تعددات المدخل: إنّ الاستهلال أحد الأسس القديمة في بناء المادة الأدبية، ويعتبر من أهم ما يعطي انطباعا للمتلقي على وجه الخصوص العضوي عن النص الأدبي، على اعتبار أنّالاستهلال واجهة تشير إلى طبيعة النص الأدبي جماليا على وجه الخصوص، وسيان كان النص الأدبي سردا كمادة روائية أو قصصية، أو يكون شعرا أو خطابة أو ماشابه، وطبعا الاستهلال برغم قصر حجمه الذي يؤشره أرسطو على أنه سطر أو سطرين، لكن من الطبيعي أن يعطي انطباعا على أنه تام وكامل، وبعد التطورات المتلاحقة في سياقات الكتابة الأدبية، صار هناك الزاما يُفرض على تطور المدخل أو الاستهلال، وفي الرواية هناك تطور متلاحق كان، وذلك لضرورات فرضتها الأشكال الجديدة للرواية، واستوقفتنا رواية (الموت في زمن هش)، حيث هناك مدخل خارجي حسب الكاتب يعدد توجهات المدخل الروائي وطبعا مفردة ـ خارجي ـ تأخذ صفة بعد دلالتها تماما، أي هي تعبر عما هو خارج النص، لكن آليات الكتابة فرضت وجوده، والمدخل الخارجي كان في الرواية وحدة نصية تامة، تمثل ذاتها بذاتها، لكن هي ليست طارئة على النص بشكل تام، بل هناك تلاقي رؤى بين رؤية هذا المدخل ورؤيا المؤلف وبالتالي تصب في رؤيتهن لكن بعد تعديلات عدة، وهذا المدخل الخارجي في الرواية الحق بمدخل آخر، نسميه مدخل الرؤياوذلك لكونه يتضمن رؤيا المؤلف، أي أن هناك منظور للمؤلف أراد له أن لايبلغ الوضوح التام داخل النص، فقدمه لنا بهذه الصورة المفترضة، فكانت تشكل وجها مختصرا للكيان الروائي علاماتيا أو دلاليا أو عبر إشارة وصفية، ولأن بؤرة السرد في الرواية لا يبدو بتمظهر مباشر من الاستهلال أو المدخل الداخلي، فإنه كان كمدخل إحالي وموجه، يكون ذا دور رئيس في مضمار الإشارة الضامرة إلى بؤرة السرد، والتي قد بقت نسبيا كامنة وكان هذا في سياقات الأداء الابتدائي يؤكد أنّ ذلك المدخل وما قبله من مدخل خارجي، هي صيغة تمثل ما يسبق الاستهلال الحقيقي، وكان هو جملة مضمنة من الخارج وما تلاها من مدخل الرؤيا، هو يمثل منظورا مختصرا للكاتب نفسه وقد يشعر بأهميتها، فيجعلها تتصدر العمل الروائي كمدخل شخصي، كان تبويبا يلي المدخل الخارجي للرواية.
النص ومناصات التوظيف: توقفك رواية (الموت في زمن هش) أمام صيغ الإنتاج النصي لمناصات متعددة السياقات، لكن متن اللغة بطبيعته الكبرى يمثل بعدا بنيويّ الصفة وهذا الإطار الحيوي داخل كيان النص حيث هناك إدارة داخلية لهوإدارة خارجية مراقبة، وتسهم أيضا بالإدارة حسب السياقات المتاحة لها وهنا يكون داخليا تقابلا مناصيا بين مقومات النص وبين المناصات التي فرضت من الخارج وأخرى من الداخل وجدت كمضامين ثانوية،حيث نجد ضرورة سياقية استوجب أن تكون مقومات أساسية ومقومات النص الأساس تسعى أن تنتج صفاء جمالي بسعي نحو التكامل وفق الجمال الحي. أما المناصات فهي تسهم في خلق قبح بمضمون جمالي، أي إبراز الوجه الخفي للجمال وطبعا الصفاء الجمالي هو ليس مقياس التمام والكمال الإجمالي الجمالي,كون الجمال قيمة كبرى لكنها لاتحدد، والمشهود منه يرتبط بالإطار الخارجي أي شكل الرواية كتعبير أنثربولوجي، وأما القبح فهو يتمثل عبر الشكل الفني، وتكون المناصات عبر منظومة زمنية متعددة المديات، وأن البعد الجمالي المشهود يكون في عوامل ارتباطه وحدودها عبر الجانب الأرسطي الأفقي وأما القبح فهو بسياق عمودي الحركة والنشاط وهما اتجاهان وان بديا متعاكسين ولكن كل منهما يؤدي وظيفته دون تأثير على الآخر أو منه وبرغم زخم المناصات الخارجية، والتي هي صور من تاريخ الأدب، لم ترتبك الرواية، فهناك تناسب منظم الى حد ما بين الجمالي والقبح الطارىء ورغم أن الرواية وتزاحم وسرعة إيقاع التحولات الجديدة الطارئة، تحافظ على فكرة التناسب بكلتا الحالين في أغلب الأحوال ولا يمكن جعلها مورد قناعات تامة إلاّ في جانب واحد تتلخص قيمته في سياقية ترادف الخطاب داخل العمل الأدبي واحتماله لهذا الترادف لذلك يتأكد من خلال احتمال البعد الأفقي للبعد العمودي الذي تمثل بالمناصات هذه الأخيرة بوجهين أحدهما حاد الإيقاع وهو الذي يفرض ذاته على الذات الإبداعية التي تقف خلاف السارد المفترض والتي كما نوصف أنها تمثل ظله. الأخرى يتباين إيقاعها وتمثل تنوعات بين الجدي وبين الساخر، فكان ذلك لا يمنع من أن يكون ذلك السياق عاملا غير سلبي الصفة وطبيعي أن تتقدم الرواية نحو إتمام مهمتها بمثابرة السعي إلى الكمال وأن يكن مجمل ذلك الكمال هنا هو مفترض. إلاّ جمالية المناصات الأدبية التداولية الخارجية، مثل مقولات من تاريخ الأدب، وهي بذاته داخل النص تكون كقيم كبرى ماثلة بشكل دلالي، وذلك البعد ـ المناصي ـ التداولي - الترادفي، هو أحد الوحدات المهمة في تشكل النص الروائي لدا محمد رفيق طيبي، وتنسيق تلك الوحدات الدلالية تصاعديا، يبدأ من نصوص أدبية، ليبلغ قمته التي يتمثل بها النصوص القرآنية، والتي كانت أمثلة ومرايا لحوادث وتفاصيل وأفكار، وفي البعد التداولي لغة، فكانت هناك لغات من داخل متن اللغة، وهناج بعد الجناسة اللغوية في بعض المواضع، والتي هنا حسب تفسيرات مصطلح الجناسة، هي متون صغرى للغة وأن كان ذلك صوتيا يمثل جنس أنثى، فيكون ذلك إصطلاحا ـ جنوسة ـ كون الصوتيات تحدد في الرواية وفق ذلك المستوى.
