طباعة هذه الصفحة

في صالون «العروس» ...

« حايك المرمة»، «البرنوس» و»الحناء»

استطلاع: لينة ياسمين

جواز سفر أعراس البليديين

انتظمت سيدات احترفن صناعة الفرحة وإدخال السرور على قلوب الناس، إلى صالون «العروس»، هو الأول الذي شهدته البليدة وتشهده على مدار أسبوع تقريبا، تخندقن في زوايا خيمة عملاقة بيضاء بمدخل المدينة، ورتبن محلاتهن بأشكال من الحلوى التقليدية والعصرية، وأنواع من اللباس الفاخر المطرز يدويا والمصنع في ماكينات حديثة، فيما اهتدى واهتدت منظمو ومنظمات إلى أن يأتوا بصبايا جميلات، ويلبسهم فساتين الفرح البيضاء، في تصميم رفيع لإسقاط شخصية العروس، وهي تتربع على عرشها أمام جمهور شدته تلك المشاهد، التي في الغالب يراها في أفلام السينما، ليقبلن عليهن وهم وهن يمتعون أنظارهم بعرائس الحسن متجملات في أبهى صورة تحفظها ذاكرة إنسان، «الشعب» استطلعت أجواء صالون «العروس» وعادت تسرد مشاهده الممتعة، وقصصا عن الأفراح وكأنها حكايا ألف ليلة وليلة لا تنتهي.


الصورة الأولى ...
أشجار الليمون واللوز والجوز ...

