تستعد العائلات الأوراسية على غرار كل العائلات الجزائرية لإستقبال الشهر الفضيل، كل بطريقتها الخاصة، غير أنها تتفق جميعا على أهمية التحضيرات المسبقة لاستقبال الضيف العزيز الذي يزورها مرة في السنة، ليكون فرصة للعبادة والتضامن وتبادل الزيارات وعودة أواصر صلة الرحم وغيرها من العادات الاجتماعية والتقاليد التي تتميز بها الجزائر.
يكفي أن تمر صدفة أو تتجول في شوارع وأسواق ولاية باتنة، خلال الأيام الأخيرة من الشهر المنصرم لتلاحظ الحركة غير العادية للسيدات من مختلف الأعمار يحملن فقفا مليئة بمختلف الأكياس، حتى أصبح المرور ببعض الأحياء التي بها محلات تجارية متخصصة في بيع الأواني والتوابل، أمرا مستحيلا، خاصة بالنسبة للرجال، بسبب الإقبال الكبير للنساء على اقتناء مختلف المواد الاستهلاكية، لتحضير مائدة رمضان بولايات الاوراس المعروفة وطنيا بغناها في شهر رمضان بأشهر وأشهى الأطباق.
تنظيف المنازل وطلائها ظاهرة تغزو عادات الأوراسيين
كشفت الجولة الاستطلاعية التي قادت «الشعب» إلى بعض أسواق باتنة الشعبية منها، للوقوف على تحضيرات الاوراسيين للشهر الفضيل عن تفضيلهم التحضير لشهر رمضان خلال النصف الثاني من شهر شعبان، لتتفرغ السيدات حسب بعض الشهادات التي استقيناها في رمضان الكريم لتحضير مختلف الأطباق التي لا تشاهدها على موائد سكان باتنة سوى في رمضان المعظم.
أكدت، أمس، مجموعة من السيدات بولاية باتنة لجريدة «الشعب»، أن التحضير لرمضان يبدأ بـ»خطة» محكمة و»تقشف» نسبي في الأشهر التي تسبق رمضان من خلال ادخار بعض المبالغ المالية لاستغلالها في رمضان حسب السيدة «نعيمة» التي كان الحديث معها مشوقا بسوق «الرحبة» بوسط مدينة باتنة مشوقا، خاصة بعد أن كشفنا عن هويتنا، حيث خاضت معنا في كل التحضيرات التي تسبق الشهر الفضيل بداية من «إقناع زوجها بصعوبة كبيرة»، في إعادة طلاء المنزل ليبدو جديدا، خاصة وأن منزلها يتحول إلى قبلة مفضلة لعائلتها وعائلة زوجها، حيث شرعت في تنظيف المنزل وكل محتوياته، لتقاطعها سيدة أخرى أكدت أنها عاملة بقطاع التعليم العالي بجامعة باتنة أن التحضير لشهر رمضان يكون بالنسبة لها في تجديد بعض أثاث المنزل من أفرشه مميزة خضراء، وتحدث ممازحة بأنها ستستغلها في عيد الفطر المبارك الذي سيتزامن هذا العام مع عيد استقلال الجزائر وإعلان نتائج شهادة البكالوريا.
وتعتبر عادة تنظيف المنازل وإفتاء بعض الأثاث الجديد ظاهرة جديدة غزت عادات الجزائريين، حيث أشارت الحاجة خوخة إلى أن تنظيف المنازل وطلائها هواية مفضلة لديها رغم رفض زوجات أبنائها لها، بحجة أنها تكبدهم مصاريف إضافية هم في غنى عنها.
سحر أواني الفخار لا يقاوم
تواصل السيدة نعيمة حديثها عن تحضيرات الشهر الفضيل وهي منهمكة في اقتناء التوابل، بأن العائلات الجزائرية وجدت نفسها في سباق حقيقي مع الزمن لاستكمال التحضيرات الخاصة باستقبال شهر رمضان، خاصة ما تعلّق بظاهرة جديدة طفت على السطح في السنوات الأخيرة و»غزت» عقول سيدات الأوراس، والمتمثلة في تغيير أغلب أواني المنزل خاصة تلك التي من المحتمل استعمالها لتزين مائدة رمضان، ونصحتنا المتحدثة بالتوجه إلى سوق 84 الشعبي بقلب باتنة، للوقف على حقيقة ما تقولن وهو ما كان حيث فوجئنا بمشاهد لعشرات النساء اللائي أثقلت الأواني كاهلهن بل ودخلنا في مشادات كلامية حادة لآجل استلام طلبياتهن وكلهن تتحجّج بأنها أول من دفعت القسط الأول من تلك المجموعة المتكاملة من صحون «الفلو» وكؤوس التاي والعصير.
وهنا أشارت سيدة أخرى أن أغلب محلات بيع الإكسسوارات المنزلية تتحول إلى محلات متخصصة في بيع الأواني الفخارية التي «تجتاح» موائد الباتنية كل رمضان، خاصة الصحون لما تضيفه من نكهة مميزة على طبق الشربة بالفريك وهي الطبق الرئيسي لكل سكان باتنة خلال الـ30 يوما من الشهر الفضيل كما تؤكد الآنسة «زهرة» التي تنفق ـ حسبها ـ من منحتها الجامعية لشراء الأواني الفخارية رغم أسعارها الملتهبة هذه الأيام، حيث يزيد سعر صحن من الفخار متوسط الحجم عن 500 دج، وإن كان صنع تلك الأواني من الفخار سببا مقنعا للتهافت عليها، فلا ترى السيدة «زرفة» مبررا لشراء أواني جديدة وإن كانت الموجودة في البيت أصلا جديدة، ولكنها مجبرة للرضوخ لضغط بناتها اللائي يتبادلن الأطباق مع الجارات ولابد من أواني جديدة للتميز....تعرف البنات تضيف محدثتنا.
