معالم دينية وسياحية تسحــر الـزوار
مشاريع استثمارية لتعزيز المقصد السياحي
اختار رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، عروس الزيبان بسكرة لإعطاء الصورة الحقيقية والجميلة للسياحة الصحراوية في الجزائر وإبراز ما تزخر به من مقومات هائلة من خلال الزيارة التي نظمها لوفد ضم سفراء دول عربية وأجنبية في الجزائر، مديرو مؤسسات إعلامية، رجال أعمال ومسؤولين،سعيا منه للترويج والتسويق لأجمل المعالم التاريخية والأثرية العريقة التي تتوفر عليها بوابة الصحراء، بداية من جامع سيدي عقبة مرورا بموقع تهودة الأثري إلى حديقة لوندون.»الشعب» كانت ضمن هذا الوفد وتوقفت عند هذه الوجهة السياحية في هذا الاستطلاع.
كانت رحلتنا من مطار هواري بومدين على الساعة الـ 09:00 صباحا قبل انطلاق الطائرة التابعة لشركة الطيران «طاسيلي ايرلاين»نحو بسكرة وتجمع الوفد الذي يضم حوالي 70 مشاركا من سفراء دول أجنبية في الجزائر ومدراء مؤسسات إعلامية ورجال أعمال أغلبهم لم يسبق لهم أن زاروا «عروس الزيبان» من قبل وإنما سمعوا بأنها همزة وصل بين الشمال والجنوب ومعبر سياحي جد هام جعلهم يتشوقون للوصول إلى هذه المدينة والتجول عبر شوارعها واكتشاف ثقافتها المتنوعة والتقرب من أهم المعالم الأثرية والتاريخية التي تزخر بها.
بمجرد وصولنا إلى مطار بسكرة على الساعة 11:00 صباحا حظي الوفد القادم من الجزائر العاصمة باستقبال حار من قبل السلطات الولائية التي سخرت كل الإمكانيات لإنجاح الزيارة السياحية، وصنعت الفرقة الموسيقية التقليدية التي أدت مقاطع موسيقية صحراوية أجواءً رائعة داخل المطار، حتى يتمكن الزوار الأجانب من اكتشاف موسيقى منطقة الصحراء الجزائرية التي تختلف عن الطبوع العالمية وهو ما لمسناه على وجوه الزوار الأجانب الذين تجاوبوا مع الإيقاعات منبهرين بالوسائل التقليدية التي يتم استعمالها لحد الآن منها المزمار الجلدي «المزود».
سيدي عقبة .......فضاء روحاني
بعد خروجنا من المطار اتجهنا مباشرة إلى جامع سيدي عقبة الذي يوجد فيه ضريح الصحابي عقبة ابن نافع، حيث لا يمكن التعبير عن حقيقة ما يشعر به الزوار وهم يتواجدون داخل هذا الفضاء الروحاني إلا في حالة التقرب منه والصلاة والدعاء وتلاوة القران والترحم على أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن نافع الذي لقي حتفه في معركة ضد كسيلة وجيوشه الذين كانوا ينتظرونه على مقربة من تهودة.
عبر الزوار الأجانب عن انبهارهم بالهندسة البسيطة التي يتميز بها جامع سيدي عقبة الذي لم تستخدم في بنائه أية مادة ثمينة إلا انه يحمل سحرا خاصا وطابعا فريدا من نوعه، حيث يتميز المحراب بعقد مزين بزخارف جصية ذات عناصر هندسية بسيطة وبتخطيط غير منتظم تعلوه قبة نصفية مشعة ومئذنة من أجمل المظاهر العمرانية الدينية، وهو ما جعل للمكان هيبة ووقارا كونه روح إبداعية عالية تسكن كل زاوية وركن، حيث لا يمكن لأي سائح في زيارة إلى بسكرة ألا يعرج عليه.