تقول زهور سيدة مطبخ من بوفاريك، أن البيوت البليدية اشتهرت عبر الزمان والمكان، بغرس في كل ساحة فناء بيت شجرة ليمون أو لوز أو جوز، تعبق في زواياه بمزهريات لحبق محمود والورد المسكي والفل والنسري والياسمين الابيض والاصفر الناصع، وكلما حل الصيف تكون سيدات المطبخ قد جمعت مؤونة الشتاء وخبأت تحسبا للأيام، ما جنت من أشجار اللوز والجوز وحتى الليمون، وفي الجوار جمع الرجال والأزواج جبنا وزبدة وسمنا صنعوه من حليب الماشية والأبقار التي رعوها، لان المكان فسيح والكلأ متوفر، والماء يجري في السواقي بين تلك الديار، يطرب السامع بلحن موسيقي تهدأ النفس لسامعه، وتروى لمشربه، وفي صور سحرية ممتعة عتيقة وغابرة وكأنها مشاهد من التاريخ الجميل، تجتمع النسوة من الجيران والأقارب، وتهيئن انفسهن لصناعة الحلوى، حلوة المطعم وشهية المنظر، لان ابنتهم»فلانة» ابنة «علان»، الصبية العاتق ستزف هذا الصيف، وتبدأ النساء في صناعة الحلوى، ويأتين بمؤونة الشتاء من لوز وجوز، ويشكلن بأياديهن الناعمة  قوالب جميلة من الحلوى القديمة والمبدعة، وهن مرة يحكين عن عرس فلانة، أو قماش جديد نزل في السوق، أي بالمختصر المفيد حديث نسوة، ثم يطلقن العنان لحناجرهن الانثوية، وهن يغنين طربا وفرحابـ «العروس»، أشعارا فيه من الحزن والوصايا المربية، مثل «حني حني يالعزيزة يا مصباح البيت، ياما خدمت على لوميمة وما قولتيش عييت»، حني يا رجلين لحمامة، وأخرجي لبنات عمك وبقيهم بالسلامة، ... وقولي يا لعزيزة وين رايكي رايحة، رايحة لسيد الرجال بـ قنانيرهم (جمع مفرده قنور غطاء يضعه الرجال) مايحة (أي ذات هبة ورهبة رجولية)، وأيديهن لا تتوقف عن العجن والتوليف.
الصورة الثانية ... من «حني حني يالعزيزة « إلى الهز والدز ... وتواصل «زهور» وهي مرة تطل على زبونة تسأل عن الحلوى التي استعرضتها في الصالون، ومرة تسأل أخرى عن مكوناته، وتقول أن الأعراس اليوم باتت شكلا ماديا منفرا، لا يترك ذكرى طيبة ولا حسا أو شعورا بالمتعة أو الامتاع، لا تجتمع العائلة إلا على «الزوخ والتباهي» فيما بينهن بالملبس والمساحيق، وقد أمضين وقتا في التجمل وأنفقت مصروفا يكلف ميزانية شهر وأكثر، وهن يتجولن بين صالونات التجميل، حتى باتت «العروس» عادية في نظرهن، لأنهن تحولن كلهن إلى عرائس، يغيرن بين الحين والآخر الملبس، ويقفزن عاليا يلوحن بأيديهن ورؤوسهن، وكأنهن أصبن بمادة مهلوسة مخدرة، يرقصن ويتراقصن على أوتار أغاني هابطة وأحيانا غير محترمة ومهذبة، ترسلها في فضاء القاعة فتاة عاملة على «الديسك جوكي»،  تفرق ولا تجمع ولا تبعث مسرة في القلوب، في مكان واسع ومرتفع السقف، يعرف بقاعة الحفلات، وقد التزمن بتعليمات صارمة لصاحبة العرس وقاعة الحفلات المؤجرة، لا أطفال يرافقنهن، وعليهن الحضور بين الساعة الثانية ويغادرن عند الخامسة عصرا، وأي تأخر عن المغادرة ترتفع الفاتورة، وتجبر المدعوات الخروج بالقوة، وتتوقف لحظات لتشرح لزبونة زارتها تسأل عن حلوى معروضة.
الصورة الثالثة...
خنساء من العصر الحديث ونفسية من الزمن القديم ...
رغم أن سنها لم يتعد الـ 25 ربعا، إلا أن الشابة الصغيرة المسماة «خنساء»، فكرها ناضج وعقلها كبير وكأنها عجوز في ثوب صبية مليحة الوجه والمظهر، تخطف الضوء من «زهور» وتعترف بدورها لـ «الشعب»، أن بعض العائلات البليدية لا تزال تتمسك بعادات الجدات، وتجهزن ضروريات العرس بأنفسهن، وتقول بأن الطعام كان يحضر يدويا، تجتمع النسوة من جارات وأقارب، ويشكل حلقات ودوائر، ويصنعن ما يكفي للعرس، لانهن يفضلن «الكسكسي» على الاطباق العصرية وما هو رائج اليوم، ولسانهن لا يتوقف عن الغناء