ولفت انتباهنا خلال جولتنا عودة الأسواق الفوضوية للظهور والنشاط بكثرة قبيل أيام من حلول شهر رمضان، رغم تعليمات البلدية وخرجاتها الميدانية رفقة القوة العمومية لوضع حدّ لاحتلال التجار للأرصفة فأغلبية النقاط التجارية السوداء التي حاربتها مديرية التجارة بالتنسيق مع مصالح الأمن وبلدية باتنة عادت من جديد رغم الحملات المتكرّرة التي تشنها فرق وأعوان المراقبة التابعة لمديرية التجارة.
الفريك ولحرور تُزيّن الأسواق الشعبية بباتنة
يدخل اقتناء التوابل ضمن أهم نقاط برنامج التحضير لرمضان بباتنة، حيث تتسابق السيدات في اقتناء أجود أنواع التوابل، حيث أكد لنا أحد التجار أن التحضير لمثل هذه الأيام استغرق منه وقتا طويلا من جمع أجود وأجدد أنواع التوابل التي أحضرها من مدينة معنية بولاية تلمسان كالفلفل الأحمر والأسود والكسبر، حبة لحلاوة، القرفة، الكمون وزريعة البسباس....وغيرها من التوابل التي تحرص أغلب النسوة التي تصادف تواجدنا معهن على أن تكون جديدة، حيث ترفض اغلبهن شراء التوابل الموجودة في الأكياس بحجة قدمها، وانتهاء مدة صلاحيتها بل وذهبت إحدى السيدات بعيدا في عد مخاطر تلك التوابل على صحة الإنسان فما بالك الصائم.
وتؤكد في هذا الشأن إحدى السيدات لجريدة «الشعب»، أنها تقوم قبل شهر من قدوم رمضان الفضيل بشراء الكسبر الطبيعي وتنظيفه في المنزل ثم القيام بطحنه لدى بائع التوابل ثم إعادة غربلته وإعادة طحنه مرة أخرى، حيث ترفض بشدة شراء الكسبر المطحون مباشرة لأنه ـ حسبها ـ مليء بالحجارة وبعض الأغصان وعديد الأمور التي تفسد نكهته الطبيعية، ونفس الشأن بالنسبة للفريك وهو «سيد»طبق الشربة فلابد حسب ذات المتحدثة أن يتم شراء القمح بداية ثم تكرر نفس عملية تحضير الكسبر، فلم نعد نثق هذه الأيام في كل ما يباع، فلو كان طبق الشوربة في الأيام العادية فلا أحد من أفراد العائلة سيحتج ولكن في شهر رمضان الكريم لا أقبل أن يتناول أحد أفراد عائلتي شوربة غير التي تعودوا عليها منذ سنين خلت.
وغير بعيد عن محلات التوابل انتقلنا إلى الجهة الأخرى من الشارع بعد أن فاجئنا «صراخ» إحدى السيدات في الهاتف النقال وهي تطالب زوجها بالتريث في عدم شراء كيسي الدقيق واشترطت حضورها الشخصي لذلك، قبل أن تحذره من تحمل العواقب في شراء دقيق لا يصلح لتحضير «المطلوع» آو «كسرة الخميرة» آو «خبزالدار»، لتقطع المكالمة مباشرة وتتوجه بالحديث لإحدى مرافقاتها بأنها لن تتحمل هذا العام تبعات تسرع زوجها في شراء دقيق لا يصلح حسبها لكسرة الخميرة التي تعتبر ضرورية لتناول الشربة ولا يمكن الاستغناء عنها.
والرجال يكتسحون أسواق العطور الروحانية
الحركة الدؤوبة التي تشهدها أسواق باتنة لم تكن حكرا على النساء فقط، بل وجدنا «اكتساحا» آخر للرجال لبعض الأسواق المهتمة ببيع أعمدة العطور الروحانية كالعنبر مثلا، وهنا أكد لنا احد الملتحين أن منزله يتحول خلال شهر رمضان إلى روضة عطرة بفضل عطر العنبر الذي يغزو كل غرف المنزل بعد الإفطار مباشرة، وعن سبب هذا الإصرار في تحويل المنزل إلى «حديقة للعنبر» أكد لنا محدثنا أن ذلك يضفي نوعا مميزا من الأجواء الروحانية التي لا تضاهيها أجواء أخرى في رمضان.
وأضاف شخص آخر شاركنا الحديث أن الرجال بحكم ترددهم الكبير على المساجد في رمضان خاصة لتأدية صلاة التراويح يحتاجون الى أقمصة شرعية، وفضفاضة ليتمكنوا من تأدية شعائرهم الدينية في أريحية الأمر الذي يحتم عليهم اقتناء اخرى جديدة وخفيفة تقاوم الحرارة الشديدة وتليق بحرمة الشهر وقدسيته.
وبعيدا عن التحضيرات المادية لاستقبال سيد أشهر السنة وهو شهر رمضان الكريم الذي تغلق فيه أبواب النار وتفتح أبواب الجنة، هناك الكثير من العائلات الأوراسية التي تتفرغ للتحضيرات الروحية والمعنية كالاستعداد لصيام رمضان إيمانا واحتسابا، والمشاركة في حملات تنظيف المساجد، إلى جانب التطوع في مطاعم الرحمة، إضافة إلى الحرص على حضور كل حلقات الذكر والدروس القرآنية التي تسبق صلاة التروائح، التي يتنافس رجال ونساء باتنة على أدائها بالحرص على التواجد وراء غمام حافظ وجيد الصوت والتلاوة.