واقع البيئة بين التحدّيات المطروحة وتدابير الجهات المعنية
النّظافة أساس الصّحة السّليمة للفرد؛ لأنّ البيئة التي يعيش بها ستؤثّر عليه نفسيّاً، اجتماعيّاّ وجسديّا. للوقوف عند تقييم واقع البيئة بولاية قالمة وحجم الأخطار المحدقة على الفرد والمحيط كان لـ «الشعب» حوار مع الدكتورة بوسراج زهرة، مختصة في المجال البيئي، بولاية قالمة والتي خصّت بالذكر مختلف الجوانب المؤثرة على التلوث البيئي. تطرّقت للمجهودات المبذولة من أجل تحسين نظافة المحيط بتشجيع الوعي والمبادرات الفردية والجماعية، من خلال ما وفره الدستور الجزائري سنة 2016 كأول خطوة وإشارة صريحة للاهتمام بنظافة المحيط وبيئة سليمة.
ما مدى خطورة تلوّث المياه على حياة الإنسان واستقرار الدول؟
على الرغم من أهمية المياه للحياة، إلا أنها مازالت تهدر و تلوث المجاري المائية في القرى والمدن، وقد أشار تقرير المياه العالمي الثالث الصادر عن الأمم المتحدة إلى حقائق وأرقام مفزعة، فهناك مليار ونصف المليار شخص ليس لديهم مصدر للمياه النقية، و3 مليار شخص في العالم ليس لديهم أي نظام للصرف الصحي، ويموت كل يوم نحو 35 ألف شخص نتيجة نقص المياه أو بسبب الاعتماد على المياه الملوّثة التي تتسبب في الكثير من الأمراض، مثل الكوليرا والتيفوييد وأمراض الكبد في الدول النامية، ويموت يوميا 6000 طفل بسبب تلك الأمراض.
إننا نعيش في زمن من التغيّرات والأنشطة البشرية التي وضعت ضغوطا متزايدة على الدوام على كل موارد العالم بما فيها الماء، وتؤدي عوامل مثل سوء إدارة المياه وقلة الموارد والتضخم السكاني خاصة في الدول النامية إلى جعل نقص المياه وتلوثها خطرا محدقا، حيث يتوّقع أن تكون المياه سببا رئيسيا للنزاعات الدولية في الفترة المقبلة، خاصة في الدول العربية التي تعرف موجة جفاف.
بهدف التركيز على أهمية الحفاظ على الموارد المائية كعنصر أساسي لتحقيق الأمن المائي على المستوى العربي والتكامل بين الخطط التنموية الوطنية والعربية لتوفير المياه، جعلت جامعة الدول العربية من الثالث من مارس « يوم المياه العربي»، مع العلم أن منظمة الأمم المتحدة تحتفل في 22 مارس من كل سنة باليوم العالمي للمياه.
^ ماذا عن قالمة والوضع البيئي؟
^^ تعتبر ولاية قالمة منطقة سياحية بامتياز وقبلة الكثير من السياح سواء من داخل الوطن أو خارجه لما تزخر به ممتلكات ثقافية مادية تاريخية منها و طبيعية أهمها المناطق الحموية، حيث تزخر بالمياه والشلالات المعدنية و التي تستخدم في علاج الكثير من الأمراض، أهمها حمام دباغ الذي يحتل المرتبة الثانية عالميا بعد أيسلندا من حيث درجة حرارة مياهه التي تبلغ 97 درجة مئوية والتي أدت إلى تشكل لوحة فنية طبيعية فريدة في العالم كله «الشلالة».
غير أن المتتبع لوضع الولاية يلاحظ تدهورا بيئيا من ناحية النظافة التي أثرت سلبا على جمال المنطقة بعد أن احتلت في زمن ما المرتبة الأولى وطنيا كأنظف ولاية، ولعلّ السبب راجع بالأساس إلى نقص الوعي من جانب سكان الولاية وكذا الوافدين إليها على حد سواء، وكذا نقص التهيئة في الولاية خاصة في المناطق السياحية «عدم تخصيص مناطق لتناول الطعام ونقص حاويات القمامة أو تلفها، إن وجدت».
لكن ما يلاحظ مؤخرا هو تحرك الفاعلين من المجتمع المدني من جمعيات بيئية ناشطة في المنطقة لنشر الوعي البيئي بأهمية الحفاظ على البيئة ونظافتها بدءا بالأطفال الصغار وكذا تنظيم حملات تنظيف للمنطقة.