وفي ذات السياق أكد لنا المرشدون السياحيون أن مسجد سيدي عقبة يعد من أشرف المزارات في بقاع الأرض حيث يتواجد به قبور لحوالي 300 صحابي وعدد من الشهداء والتابعين حيث شيد مسجد سيدي عقبة حول ضريح الصحابي عقبة ابن نافع في الفترة الفاصلة من القضاء على الكاهنة سنة 701م، وتأسيس دولة الأغالبة سنة 800م موضحين أنه في السنوات الأخيرة، قامت السلطات الولائية بأعمال تجديد ودمج الجامع في مجمع ضخم للعبادة لإضفاء شيء من الرونق على المقام وجعله يحمل بعضا من ملامح المسجد العتيق.
تهودة .... ماضي تاريخي زاخر بالأحداث
انتقلنا بعد زيارتنا من مسجد سيدي عقبة إلى الموقع السياحي «تهودة» الذي يقع شمال بلدية سيدي عقبة ويبعد عن مقر ولاية بسكرة بـ 25 كلم،زوهي المدينة الشاسعة التي تحتل موقعا استراتيجيا في سهل جنوب جبال الأوراس، سحرها وجمالها مصدرهما البنايات المصنوعة من الحجر الجميل وتأسيسها قديم جدا ضاربا في جذور التاريخ، يرجح أنه يعود إلى ما قبل القرن الأول الميلادي، إلا انه لحد الآن لم يتوصل أي باحث أو مؤرخ من اكتشاف التاريخ الحقيقي لنشأة المدينة بالتدقيق.
من جهتها أكدت رئيسة مصلحة التراث الثقافي حبة ربيعة أن بلدة «تهودة» تعد من أهم حواضر الزيبان وتاريخها أقدم من سيدي عقبة، فهي ذات أصل أمازيغي مضيفة أنها في العهد الروماني شكلت إحدى أهم البلديات الرومانية ذات الأهمية البالغة خصوصا في غضون القرن الثالث الميلادي إلا أنها بحلول القرن الرابع والخامس الميلاديين عرفت الديانة المسيحية انتشارا واسعا، بحيث ضمت أسقفية كاثوليكية وأخرى دناتية، ولم تفرض الوندالية سيطرتها على تهودة بل كانت تابعة للمالك المورية المستقلة إلا أن الاستعمار البيزنطي أفلح في الاستقرار بها مدة زمنية معتبرة.
وأضافت ربيعة في ذات السياق أن مدينة «تهودة» عرفت خلال فترة الفتوحات الإسلامية نقطة تحول في تاريخ شمال افريقيا خاصة بوصول الفاتحين بقيادة عقبة ابن نافع ووقوع معركة تهودة الشهيرة، موضحة أن المدينة خلال تلك الفترة عرفت ازدهارا وتطورا وهي اليوم قرية تنام على ذكريات الماضي الحافل بالأحداث العظيمة التي صنعت اسم «تهودة»، والآن قد تم تسييج المنطقة لحمايتها وجعلها مكانا للتنقيب علما أن آخر الدراسات أثبت أن عمقها تحت الارض يصل إلى 20 متر وهو ما جعل السلطات تباشر في الحفريات للاكتشاف الارض البيضاء واخراج ما يوجد من أثار قديمة.
حديقة «لاندون» تسحر الزوار
وقبل نهاية زيارتنا إلى بسكرة تنقلنا إلى الحديقة الساحرة بغطائها النباتي العجيب والغني بمئات الأصناف من النباتات المحلية والمتوسطية والاستوائية ألا وهي حديقة «لاندو» التي تحصل على أرضها الكونت «البير دو نجفيل لاندون»عام 1875م معجبا بجوها ومناخها الذي ساعده في التأقلم مع مرض الربو الحاد، حيث كرس «الكونت لاندون» جزءا كبيرا من حياته وثروته لجمع وغرس العديد من النباتات والأشجار وجلب أصناف الطيور من مختلف أصقاع العالم.
