لكل مدينة من مدن الجزائر عادات وتقاليد خاصة بها تميزها وتبين في تفاصيلها ثقافة وحضارة هذا المجتمع أو غيره فتبرز لنا طبيعته وتراثه منذ بداية نشأته، ولكل منطقة نكتها في رمضان وكيفية استقبالها لشهر الصيام الذي يعد من أهم الشعائر الإسلامية لدى المسلمين.
من العادات والتقاليد المتوارثة بالأغواط في شهر رمضان الكريم تحضير كل مستلزمات المطبخ من توابل وبهارات وطحن القمح إلى احضار ما يعرف «بالتشيشة» أو «تشيشة الفريك» التي تحضر قبل طهيها في المطاحن التقليدية اليدوية القديمة «الرحى» التي تملكها سيدات الأغواط الحرائر وكذا تحميص القهوة وإعداد السفة إلى جانب ذلك كل الأعشاب والتوابل الخاصة بالأطباق التي يطهونها كالرند والزعتر والقرفة والعكري وراس الحانوت وحبة الحلاوة.
وهناك مايسمى بـ»دوا الخلا» لتحضير الحريرة وكل مستلزمات المطبخ،وهناك بعض العائلات تقوم بذبح الخرفان قبيل الشهر الفضيل كي تقتني اللحوم من بيتها فقط دون اللجوء إلى الجزارين الذين تعرف محلاتهم حركية كبيرة.
«زق الطير» و«الذواقة» ....عادة قديمة تقاوم النسيان
يفطر الصائمون في ولاية الأغواط بالتمر والحليب وخاصة باللبن «الشنين» التي تعده سيدات البيوت بواسطة ما يعرف بـ»الشكوة «وهي عبارة عن جلد ماعز أو خروف محضرة بطريقة خاصة لتحضير اللبن. وهناك من يقتني اللبن من عند الملبنات الخاصة إلى جانب هذا يفطرون بحساء عقب الحليب يعرف بالتشيشة منها التشيشة «فريك» أو»المرمز» والتي كانت نساء الأغواط تحضرها قبيل شهر رمضان وتعتبر الطبق الرئيسي في المنطقة فيتم إحتساء هذا الحساء بقطع الخبز المطلوع أو البوراك المحشي باللحم المفروم والجبن كما تتزين مائدة الإفطار بأطباق ثانوية من بينها المشهورة في المنطقة مثل طاجين بونارين وطاجين المثوم وطاجين الزيتون والدولمة ومن بين الأطباق الأخرى التي كانت تميز مائدة الإفطار سلطة الباذنجان وطاجين اللحم الحلو المتكون من اللحم والمشمش والبرقوق المجفف والزبيب وشرائح التفاح.
وما يحرص عليه سكان المنطقة أن يكون الإفطار جماعي لكل العائلات حيت تعم أجواء الفرحة لديها على غرار الأطفال العائلة التي يقومون بإخراج فطورهم في الشارع مع أطفال الجيران أو ما يعرف منذ القدم بـ»زق الطير» وهو عبارة عن عادة قديمة يخرج فيها الأطفال شيء من فطور العائلة وذلك يكون فوق الدكانة التي بناها أهاليهم قبل دخول الشهر الكريم ومن خلاله يتعرف الأطفال عن الأكلات التي أعدها جيرانهم إلا أن مثل هذه العادات والتقاليد بدأت تختفي إلا من بعض الأزقة والشوارع القديمة والعتيقة بالمدينة.
وتتميز منطقة الأغواط بتشجيع الأطفال على الصيام فعندما يصوم الطفل لأول مرة تضع قطعة من الذهب في كأس من الماء والعسل ويفطر الطفل الصائم بذلك العسل كي يصبح له الصيام سهلا وهذه من المعتقدات المتوارثة لدى العائلات هنا منذ القدم تعبيرا عن فرحة الأباء والأهل بصيام ابنهم لأول مرة.
وهناك ما يعرف بـ»الذواقة» تقوم فيها ربات البيوت بتقديم شيء من الأكلات التي حضرنها وإلى الجيران لتذوق كل واحدة منهن من طعام الأخرى وهي عادة قديمة مازالت إلى يومنا هذا للإبقاء على التواصل والمودة بين عائلات الحي الواحد،... بعد الإفطار وشرب القهوة وأكل مختلف الحلويات كقلب اللوز والزلابية والمقروط، تختلف وجهة كل واحد فهناك من تكون وجهته بيت الله المسجد لأداء صلاة التراويح وهناك من يفضل قضاء السهرات الرمضانية في الحدائق العمومية كـ»المريغة» والواحات النباتية والساحات المقابلة لجامعة الأغواط التي تعرف حركية كبيرة من طرف العائلات وحتى شباب وأهالي المنطقة في الليالي الرمضانية إلى وقت متأخر من الليل وهناك من يطيل الجلوس إلى غاية السحور، ومنهم من يذهب إلى زيارة الأهالي والأحباب، وتتناول معظم العائلات بالأغواط في السحور أكلة «السفة» وهي عبارة عن كسكس يضاف له الزبيب يسقى بالحليب والعسل.
مساجد ممتلئة وتسابق على فعل الخير
كما تمتلئ المساجد في الشهر الكريم بالمصلين بعد صلاة العشاء لحضور الدروس ومناجاة الله عز وجل وقيام الشهر الكريم خاصة في العشر الأواخر حيث يقدم لهم من طرف المحسنيين وأهل الخير موائد السفة المزينة بالزبيب والعسل وهناك من يقوم بترتيب الأفرشة وتحضير الماء البارد للمصلين أثناء تأدية صلاة التراويح لتوفير الجو الملائم لأداء العبادات.
وهناك بعض المناطق بالأغواط يقومون بتحضير الإفطار لعابري السبيل وهي مبادرة عرفت في السنوات الاخيرة إنتشارا كبيرا خاصة من طرف الشباب حيث تراهم في محطة المسافرين يقدمون وجبة الإفطار في علب جاهزة للمسافرين وكذا «قهوة علال» بمخرج مدينة الأغواط.
تعتبر النصفية من رمضان وليلة السابع والعشرون متميزة جدا لدى الأسر لأنها تخص بعادات تورثها سكان الأغواط منذ قرون طويلة، أين يتم ختان الأطفال في ليلة النصفية وفي ليلة السابع والعشرين يكرم حفظة القرأن الكريم تشجيعا لهم وتحفيزا للأخرين على حفظ كتاب الله، ومن العادات والتقاليد التي ظهرت مؤخرا هي ذهاب أهل الخطيب إلى بيت خطيبته لإعطاء المهيبة والتي تعتبر مبلغا ماليا متفق عليه من قبل الزوجين وهي عادة أيضا لكي يتعارف أهل الخطيبين على بعضهم البعض قبل الزواج وفي نهاية السهرة يحضر أهل الخطيبة السحور لهم ويتمثل في السفة المعدة بالسمن أو»الدهان الحر» المصنوع في المنطقة وكذا الزبيب والعسل والبقرير والقطايف وكل شيء حلو.
وعلى الرغم من التغيرات التي عرفها المجتمع إلا أنه ما زال محافظا ومتمسكا في عاداته وتقاليده التي ورثها منذ القدم ولعل أهم ما حرص عليه هو التسابق على فعل الخيرات وزيارة المرضى وذلك من قبل الجمعيات الخيرية التي ترى في رمضان الفرصة الذهبية لإسترجاع الموروث التاريخي القديم.