وأما البعد الترادفي، فكانت هناك مقومات كبرى للخطاب وأخرى صغرى، والكبرى تمثلت بالخطاب القرآني والنصوص الأدبية، وهي خالصة التمثل الذاتي داخل النص الروائي، وهناك خطابات أخرى تمثل مستوى أدنى وغير خالص الثبوت، أي هي خطابات تصنف بأنها خطابات صغرى، يمكن تداولها ترادفيا بصيغة أوسع من سابقتها، وكانت في كيان النص مفصولة عبر إشارة الهامش وليست كما الخطابات الكبرى تمثل ذاتها بذاتها، وأيّ رواية هنا هي رواية (الموت في زمن هش)؟، وذلك السؤال نثيره معرفيا، وليس في حدودالمنهج الروائي، فرواية احتملت كما هائلا من الخطابات الخارجية، دون أي ارتباك، أو اسهاب لا جدوى منه، بل بتميز وموضوعية وجدوى جدلية، وتلك ميز مهمة ن وعلى الأخص في إثارة القارىء العضوي. إن تجاوزنا من خلال الخطابات تلك القارىء العام.
ترادف الخطاب الروائي: إن رواية (الموت في زمن هش) كحياة من كيان شخصية متداخلة بذات السارد الشخصي وذات السارد الواعي والذات المفترضة، تكون مثلث ترادف ـ كيان شخصي ـ كيان واعي - كيان مفترض - تلك الكيانات تكون بنسب مختلفة، ففي داخل كيان النص من جهة حسية ومن أخرى عرفية وسياقية اجتماعية تسعى إلى الأكتمال الوجودي، ولكن ليست إلاّ تأملا عمليا كان على المستوى الأنثربولوجي أو حسيا على المستوى الأدبي، كما تميل مرة إلى الذاكرة، وأخرى تميل إلى عنصر الخيال الروائي، حيث هناك تراكيب متعددة بنيوية الطابع بين شخوص المثلث وعلائقها النصية، وهن مركز تعددي لآفاق أحداث الرواية، ومن جانب آخر فإنّ الشخوص أيضا هم كيانات بشرية يتنوع خطابها ويبلغ مستوى الخطاب المترادف تداخلا وأما المعاني الإجتماعية فهي دلالات الشخوص بواقع شخصي يميز حقيقتهم ولابد أن نقف على ملامح خطاب شخوص من مستويات متعددة من جهة الحس الوجودي وعلى مستوى واحد في بعد الترادف الخطابي، وعلى وجه الخصوص، بين ما هو من داخل النص وبين ما هو من الخارج، تدوله النص دلاليا وليس نحويا.
يشكل ذلك الترادف مثالا حساسا في سياقية توظيفه، لابد من تأكيد أهمية البعد الأساس لتوظيف الخطاب ودوره أيضا بالإنابة عن الروائية في عملية إنتاج خصوصية الخطاب ورسم ملامح ذلك الخطاب داخل كيان رواية (الموت في زمن هش)، وكذلك قام الروائي بتحليل ميزة ذلك الخطاب الترادفي ومستويات الشخوص في جانبي الواقع التداولي المشترك للخطاب الترادفي من جهة ومن جهة أخرى خلال مناطق الشعور وأبعاد الحس والإعتقاد الوجداني والتي كان طبيعيا أن تكون متعددة أحيانا وتكون تراكبية في أحيان أخرى حيث هناك مساحة واسعة من الشعور الموصوف والفعل المسرودوأيضا لابد أنّ هناك معنى إنساني يجمع حياة الشخوص، بدء من السارد المفترض والذي يمثل ظل كيان الذات الواعيةوهو يلامس الحس البشري له وعلى الأخص عند المنحى الأنثربولجي المشترك، والتعايش الجودي واقعا ومضمونا.
(@)حاز على الجائزة الأولى للرواية في مسابقة علي معاشي