في سنة 1890 م بنى وأسس رواق لاستقبال الفنانين والشعراء والأدباء وكان من أشهر مرتاديه الموسيقار المجري «بيلا بارتوك» والكاتب الايرلاندي «اوسكار ويلد» والكاتب الشهير «سكوت فيد جيرالد» وزوجته «زيلدا» وكذا الفنانين «نصر الدين دينية» و «اوجين فرومنتيتن» والمفكر «كارل ماركس» ،بالإضافة الى الكثير من الأسماء الأدبية والفنية الأخرى التي زارت المكان وسحرت بجماله خلال فترات متلاحقة سميت حديقة الله من طرف الكاتب البريطاني «روبيرت هتشنز»، وأصبحت الحديقة بفضل حرص «الكونت» على جلب أنواع مختلفة من النباتات والأشجار من أوروبا ومناطق استوائية لغرسها في الحديقة مرتع للسلام والراحة لعديد كبار الشخصيات العالمية والعائلات الذين يتوافدون عليها باستمرار لجمال مناظرها وسحر طبيعتها الخلابة.
المركب السياحي»حديقة الزيبان»لبعث السياحة المحلية....
وخلال زيارتنا لاحظنا أن سكان بسكرة يحتاجون إلى مرافق سياحية وتوفير أفضل الظروف مع اقتراب موسم الاصطياف لاسيما مع الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة الذي يجعل المواطنون غير قادرين على تحملها بل يفضلون المكوث في البيت وتفادي الخروج، وهو ما يستدعي تكثيف الجهود من أجل تحسين الخدمات وبرمجت عمليات ترميم وإعادة تأهيل لجملة المداشر القديمة التي لا تتوفر على أدنى شروط العيش الكريم.
وهو ما جعل مجموعة صراوي تفكر في إنجاز مركب سياحي ضخم في قلب ولاية بسكرة حديقة «الزيبان» حتى يستطيع سكانها الاستمتاع بأوقاتهم في المسابح المائية والحدائق والاستفادة من خدمات سياحية في المستوى من أجل استقطاب الزوار والسياح الأجانب لا سيما وأن مدينة الزيبان بموقعها الاستراتيجي بين التل والصحراء تتميز بجمال خلاب لما تزخر به من مواقع سياحية متنوعة وهو ما يساهم في جعلها قبلة السياح من كل حدب وصوب.
من جهته كشف صاحب المشروع علي صراوي عن افتتاح المركب السياحي بشكل رسمي في 5 جويلية نظرا لتطور أشغال إنجاز المشروع الذي يتوفر على فضاءات مختلفة للمتعة والترفيه والراحة والاستجمام مؤكدا أن المركب السياحي يتوفر على جودة الخدمات والأنشطة الترفيهية من فنادق ومنتجعات سياحية هامة لفائدة السياح.
وكشف صراوي أن المشروع ساهم في خلق 4 آلاف منصب شغل بالمنطقة مباشر وغير مباشر، مشيرا إلى أن التطور الذي عرفه إنجاز المركب في السنة الأخير جاء بفضل الدعم الذي لقيته مجموعة صراوي من قبل السلطات الولائية ومنتدى رؤساء المؤسسات، موضحا أنه لحسن الحظ تم تجاوز المرحلة الصعبة بسبب المشاكل البيروقراطية التي كانت تعيق السير الحسن للمشروع وكذا البنوك التي تسعى إلى تقديم القروض للمستثمرين على مزاجها وتستخدم أسلوب التمييز والتفرقة في تمويل المشاريع على حد تعبيره.
وخلال زيارة الوفد إلى المركب السياحي الذي يضم مركزا تجاريا وفضاءات خاصة بالنشاطات الرياضية والصناعة السينماتوغرافية ومعهد فندقة متخصص بتكوين الشباب في هذا المجال أشرف مجموعة من السفراء على تدشين مشروع حظيرة الألعاب المائية، حيث قام كل من السفير الأردني والسوري في الجزائر على وضع حجر الأساس للحديقة المشرقية وكذا سفير المكسيك الذي أشرف على تدشين الحديقة المكسيكية زيادة على الحديقة اليابانية والصينية.
