلك العلامة عبد الرحمن بن خلدون. ثم قويت أواصر التواصل العلمي بين بجاية وأزفون طلبا للعلم أحيانا، أو من أجل تأسيس المدارس القرآنية، لذلك انتشرت المعمرات أو الزوايا والكتاتيب بشكل واسع، وفرت التعليم لجمهور عريض».
ولعل أبرز الأعلام الوافدة إلى آزفون من بجاية، أحمد البسكري، الذي أسس قرية إبْسَكريَنْ في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وأحمد بن يوسف الملياني الذي استقر في أحد أوديتها وسمي الوادي باسمه «وادي أحمد بن يوسف»، ولا شك أنه أسس مدرسة قرآنية لتعليم أبنائه وأحفاده وأهل المنطقة، كما جرت العادة لدى علماء عصره.
ويلفت انتباهك في وسط المدينة القديم، المسجد الذي بني على طراز إسلامي جميل يشد انتباهك، ساهم في بنائه سنوات السبعينيات من القرن الماضي العلامة الراحل محند واعمر جد مصور جريدة «الشعب» عباس تيليوة، الذي ينحدر من منطقة «أزفون». وتلعب مساجد المنطقة دورا كبيرا في تعليم القرآن واللغة العربية ونشر قيم التسامح وتعاليم الدين الإسلامي.
وكشف عباس تيليوة، أن الراحل جدّه كان يستقبل بالمنطقة زعيم الحركة الوطنية مصالي الحاج ورئيس جمعية العلماء المسلمين ومؤسسها عبد الحميد بن باديس، وأضاف قائلا: «لقد تم تدشين المسجد في 1972، وتم تكليف مجموعة من الأشخاص بمدينة أزفون حاملين الأعلام - السنجاق بالأمازيغية - ويدعون في 4 جويلية 1972 ـ ليلة عيد الاستقلال - لحضور مراسم تدشين المسجد، حيث ألقيت خطبة تحدث فيها عن الاستقلال والجزائر في لحظات لا تنسى.
أنا من أزفون... أنا فنان
ونقل في سياق متصل، «... أن بلدة أزفون لم تلبث أن نسجت علاقات قوية مع مدينة الجزائر في عهد الأتراك العثمانيين، بفضل ثروتها الغابية التي استغلوها في تجديد وتوسيع عمران القصبة، كما كانت تزودهم بمادة الفحم وزيت الزيتون والتين المجفف، واليد العاملة والجنود. وأدى ذلك إلى تمتين الروابط بينهما، ساعد على استقرار المهاجرين بالمدينة، الذين صاروا يشكلون خلال فترة الاحتلال الفرنسي أغلبية السكان. لعل ما يؤكد ذلك، انتماء معظم رجالات الثقافة البارزين فيها - خاصة في مجال الفن - خلال القرن العشرين إلى منطقة «أزفون»، نذكر منهم الحاج امحمد العنقاء وبوجمعة العنقيس والحاج مريزق وعمر مكرازة في الأغنية الشعبية ورويشد وعلي عبدون ومحمد حلمي وسعيد حلمي ومحند السعيد فلاق ومصطفى بديع في المسرح والسينما ومحمد إقربوشن في الموسيقى العصرية وامحمد إسياخم في الرسم وغيرهم...
في الميدان العلمي برز الشيخ محمد السعيد بن زكري، المتوفى سنة 1914م (مدرس بالمدرسة الثعالبية ومفتي المالكية بالجامع الكبير بالجزائر)، والشيخ المصلح أبو يعلى الزواوي (1866 - 1952)، صاحب المؤلفات العديدة (تاريخ الزواوة/ الإسلام الصحيح/ خطب الجمعة/ جماعة المسلمين/ مرآة المرأة المسلمة...إلخ)، وباعزيز بن عمر (1906 - 1977) الذي ترك مئات المقالات المنشورة في جريدة «البصائر»، وكتبا مخطوطة عديدة نشرها الأستاذ إسماعيل زكري بعد وفاته (الجزائر الثائرة/ رحلتي إلى البقاع المقدسة/ من ذكرياتي عن الإمامين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي، وغيرها...)،
والشاعر المناضل البشير حاج علي، والروائي الكبير الطاهر جاووت (ابتكار القفار/ شبكات القناص/ البحث عن العظام)، وغيرهم...
