طباعة هذه الصفحة

“الشعب” تستطلع سد كودية اسردون

موّرد مائي مرجعي للمشاريع المهيكلة ومكسب استراتيجي

روبورتاج: سعاد بوعبوش

المدير العام للوكالة الوطنية للسدود والتحويلات:   السلامة الأمنية شرط للإنجاز

 تستهدف في كل مرة كلما تحركت الأرض، بالرغم من كونها تمثل أساس الأمن المائي للجزائر ومكاسب مهمة و شريان الحياة لقطاعات أخرى، ولربما هذا الدور الذي تلعبه السدود ببلادنا والقيمة التي تحتلها هي ما جعلها محط أنظار بعض الطامعين والانتهازيين من خلال الطعن في سلامتها وعدم احترامها للمعايير المطلوبة في بنائها واغتنام الفرص لنشر أفكارهم المغلوطة والإشاعات لاسيما عند حدوث بعض الظواهر الطبيعية على غرار الزلزال أو نشاط للطبقات الأرضية أو المياه الجوفية، وذلك إما حبا للظهور أو إدراكا منهم بأن الحروب المقبلة ستقوم بسبب المياه، ومن ثم محاولة استهداف الجزائر حتى في بنيتها التحتية، مستغلين بساطة ثقافة المواطن الجزائري ومخاوفه لنشر مثل هذه الأفكار، علما أن هذه المشاريع الكبيرة كلّفت الدولة أموالا طائلة وتضحيات جسام في سبيل تجسيدها على أرض الواقع بعد أن كان وصول الماء إلى الحنفية حلما يراود الجزائريين لاسيما بالمناطق النائية.
الحملة الشعواء التي طالت سدودنا ليست بالجديدة بل و الغريب في الأمر أنها تطال أكبر السدود و تطعن فيها على غرار سد بني هارون التي طالته حملة تفيد تلوث مياهه، وليس ببعيد حملة أخرى تطال سد كودية أسردون ما يطرح العديد من التساؤلات حول الأهداف التي تقف وراء هذه الحملات و لما دائما يتم إطلاقها وقت حدوث الكوارث الطبيعية أهو بهدف التشكيك، أم محاولة لزعزعة الأمن المائي للجزائر أو ربما لتقويض عزيمة الدولة على مواصلة تشييد هكذا مشاريع هيكلية.
 للوقوف على مدى سلامة سدودنا، تنقلت “الشعب “ إلى كودية أسردون ثاني أكبر سد بالجزائر بعد بني هارون، واطلعت على كيفية عمل هذا السد، الحلم الذي تحول إلى حقيقة ترجم الأشواط المهمة التي قطعتها بلادنا في تجنيد الموارد المائية بكل الطاقات والوسائل المتاحة من أجل توفير المياه الصالحة للشرب عبر مختلف ولايات الوطن بعد احتلال هذا القطاع الأولوية في جميع المخططات التنموية التي عرفتها البلاد، بداية بربح معركة تشييد الهياكل القاعدية التي تسمح بتخزين أكبر كمية ممكنة من هذه الثروة، مرورا بتحسين التسيير والتوزيع وتجديد القنوات لمواجهة ظاهرة الجفاف في أي وقت.
 بلغة الأرقام شكل توسيع شبكة السدود الوطنية أحد أهم المشاريع الكبرى التي ارتكز عليها نشاط القطاع باعتبارها أهم المكاسب التي جعلت بلادنا في مأمن من أزمة المياه و أزاح شبح تكرار سيناريوهات الماضي، ما سمح ببناء أكثر من 40 سدا جديدا بطاقة إضافية، فاقت 5.2 مليار متر مكعب، منها 31 سدا هو قيد الاستغلال ومن ثم الرفع من قدراتها الوطنية إلى 75 سدا، مستغلا بعد استلام ثلاثة سدود، نهاية 2015 الفارطة، في انتظار انتهاء بناء السدود المتبقية والبالغ عددها 14 سدا، من بينها 5 سدود سيتم استلامها خلال الثلاثي المقبل من السنة الداخلة لترتفع إلى 81 سدا.

ربيعي: تحدّينا كل الظروف لتجسيد “المشروع الحلم”

هي حقيقة وقفت عليها “الشعب” لدى زيارتها لسد كودية أسردون، حيث استمعنا لمختلف شروحات المشرفين على هذا المشروع الهام، كيف تبلورت فكرته في نهاية التسعينات،منذ أن كان في المهد ليتحول إلى حقيقة تجسدت على الواقع في ظروف أكثر ما يقال عنها أنها صعبة جدا بسبب الهاجس الأمني الذي كانت تعيشه الجزائر آنذاك، فكان العمل على حد قول رئيس المشروع خلال تلك الفترة، ونائب المدير العام حاليا - مصطفى ربيعي - على كل الأصعدة الأمنية والمالية والتقنية والإدارية والبشرية وحتى الطبيعة، إلا أن إرادة الرجال قبلت التحدي وقدمت التضحيات في سبيل تحقيق الهدف وما يزالون مرابطين بعين المكان لضمان تقديم الخدمة العمومية للمواطنين ما جعله يعتبره هذا السد بمثابة طفله الصغير.
سد كودية أسردون نموذج من المشاريع الضخمة الذي طالته الشكوك و جالت حوله الإشاعات، كونه يمثل مشروع الآمال المحققة و الآفاق الواعدة والتحويلات التي نفّست عن البلديات النائية، هو السد الواقع ببلدية أمعالة على بعد 15 كلم جنوب دائرة الأخضرية بولاية البويرة، تم إنشاؤه في الفترة ما بين عامي 2002 - 2008 باستخدام تقنية الخرسانة المضغوطة بما يعادل 700 مسبح أولمبي وكميات هائلة من الحديد والتجهيزات الحديثة، بهدف تلبية الاحتياجات الوطنية من الري والصناعة والشرب والاستخدامات المتعددة الأخرى.

