التسريبـــات تضرب من جديـد مصداقية الشهادة والوزارة تحقق
العودة إلى الغش التقليدي بعد تضييقه بالتكنولوجيات الحديثة
عرف اليوم الثالث من امتحان شهادة البكالوريا، تسريب مواضيع بعض المواد لكل الشعب قبيل ساعات من انطلاق الامتحان، بعد أن مرّ اليومان الأوليان بردا وسلاما بفضل الإجراءات الاستباقية، بالتنسيق مع وزارة الاتصال وتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومصالح الشرطة والدرك الوطنيين، لتأمين هذه الشهادة وإضفاء الشرعية عليها. كما عرفت إقصاء بعض الممتحنين بسبب تأخرهم دقائق، نظرا للتطبيق الصارم للتوقيت المحدد، ما خلّف حالات انهيارات عصبية وسطهم وتضييع الفرصة عليهم في نيل تأشيرة الجامعة.
التسريبات تضرب من جديد وتطعن في الصميم في مدى قدرة قطاع التربية تأمين مصداقية المسابقات الرسمية، كما تطرح الكثير من التساؤلات حول من يقف وراءها والغاية منها ومن هو المستفيد منها؟؛ تساؤلات لم تجد لحد الساعة تفسيرا، بالرغم من التحضيرات والإجراءات الاحترازية المسبقة وتكاتف جهود ثلاثة قطاعات لتأمينها؟-
التسريبات وصفها المتتبعون والمعنيون من أولياء وتلاميذ بـ «المهزلة» و»الكارثة»، لأنها ضربت قيمة الشهادة في مقتل وكذا مضمون المثل القائل من «جد وجد»، خاصة وأنها تزامنت مع المواد الأساسية لبعض الشعب وزرعت اليأس لدى النجباء،. كونها ألغت روح التنافس. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أضحت إحدى المواد الدسمة للتهكم والسخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في تحدّ صارخ للوزارة الوصية والمسؤول الأول عن القطاع.
الغريب، أنه لم يتم غلق الصفحة المسؤولة عن التسريب بالفايسبوك المعنونة بالفرنسية «باك 2016 إنشاء الله» والتي تمادت لتَعِدَ بنشر مواضيع مادة الفيزياء، بعد أن قامت بنشر موضوع امتحان الفرنسية والفلسفة لشعبة علوم تجريبية ورياضيات، ومادتي التاريخ والجغرافيا، ما جعل بعض التلاميذ يعلّقون ساخرين «بكالوريا بطعم الوظيفة المنزلية».
وقد سارع صاحب الصفحة إلى تبرير التسريب بتعليق قال فيه: «المواضيع ماشي أنا لي سرّبتها، أنا لقيت مواضيع مقترحة في المجموعات جيت حطيتهم وبالصدفة جاو هوما - واحد مايجي يقولي الله لا تربّحك لأني رايح نربحلو العيب - أريد إدخال البسمة لأولياء التلاميذ».
بين مؤيد ومعارض... ضاعت الشهادة
ونشر تعليق آخر، يسخر من مراقبة الصفحة ويدعو التلاميذ إلى عدم نسيانه في حال القبض عليه وسجنه وزيارته وجلب «القفة» له، خاصة وأنه لن ينساهم وذلك بنشر موضوع الفيزياء.
من جهة أخرى، يبدو أن الحراس والملاحظين وقفوا عاجزين أمام حالات الغش، بالرغم من تشديد الإجراءات الرقابية، من خلال وضع أجهزة التشويش على تقنية الجيل الثالث ونزع الهواتف النقالة عند البوابة. كل ذلك لم يمنع من الغش بهذه الوسائل التي يتقنها الشباب أكثر من غيرهم، على غرار استعمال جهاز بلوتوث صغير جدا، ما يطرح التساؤل أيضا حول قدرة الجهات المختصة على التحكم بتقنيات الاتصال الجديدة في حال استعمالها في غير محلها.
في المقابل، سجلت دورة 2016 العودة إلى وسائل الغش التقليدية من خلال الكتابة في اليد واللجوء إلى القصاصات الورقية أو ما يعرف بـ «الحروز». وأغرب اختراع تم التوصل إليه، الغش عبر الكتابة داخل الحذاء، ووصل الأمر إلى حد التباهي بذلك، ما جعلها هي الأخرى مادة للتنكيت واختلاق روايات قد لا يكون لها أي أساس من الصحة.
أمام هذا الوضع، أعلنت وزارة التربية الوطنية عن فتح تحقيق حول ما تداولته بعض الأطراف بشأن تسريب مواضيع امتحان شهادة البكالوريا على شبكة التواصل الاجتماعي لكشف المتسببين في ذلك ومتابعتهم، مطمئنة كافة المترشحين والرأي العام بأن هذه الامتحانات تجري في ظروف عادية وأنه في حال ظهور أي مؤشر يمس بمصداقية هذا الامتحان، فإن الجهة الوصية، بالتنسيق مع الهيئات المختصة التابعة للدولة، ستقوم بالتحقيقات اللازمة لكشف المتسبّبين ومتابعتهم.
وأكدت الوزارة الوصية، التزامها بضمان حق كل المترشحين في تكافؤ فرص النجاح لهم، متمنية التوفيق لهم في باقي المواد الجاري الامتحان فيها، مشيرة إلى أنه سيتم إخطار الرأي العام، اليوم، مع انتهاء الامتحان، بتقييم أولي لبكالوريا هذه السنة من طرف الوزارة والشركاء الاجتماعيين.