وتفتقد أزفون لمؤسسات ثقافية قد تكون بيئة لاكتشاف فنانين آخرين، حيث أكد السيد رابح، موظف بفندق، عن أمله في أن يتم بناء قاعات سينما ومسارح لبعث الحركة الثقافية والسياحية بالمنطقة، فما عدا النشاطات التي تنظمها الفنادق لا يوجد فعل ثقافي يمكّن السياح وسكان المنطقة من الترفيه والابتعاد قليلا عن الحياة المادية.
«أزفون».... الحركة الوطنية مرت من هنا
ساهم أهل أزفون في المقاومة الشعبية التي انطلقت منذ نزول الفرنسيين في سيدي فرج في جوان 1830م بحسب كتابات المؤرخ محمد أرزقي فراد، فقد استجاب سكان المنطقة لنداء الداي حسين الذي استجار بأهل الزواوة لمواجهة الاعتداء الفرنسي، وشارك أهل زرخفاوه (أزفون)، وعرش آث فليق في معركة اسطاوالي، تحت قيادة أمين فيدرالية الأعراش السعيد واعمر، والمرابط سي امحند أوثفزون. كما رفع الشيخ العربي وشريف (من قرية ثازروت)، راية زاوية سيدي منصور معلنا الجهاد بعرش آث جناد، موكلا القيادة العسكرية إلى امحند أوالعربي ناث بابا، حفيد البطل حدوش ناث بابا.
كما شارك سكان هذه المنطقة مشاركة فعالة في ثورة 1871م تحت قيادة الشيخ الطيب (من قرية ثيمليلين). ثم صارت منطقة أزفون قلعة للحركة الوطنية بعد تأسيس حزب نجم شمال إفريقيا، واحتضنت قرية عشوبة الحصينة الكثير من مناضلي المنظمة السرية التي أسسها حزب الشعب وحركة انتصار الحريات الديمقراطية من أجل إعداد الثورة. وعليه، فمن الطبيعي أن تكون منطقة أزفون إحدى قلاع ثورة نوفمبر التحريرية. ومن أبرز رموز النضال والمقاومة، الشهيد ديدوش مراد (من قرية إبسكرين)، والعقيد محمد السعيد إعزورن( من قرية إعجماض)، وياسف سعدي (من قرية آث سيدي يحي)، والقائمة طويلة.
ويحمل الشارع الرئيس في الواجهة البحرية للمدينة ـ الطريق الوطني رقم 24 - في مدينة أزفون اسم الشهيد عمر ياسف… وهو الطفل الصغير الشهيد الذي قضى نحبه في معركة الجزائر مع الشهداء علي لابوانت، حسيبة بن بوعلي ومحمود بوحاميدي، وهو اعتراف من المنطقة بعظمة الشهداء ورسالة نوفمبر التي تدعو للوحدة والعمل من أجل مصلحة الجزائر.
تعزيز التنمية للنهوض بالمنطقة
تملك منطقة أزفون إمكانات اقتصادية كبيرة يمكن أن تجعلها قطبا استثماريا بامتياز، فلها ميناء بحري يمكن أن يشكل عصب التنمية ولكن يجب تعزيز هياكله، بتخصيص رصيف محترم لاستقبال المسافرين مع بناء قاعة استقبال واستحداث نشاطات تجارية وخدماتية، لأن وضع الميناء، كما وقفت عليه «الشعب»، يبقى بعيدا عن مستوى تطلعات سكان المنطقة.
كما أن تموين المنطقة بالسلع والاحتياجات بحرا، سيكون رافدا مهما من خلال تنشيط الحركة التجارية والتخفيف من حدة حركة المرور التي تخنق مدخل المدينة، حيث لولا تواجد عناصر الأمن الوطني بتنظيم حركة المرور، لكانت الفوضى تسود المدينة.
وقد أدى التوسع العمراني غير المدروس وسعي الكثيرين لتشييد عمارات وتقسيمها إلى شقق لاستقطاب «سياح الصيف»، إلى تضييق الطريق الرئيس ـ شارع عمر ياسف. ومع انتشار المطاعم والمتاجر والفنادق، فالأوضاع ستزداد تدهورا مستقبلا وهو ما يجعل الاهتمام بالنقل البحري يزداد، خاصة في ظل تطور الصناعة والاستثمارات بولاية تيزي وزو.
وتمتلك أزفون ثروة غابية متنوعة بها أشجار مختلفة كالفلين والزان، وشجيرات الخلنج. وبها زراعة جبلية ذات أشجار مثمرة كالتين والزيتون، فضلا عن الزراعة السهلية، ولها إمكانات كبيرة في تربية الأبقار والماعز.