ما هي أهم الحلول المستدامة التي يمكن اقتراحها لاسترجاع جمال المدينة ونظافتها؟
من أهم الحلول المستدامة لاسترجاع جمال المدينة ونظافتها هو التركيز على مبدأ «الوقاية خير من العلاج من خلال العمليات التوعوية و التحسيسية بأهمية النظافة وما ينجر عن التلوث من أوبئة ومخاطر وهو الدور الذي يمكن أن يقوم به الإعلام البيئي ودور العبادة «المساجد»، وكذا الجمعيات، التربوية والبيئية، بدءا بالأسرة، ثم مؤسسات التعليم بمختلف أطوارها ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، تفعيل المقاربة التشاركية لحماية البيئة المحلية على غرار إدراج كل الفواعل الرسمية وغير الرسمية، الحملات التطوعية كالتنظيف والتشجيروتنظيم مسابقات تشجيعية بين الأحياء «جائزة أنظف حي»، «جائزة أجمل شرفة».
ماذا عن دسترة الحق في بيئة سليمة في التعديل الدستوري الجديد 2016 ؟
يعد الحق في بيئة إنسانية أو بيئة سليمة ومتوازنة وصحية ونظيفة، من بين أهم المطالب والمقاصد التي يجب أن تقوم عليها عجلة التنمية في ظل التلوث البيئي الكبير الذي تعاني منه الكرة الأرضية، والذي نجم عنه مشاكل جمّة وأمراض مزمنة، وأدى إلى بروز ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، مما ينبئ بكوارث بيئية خطيرة تهدّد ليس اقتصاديات الدول فقط، بل وجود الإنسانية في حد ذاتها.
شكّلت السياسة العامة البيئية ومقتضيات حماية الموارد البيئية وصيانتها في الجزائر على غرار باقي الدول مركز اهتمام مختلف الحكومات المتعاقبة، بسبب إدراك صنّاع القرار ضرورة الاهتمام والاستجابة الفعلية والفعالة للقضايا البيئية، وعملت الجزائر بعد مؤتمر ستوكهولم حول البيئة والإنسان على إصدار التشريعات البيئية ومواءمة نصوصها القانونية مع الاتفاقيات الدولية المنظمة لحماية البيئة، وتم إنشاء المؤسسات الرسمية المعنية بهذا الموضوع.
فيما يخص الإطار القانوني لقطاع البيئة، فقد سلك المشرع الجزائري مسلك التعدد في التشريعات لحماية البيئة، وحسب دراسات إحصائية، فإن مجموع النصوص القانونية والتنظيمية البيئية في الجزائر، يفوق 400 نصًا، مما يظهر الاهتمام الكبير في رسم السياسة العامة للبيئة في شقها القانوني ولجميع عناصر البيئة (التربية البيئية، الجباية البيئية، الطاقات المتجددة، المخاطر الكبرى، البيئة الصناعية، البيئة الحضرية، الموارد المائية، التنوع البيولوجي والتراث الثقافي والأثري، حماية الساحل والبحر ومنطقة الشاطئ، التربة الأراضي والأنظمة الجبلية، الصيد الغابات والمساحات الخضراء)، إضافة للقوانين الخاصة بالمؤسسات والهيئات البيئية.
إضافة لذلك، صدر في سنة 1983 قانون شامل للعناصر البيئية هو قانون حماية البيئة رقم 83-03، غير أنه لم يطبق بفعل غياب الثقافة البيئية في المجتمع الجزائري وغياب الإرادة السياسية لتفعيله. وقد تم تعديله لتدارك نقائصه في 2003 بالقانون 03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة الذي حاول فيه المشرع أن يواكب المفاهيم الجديدة.
أما عن الإطار المؤسساتي لقطاع البيئة، فقد عرف تشكيلات متنوعة، مما جعله تابعا لعدة قطاعات ( الري، الغابات، الفلاحة، البحث العلمي، التربة و الثقافة)، قبل ظهور وزارة خاصة تتكفل به في سنة 2000 والتي عرفت هي الأخرى عدة تعديلات في التسمية لتستقر في 2007، تحت اسم «وزارة تهيئة الإقليم والبيئة والسياحة» إلى جانب الأدوار التي تقوم بها الهيئات اللامركزية في هذا المجال وكذا الآليات التي أنشئت خصيصا بغرض حماية البيئة.