«بسم بسم الله يبدا البادي، والله يا ابليس ما تحضرش بيناتهم»، وعلى عكس صاحبة قاعة الحفلات، ولمن تيسر لها بيت واسع، توزع الحلوى على الصغار ومشروب «الشاربات» الخفيف خلال فترة القهوة عصرا، في مائدة تخصص على شرفهم، وتحرص النسوة على تقديم أيضا الطعام لهم ويكون خفيفا، خاليا من الدسم والزيوت والتوابل التي تضر بأجسادهم الضعيفة والفلفل الحاد، حتى تفرغن من التحضير وترتيب آخر لمسات الزفاف المبارك .
الصورة الرابعة...
«القاط وسروال الشلقة» فيزا سفر العروس ...
ويأتي فصل مهم من حياة العروس والعرس، وتضيف السيدة وهيبة في هذا الشأن، أن العائلات المتأصلة والمرتبطة بعادات موروث الجدات والزمن الجميل، تحرص على خياطة لباس العروس بأيديهن، وتختار في عادة متوارثة، أن يكون لباس العروس واحدا مختصرا في « الكراكو أو القاط « وهو لباس معروف بالمنطقة لباس المجبود أو الفتلة، يزاوج معه سروال يطلق عليه بمنطقة الوسط الجزائري
«سروال الشلقة»، تلبسه العروس تحت «حايك المرمة « وتستتر وجهها بنقاب يعرف بـ «لعجار»، ثم يأتي والد العروس ويضع على كتفي ابنته «برنوسه» الابيض «ويرافقها إلى باب الدار وهو يجنحها بذراعه ولا يتركها، وهنا يأتي مشهد تمثله شقيقة العريس، حينما تقترب من مدخل دار العروس، وتطلق العنان للسانها وتقول في شعر عذب ولكنه سليط، يكون في شكل ميثاق جديد ونصائح تلتزم بها في بيت زوجها، ومطلعها  «الله الله يا يمات لعروسة، احكمي بنتك وأنهيها، تتالله في لعجوزة واللوسة تربيها»، وفي ذلك الوقت يستلم والد العريس عروس ابنته بعد أن شيعها والدها عند الباب، وتختفي بدورها تحت جناح برنوس والد العريس، ووالدة العروس تودع ابنتها بأشعار حزينة وتغني وتقول «روحي يا بنتي والسعد ما نضمن لك، ربي يجيب لك سعد خير منك» ودمعات تتساقط من حبيبتيها ساخنة مالحة، تكون أغلى دموع وداع تذرفها الام على ابنتها العروس وهي تختفي بعيدا عنها.
الصورة الخامسة ... اللقاء المنتظر ...
وتسير العروس في موكب فرح يزهو كل من يعترضه ويمر بجواره، وتصل العروس إلى بيت زوجها العريس، وتستقبلها والدته عند الباب وفي يدها كأس لبن أو حليب وحبات تمر، فتأكل من حلو التمر وتشرب من أبيض الحليب واللبن، في تقليد يدل على الصفاء والطيبة، وبداية حياة سعيدة، وتحوم من حولها صبايا وسيدات حسان متجملات، يتفرسن في حسنها وجمالها وأطفال مشدوهون ومندهشون، حتى أنهم تسمروا حولها وعيونهم تتفحص كل شبر منها، وهم في صمت لا يجرؤون على الحكي أو الكلام، وترش العروس بماء الورد المحضر في البيوت البلدية، وترقص من حولها أقارب العريس وكأنهن فراشات يحمن حول زهرة جميلة، ليسدل الستار على الحفل وعلى صالون «العروس « وعاد المنظمون إلى بيوتهم ليرتاحوا من تعب العرض والمعرض.
النهاية ...
اتفقت الصبايا اللائي التقت بهن «الشعب» على حقيقة واحدة، أن الاعراس أيام زمان والقليل النادر المتبقي، كانت أحلى وأمتع وأجمل، وذكراها تبقى وتدوم على اللسان وقلب كل من حضر حفل الزفاف، لكن اليوم قاعات الحفلات وتعليمات صاحبة القاعة، والأكلات العصرية، والحلوى الملونة والمشكلة في قوالب تخطف العيون، وتنفر منها الاذواق، والديسك جوكي، ولباس النساء  المدعوات الفاخر والمزركش والملون، وتسريحاتهن العجيبات والفاتنات، وهن يضعن المساحيق، هي كلها صور خطفت من سيدة الحفل «العروس» البطولة فيها، وحولتها إلى مجرد ممثلة مثل بقية.
النساء الممثلات لدور المدعوات، وتختم السيدة فهيمة  المشهد الأخير، وتقول أن بنة وطعم الأعراس اليوم باتت مثل الصورة الجميلة، تمتع الأنظار لكن لا يتذوقها لا القلب ولا اللسان، هي مجرد أشكال وتمثيل أقرب للخيال منه إلى واقع جميل يظل ذكره على مر الزمان والأيام، وكأنه رائعة من قصص الفاتنة شهر زاد، وهي تمتع ملكها الجميل «شهريار» بحكايا أسطورية عذبة، تبعد عنه النعاس وتتركه يسرح في خيالا يتمنى أن لا ينتهي.