من السابق لأوانه إبداء أي موقف متسّرع ومتشّنج من توّجه السلطات العمومية الخاص بإصلاح المرسوم ٣١ / ٩٧ المتعلق بالتقاعد دون تحديد السن كل ما في الأمر أن الجهات المسؤولة أعربت عن نيتها في مراجعة هذا النص وفق مقتضيات المرحلة الراهنة، هذا لا يعني أبدا بأنه تم الفصل النهائي فيه، وإنما هناك لجنة مكلفة بهذا العمل.
إلى غاية يومنا هذا لم يتحدث أحد عن الإلغاء لهذا المكسب لفائدة العمال سواء بالنسبة للتقاعد المسبق أو النسبي وغيره من الصيغ المطروحة في هذا الشأن، والتي جاءت في سياق إستثنائي خلال مرحلة التسعينيات..
كانت عبارة عن آليات لوضع الجبهة الإجتماعية على السكة المطلوبة لتفادي أي انزلاقات تُذكر.. ومنظومة للتكفل بالعمال الذين تضرّروا من التحوّلات الإقتصادية حيث إستدعى الوضع إنشاء الصندوق الوطني للتأمين على البطالة.
نسجل هنا أن مسؤولي قطاع العمل والتشغيل والضمان الإجتماعي أشاروا بصراحة إلى وجود حالات أفرزها ذلك التشريع، منها مغادرة العمل في سن مبكرة والإحالة على التقاعد لأناس في عز عطائهم وفي ريعان الشباب لم يتجاوزوا عمر الأربعين.
هذا التشخيص الأوّلي هو الذي دفع بالوصاية إلى التفكير مليًا في هذا النص وفق مقاربة واقعية لا تذهب إلى المنطق القطعي القاضي بشطب هذا القرار بشكل نهائي دون البحث في خيارات أخرى بإمكانها تعزيز هذا الجانب في أبعاده التي لها صلة وثيقة بالمفهوم العام للعمل ويتفرّع عنه من إيجابيات في نهاية المسار المهني للأشخاص.
لذلك فإن ردود الفعل الأولية عقب اختتام أشغال الثلاثية الأخيرة كانت «حماسية» أكثر منها «عقلية» بحكم كثرة التعاليق الجانبية التي تبنى على أحكام مسبقة، وآراء عابرة لا تخدم المصلحة العامة للبلاد أبدا.
تدرك الحكومة جيدا خلفيات هذا الملف بعد قرابة عشريتين من صدوره، ونعني بذلك علمها بالقطاعات التي تستنزف العامل كالتربية، والصحة، والمحروقات، والصحافة وغيرها التي ستدرج في أنظمة خاصة في كيفية الذهاب الطوعي إلى التقاعد دون تحديد السن نظرا لتعرض العاملين فيها إلى أمراض مزمنة جراء كل ذلك الضغط اليومي.
هذه التبريرات ثابتة والأكثر من هذا علمية أي طبية، ستأخذ بعين الإعتبار لاحقا في تشريح ذلك النص، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالسن أو بتجنيب الصندوق الإفلاس والحفاظ على توازناته المالية الكبرى هذه مسائل تقنية بحتة، جوهر أي تغيير ينبغي أن يركز على العامل البشري وامتداد ما يعرف «بالأمل في الحياة» ليس مؤشرا على رفع سن التقاعد إلى ٦٥ سنة لدعم الإشتراكات.
وعليه فإن الشغل الشاغل للسلطات العمومية هو تمتين الجبهة الإجتماعية واستقرارها وسيكون دراسة أو بالأحرى إصلاح المرسوم المعني وفق هذا الإنشغال حتى لا يستغله البعض.