رغم كل ما قد يوّفره التشريع العادي من حماية للبيئة، يبقى الدستور هو الوثيقة العليا في الأنظمة الداخلية لما له من قدسية وسمو على ما دونه من تشريع عادي في الدولة، وهو يتناول المبادئ العامة والفلسفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعتنقها مجتمع من المجتمعات ويفرض على جميع السلطات العامة احترامها وانتهاجها.
يتمحور الإشكال هنا، حول ما وفره الدستور الجزائري للبيئة؟
على عكس التشريع العادي، لم تهتم الدساتير الجزائرية المتعاقبة بقضايا البيئة، إذ لا نجد فيها أي إشارة صريحة أو ضمنية إلى «الحق في بيئة سليمة» على خلاف باقي دول العالم التي كانت أغلبها العربية منها و الغربية سباقة في مجال الاعتراف بهذا الحق. ثم جاء التعديل الدستوري الأخير الصادر في مارس 2016 ليعكس التوجه الجديد للدولة في هذا الميدان، حيث أفرد مادة كاملة ضمن الفصل الرابع المتعلق بالحقوق و الحريات، هي المادة 68 التي تنص: «للمواطن الحق في بيئة سليمة. تعمل الدولة على الحفاظ على البيئة ، ويحدد القانون واجبات الأشخاص الطبيعيين والمعنويين لحماية البيئة»، بهذا التوجه الجديد، يكون المشرع الجزائر قد حذا حذو أغلب دول العالم العربية، منها والأجنبية فيما يخص دسترة الحق في بيئة سليمة. هذا الحق لم تعرفه صراحة أي اتفاقية دولية من اتفاقيات حقوق الإنسان، في حين كفلته اتفاقيتين إقليميتين الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1981 الذي نصّ في مادته 24 «لكل الشعوب الحق في بيئة مرجعية وشاملة وملائمة لتنميتها، وكذلك البروتكول الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1988 الذي ينصّ لكل إنسان الحق في العيش في بيئة صحية، وفي الحصول على الخدمات العامة الأساسية».
يمكن تعريف الحق في بيئة سليمة على أنه «اختصاص الإنسان بموارد وسط بيئي خالٍ من التلوث والتلويث، للانتفاع بها وتحسينها، لنقلها إلى الأجيال المستقبلية في حالات ليست أسوأ عما كانت عليه وقد استلمتها».
إن هذا الاعتراف من جانب الدستور بهذا الحق له قيمة قانونية كبيرة سواء على المستوى الدولي أو الوطني. لكن لا يكفي أن ينشئ النص الدستوري حقا للإنسان في بيئة سليمة، حتى يكون الحق كقيمة قانونية، وإنما لا بد أن يصاحبه مجموعة من القواعد التي تكفل ضمان هذا الحق وهو ما أكدته الفقرة الثالثة من المادة 68 سالفة الذكر. وتتحقق الحماية البيئية هنا من خلال الحقوق البيئية الإجرائية المتمثلة في الحق في المعلومات البيئية، حق المشاركة في عملية صنع القرار، حق اللجوء إلى السلطات الإدارية و القضائية.
إلى جانب هذا، يجب على مؤسسات التعليمية القيام بدورها في هذا الشأن إلى جانب وجود هياكل حكومية لإدارة البيئة. هذا الأخير يشكل الإطار المؤسساتي لحماية البيئة ويكون من خلال الهيئات المركزية واللامركزية و دورها في هذا المجال.
في كلمة أخيرة، ما الذي يمكن قوله؟
في الختام يمكن القول أن التسليم بوجود حق للإنسان في بيئة سليمة يعني أن مجالا من المجالات الأساسية التي كانت تخضع للاختصاص المطلق للدولة، أصبحت مجالا لتدخل القانون الدولي بالتنظيم والحماية، الأمر الذي يرتب مسؤولية الدولة في حالة إحداث ضرر بالبيئة أو الأفراد أو الدول الأخرى وبيئتها». وسيكون هذا الحاجز أمام الإرهاب التنموي الذي تسعى الدول من خلاله إلى تحقيق أكبر قدر من التنمية الاقتصادية على حساب البيئة. وإن هذا الحق سيتيح للأفراد والجماعات المتضررين من جراء الاعتداد على البيئة، حق اللجوء إلى القضاء الوطني للمطالبة بالتعويض عما لحقكم من أضرار، وكذا اللجوء إلى الهيئات الدولية والإقليمية المهتمة بشؤون البيئة وحقوق الإنسان للدفاع عن هذا الحق.