ونظرا للتنوع الذي يتميز به المركب من مراكز تجارية وفنادق وحظائر مائية، فهي مستعدة يوميا لاستقبال الزوار من مختلف أرجاء الوطن، وينتظر سكان بسكرة بفارغ الصبر الافتتاح الرسمي لهذا المشروع الضخم من أجل قضاء عطلة صيفية ممتعة تجعلهم ينسون الحرارة الشديدة بفضل الخدمات السياحية التي يوفرها المركب بهدف جلب أكبر عدد من السياح والعمل على انعاش السياحة الصحراوية وخلق فضاءات ترفيهية وخدماتية وفقا للمعايير الدولية التي تجعل الجزائر بلدا منافسا مع الدول المجاورة كتونس والمغرب.
كما أضاف صاحب المركب أن هذا المشروع يعد خطوة كبيرة لدعم الاقتصاد الجزائري قائلا في ذات السياق: «أن العمل جار على قدم وساق لإنهاء الاشغال في أقرب وقت ممكن قبل نهاية موسم الاصطياف حتى يتمكن السياح من قضاء أوقات ممتعة في هذه المدينة التي لا تزال تحافظ على موروثها الثقافي والتاريخي وتحصي العديد من المواقع ومناطق التوسع السياحي بسفوح الجبال وقلب الواحات وبجوار السدود والمنابع الحموية والرمال».
شرفات «غوفي» و»مشونش» جنة فوق الأرض....
شرفات «غوفي» شبه واد فيه قرية أثرية في أوراس ولاية باتنة، تعتبر»غوفي» من أجمل المناطق سياحية بسبب تواجد الواد الأبيض «إغزر أملال»، ويعتبر من أجمل الأودية في العالم يزوره السياح وسكان المنطقة لمشاهدة الطبيعة والواد المليء بالأشجار.
يمر واد الأبيض «أو إغزر أملال بالأمازيغية» على بلديات تيفلفال ويتوسع في كامل الولاية، وتقع قرية غوفي فوق تلة على ارتفاع ما بين 500 متر و1200 متر تبعا للموقع، شرفات الغوفي تشبه جبال «روكي» و»جراند كانيون»، التي تتكون من صخور رسوبية ومتحولة، ونوعية الغطاء النباتي هي الواحة وهو النوع الوحيد المنتشر في هذه المنطقة.
ووقف الوفد عند روائع منطقة مشونش التي تقع على حافة الصحراء المعروف عنها أنها مليئة ببساتين النخيل الواسعة والمناظر الطبيعية الصحراوية الجميلة في هذه المنطقة يمر عليها إغزر أملال.
والتاريخ في مشونش لا ترويه فقط صفحات الكتب أو القطع الأثرية المحفوظة في المتاحف، بل نقرأه كذلك من خلال الطبيعة، خاصة النبات، الصخور، المياه.. ومن خلال ملامح وجه إنسان كل منطقة، في فرحه أو حزنه. وفي هذا الإطار لم لا نستمع لما ترويه جبال، منازل، بساتين، أغاني،.. بلدة مشونش بجنوب الأوراس من حكايات. مشونش، الإسم الحديث لبلدية تقع بين الأوراس والزيبان، بها يمر الوادي الأبيض قبل وصول مياهه إلى سد فم الغرزة بدائرة سيدي عقبة بسكرة، فهذا الوادي يعتبر شريان الحياة بالنسبة للبلديات التي يمر بها، والواقعة بين جبل شيليا والسد المذكور آنفا، وهي إينوغيسن، إيشمول، آريس، تيغانمين، تكوت، غسيرة، مشونش.
ومشونش هي التسمية الإدارية للبلدية التي يفضل سكانها التسمية القديمة «همسونين» ومعناها الجنات، لقد كانت «همسونين» تابعة إداريا لدائرة آريس بولاية باتنة إلى غاية التقسيم الإداري لسنة 1974، حيث أصبحت تابعة للولاية رقم 07.