برّاقي: السد رفع الغبن عن البلديات النائية وأعاد الأمل

 حسب المدير العام للوكالة الوطنية للسدود، أرزقي برّاقي،  يعمل سد كودية الذي بلغت نسبة امتلائه حوالي 80 بالمائة وفق نظام موجه لولايات الوسط، بفضل طاقته الاستيعابية المقدرة بـ 640 مليون متر مكعب، حيث يزود احتياجات كل من ولايات البويرة، تيزي وزو، المسيلة والمدية حتى بوغزول  بحوالي 178 متر مكعب من مياه الشرب سنويًا، إلى جانب تزويد احتياجات العاصمة عبر سد بني عمران، حيث زود العاصمة لوحدها بأكثر من 100 مليون متر مكعب منذ جانفي 2013.
يكتسي هذا السد الطابع الجهوي، كونه خفّف معاناة ورفع الغبن عن 36 بلدية من أربعة ولايات و يساهم في سقي 19 ألف هكتار بسهل متيجة و يسّر مما أعطى ديناميكية لقطاع الفلاحة، وكل هذا بفضل 352 كلم من القنوات و 11 محطة ضخ و18 خزان بسعة تتراوح ما بين 2500 إلى 20 ألف متر مكعب، كما ساهم في خلق 3450 منصب شغل، منها 500 منصب قار.

السدود الجزائرية تسيّر بأيدٍ وطنية أمينة

 سمحت لنا الزيارة الميدانية للسد بالتجوال داخل أنفاقه للتعرف أكثر على طريقة عمله التي كانت عصرية بكل المقاييس بشكل يليق بحجم هكذا سد، يسهر على تسييره إطارات وطنية متحكمة في آخر التكنولوجيات تسهر و تراقب نشاطا السد و سلوكه بطرق رقمية حديثة 24سا /24 سا، فكانت البداية بالمدخل حيث نكون مباشرة بنفق يشق الجبل بـعمق 60 مترا هدفه جمع المياه الجوفية حتى لا تشكل ضغطا زائدا على السد ،لنستكمل السير نحو غرف المراقبة المجهزة بتقنيات صغيرة و دقيقة من بينها جهاز السيزموغراف لرصد وتسجيل الموجات الزلزالية.
كما اطلعنا على طريقة التخلص من المياه الزائدة، حيث يتم اللجوء إلى فتح جزئي للسد و إفراغ المياه في المجرى المرتبط أساسا بأودية المنطقة ما يساهم في تعزيز منسوبها و بالتالي الاستفادة منها في الفلاحة، حيث تصل تلك المياه إلى غاية واد القدّارة و من ثم فهذه المياه تلعب دورا إيكولوجيا و فلاحيا.
 بغرفة القراءة، حيث التقينا بمدير السد الشاب، بوعلام الله عبد القادر، يتم تلقي كل المعطيات التي رصدتها الأجهزة المنصبة بمختلف جهات السد، حيث يتم دراساتها وتحويلها إلى الغرفة المركزية ليتم معالجتها والتدخل في حال تسجيل حالة استعجاليه أو ضرورة تستدعي ذلك بكل مهنية إدراكا منهم بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم ولأهمية المشروع اقتصاديا و اجتماعيا لارتباط الخدمة التي تقدمها هكذا مشاريع هيكلية بعدة قطاعات، بل وتمثل الشريان التي يقوم عليها نشاطها لاسيما الفلاحة والصناعة.