تبعد المدينة عن تيزي وزو بحوالي 60 كلم، وعن مدينة بجاية بحوالي 90 كلم ولها وإمكانات سياحية متنوعة تجمع بين روعة الجبال الشامخة والتي تبدو وكأنها تعانق السحاب وسحر البحر من خلال شواطئ ساحرة، من شاطى الخروبة إلى الجنة الصغيرة وبني كسيلة وغيرها من الواجهات البحرية القريبة من الغابة والجبال.
وللمنطقة معالم ثقافية/ سياحية عديدة، تمثل حضارات مختلفة (أمازيغية، رومانية وإسلامية)، وموارد مائية غنية، لعل أهمها وادي بوثروة «سيدي خليفة»، الذي يمكن أن يستغل لبناء سد أو مجمعات مائية توفر المياه الصالحة للشرب وسقي الأراضي الفلاحية.
تعزيز التنمية بأزفون يمكن أن يعود إيجابا على مناطق «آث كسيلة»، و»تيقزيرت»، و»عزازقة» و»إغيل أنزكري».
في مجال حماية البيئة والثروة الغابية، يمكن أن تستفيد غابة ثامقوط - المتميزة بتنوع أشجارها وحيواناتها البرية - من تصنيفها كمحمية طبيعية، حماية للتنوع البيئي والثروة الحيوانية ومساعدة السكان على التشبث بأراضيهم في ظل صعوبة التضاريس.
السياحة... الكنز المفقود
تعرف أزفون إقبالا منقطع النظير من السياح في فصل الصيف، مثلما وقفنا عليه. لكن سوء تنظيم موسم الاصطياف وغلاء الفنادق ونقص الاتصال، جعل منها كنزا مفقودا.
فأسعار الفنادق مرتفعةة جدا، فسعر غرفة لشخص واحد بفنادق»لومامران» و»ليتورال» و»الميديتراني» يتجاوز 7000 دج، بينما غرفة لشخصين سعرها يصل إلى 11 ألف دج. وقد أكد رابح، موظف مستقبل بفندق «لوماران»، أن هذه الأسعار تم تخفيضها في ظل نقص عدد السياح هذه السنة، مقارنة مع السنوات الماضية.
وتنتشر بأزفون بنايات متعددة مخصصة للكراء على شكل شقق أو غرف منفردة وبأسعار معقولة، مقارنة مع الفنادق، حيث يتراوح الكراء بين 4000 و7000دج لليلة الواحدة. والشقق هناك مجهزة بمختلف المستلزمات ولمسنا إقبالا كبيرا عليها، خاصة وأنها تسمح بالسياحة العائلية وبتقاسم المصاريف، حيث حدثنا «س.رضا» من الجزائر بالعاصمة، أنه يقصد أزفون سنويا للتمتع بفصل الصيف رفقة عائلته من أجل تقاسم الأعباء والاستمتاع بالجو العائلي.
ويتقاطع كل من حدثنا عن «أزفون» عن طيبة أهلها والسلامة والأمن التي تميز المنطقة. حقا، فالتجول في المدينة يكون بحرية تامة ودون أي تجاوزات أو تحرش،وحتى ما يقال عن ضرورة التحدث بالأمازيغية أو وجود نوع من التمييز، فالواقع يكذب الادّعاءات، فناس أزفون مسالمون وتستحق تسمية منطقة الحضارة و»الناس الملاح».
وتتوفر بالمدينة مطاعم في متناول الجميع، فطبق السردين مثلا بـ200 دج، أما الدجاج فوق الجمر فلا يتجاوز 700 دج، كما أن هناك مساحات ومقاهي ومساحات للمثلجات تعمل ليل نهار، ناهيك عن انتشار بيع مستلزمات البحر وملابس السباحة.
يأمل الكثيرون في أن تفتح خطوط برية بين مختلف مناطق الوطن ومدينة أزفون،تضاف للخط البحري الذي يربط المدينة بالعاصمة لاكتشاف سحر وجمال المنطقة.
في مجال النقل يبقى إنجاز محطة برية أكثر من ضروري، في ظل افتقاد المدينة لمحطة في مقامها يمكن أن تكون قيمة مضافة لتطوير تنقل الأشخاص نحو مختلف الاتجاهات.
ويبقى وسط مدينة أزفون بحاجة إلى ترميم ورد الاعتبار للكثير من البنايات، خاصة على مستوى شارع سي عبد الله.
كما يأمل أصحاب الحرف التقليدية في تنظيم معارض مكثفة ومساعدتهم على تسويق منتجاتهم التي تتميز بالإتقان والجودة في سياق تحقيق التنمية المستدامة.