السعي لتعميم نظام الوقاية والإنذار على مستوى كل السدود

بهدف فهم أكبر لكيفية تأمين السدود الوطنية، أوضح المدير العام للوكالة الوطنية للسدود، أرزقي برّاقي، أن الوكالة تعتمد على نظام الوقاية والإنذار على مستوى كل السدود الكبيرة و المجهزة بهذا النظام على غرار سدي بني هارون كودية أسردون باعتبارها سدود أقطاب، فبفضل هذا النظام تتلقى الوكالة في مقرها المركزي كل المعطيات المتعلقة بالسدود بصفة دورية و منتظمة بشكل يسمح باتخاذ أي تدبير استعجالي أو تدخل اضطراري في حال تسجيل رقم أو معطى غير عادي.
 أوضح برّاقي أن الوكالة تقوم بدراسات في هذا الخصوص، مشيرا إلى وجود دراسة قام بها الكوريون لتعميم نظام المراقبة والإنذار على مستوى كل السدود الوطنية، خاصة و أن الدراسة انتهت وسيتم تنفيذ هذا النظام في أقرب وقت مباشرة بعد الحصول على الغلاف المالي المطلوب.
 في المقابل، أشار المدير العام للوكالة الوطنية للسدود و التحويلات إلى أن كل السدود تتوفر على نظام ذاتي وآلي للفحص ويبقى ربط هذا النظام مع المقر المركزي النقطة التي يتم العمل عليها، ويتم مراقبة السدودمن خلال التجهيزات المنصبة به لقياس تحركات ضغطه وحرارته، التي تشرف عليها فرقة تقنية تتولى القيام بهذه القياسات وإرسالها للمقر المركزي لدراستها ومعالجتها.
تهدف الوكالة الوصول إلى مستوى أعلى من خلال ضمان الاتصال الآلي مع الجهة المركزية المسؤولة، حيث يتلقى البرنامج هذه القياسات وفي حال اكتشافه لخطر يتم إطلاق الإنذار بصفة آلية ويتم إرسال فرق تقنية لفحص السد لضمان سلامة السد والمواطنين الساكنين ورائها.

نزع الأوحال لـ 10 سدود خلال الخماسي

من جهة أخرى، تسعى الوكالة الوطنية لتثمين شبكة السدود الوطنية لاسيما القديمة منها والتي تم بنائها خلال الفترة الاستعمارية أو تلك التي تجاوزت مدة حياتها بكثير ومنها من عمرها يصل إلى 100 سنة على غرار سد تاملالت، وذلك من خلال نزع الأوحال منها.
بحسب برّاقي، تم تسطير برنامج خلال 15 سنوات الأخيرة لهذه العملية التي أعطت نتائج حسنة، فبسد فم الغرزة تم نزع 4 ملايين متر مكعب، القصب 7 ملايين م3 ، فرقون 8 ملايير م3، و سيدي عابد 2 مليون م3،  مشيرا إلى أنه حاليا هناك ثلاث سدود تستفيد من العملية والمتمثلة في سد بوحنيفية لنزع 5 ملايين م3 منه علما أنه تم إزالة 4 ملايين م3 و بقي مليون وفم الغرزة استفاد من عملية ثانية لنزع 8 ملايين م3  ، حيث تم تنصيب ثلاث ماكنات به، وتم وضع خطة لنزع 3 ملايين م3 خلال سنتين، و بالقصب تم نزع 1.5 ملايين م3 وستبقى الماكنات به لنزع 10 ملايين متر مكعب.
وتحدث ذات المسؤول عن اقتراح الوكالة  خلال الخماسي الحالي نزع حوالي 45 مليون م3 من الأوحال لـ 10 سدود، كون أن حماية الحوض المائي يتطلب أشغال كبيرة و أحيانا ليست اقتصادية، و لهذا يتم القيام بعملية مكررة  لنزع الأوحال كلما احتاجت الضرورة لذلك، خاصة و أن ظاهرة الأوحال مرتبطة بغزارة الأمطار، مشيرا إلى أن الظاهرة لا تطرح مشكل استغلال السدود في الجزائر و إنما مشكل خفض نسبة التخزين ولهذا هناك سعي دائم إلى استعادة نسبة الاستيعاب لضمان أكبر مخزون من المياه.

التبّخر أكبر هاجس في السدود

 في سياق آخر وحول سرقة الفلاحين لمياه السدود، أوضح برّاقي أن عدد الفلاحين الذين يضعون مضخات في الحوض المائي للسدود ليس بالعدد الكبير ولا تؤثر الكميات التي يأخذونها على منسوب السدود، بل المشكل الحقيقي هو تبخر مياه السدود، فمثلا نجد نسبة التبخر في سد جرف التربة تصل إلى 14 مليون م3 سنويا، و بسد كودية أسردون 40 ألف م3 / اليوم، أي ما يعادل الكمية التي تمول بها ولاية بومرداس يوميا.
 بحسب ذات المسؤول تسعى الوكالة إلى تثمين هذه المادة من خلال إقناع الفلاح الذي يريد سقي أراضيه دفع قيمة مالية مقابل هذه الخدمة و تمكينه من المياه بالطرق الحديثة والآمنة و الاقتصادية لضمان عدم تلوث الحوض لا سيما من الفلاحين الذين يقومون باستعمال المضخات التي يستخدم فيها المازوت الزيت، مشيرا إلى أن قانون الماء يمنع التنصيب غير الشرعي لهذه المضخات.
 من ثم تبقى السدود مكاسب هامة، نجحت الجزائر في كسب معركتها وبالتالي ربح معركة المياه خاصة وأن الضرورة تفرض مواكبة التطور الاقتصادي والاجتماعي للنمو السكاني المتزايد، وبالتالي الاستمرار في بناء السدود، حيثما كان ذلك  ممكنا فنياً واقتصادياً من أجل تأمين المياه واستخدامها وفق أولوياتها في مجالات الشرب والصناعة والسياحة والزراعة المسقية لتحقيق الأمن الغذائي.