إلى أي حدّ يمكن فيه للسياحة أن تساهم في تعويض الفارق المالي الذي تفقده الجزائر تحت وطاة أزمة انهيار سعر النفط؟. يطرح السؤال في وقت كشف فيه هذا القطاع بكافة جوانبه الطبيعية وهياكل الاستقبال (خاصة من خلال أكثر من ألف مشروع فندقي ومنتجع) ووكالات السفرعن قدرات كبيرة لتدارك التأخر وانجاز الأهداف الاقتصادية المسطرة في المديين القريب والمتوسط.
تمثل السوق السياحية موردا رائدا ضمن ركائز الاقتصاد خارج المحروقات إلى جانب الفلاحة والصناعة الصغيرة والمتوسطة من حيث الطاقات الاستثمارية والثروة البشرية المؤهلة التي تمثل الحلقة الجوهرية في الرفع من وتيرة النمو وإنتاج الثروة.
من هذا المنطلق يرتقب أن ترتفع وتيرة الدفع بالبرامج الاستثمارية الجارية حتى تتجسّد المشاريع المعتمدة وفقا للمعايير مع الحرص بالموازاة لذلك على إدماج كافة مكونات الفعل السياحي في حركية السوق بما يكثف من حجم العرض ليستجيب للطلب المتزايد سواء على صعيد السياحة الداخلية الموجهة خاصة للعائلات والفئات المهنية المختلفة أو على صعيد السياحة الخارجية التي تحتاج إلى ترشيد لملاءمتها مع تغيير المؤشرات المالية في ظلّ شحّ المداخيل وضرورة تنمية الادخار الوطني.
غير أن معادلة السوق السياحية لا تزال في الظرف الراهن تميل لفائدة تصدير السياح ومن ثمة إخراج العملة الصعبة بمستويات لا يمكن أن تستمر بتلك الوتيرة خاصة في مواسم معينة أبرزها الصيف الذي ترتفع فيه نسبة الخروج دون أن يعوض ذلك تحسنا بنفس الحجم، خاصة المالي لاستقدام السياح الأجانب، في وقت توفر فيه الجزائر أفضل المؤشرات المحفزة لاستقطاب الوافدين من مختلف جهات العالم.
للإشارة، تمرّ السياحة العالمية منذ سنوات قليلة مضت بازمة غياب الأمن في عدد من الوجهات التقليدية مما يفتح أفقا للسوق الجزائرية التي يمكنها عرض البديل لزبائن يحرصون على الأمن والسلامة والضيافة. وكان بإمكان الفاعلين في السوق خاصة الوكالات التي تحترف التسويق السياحي والأسفار جذب أكبر عدد ممكن من السياح الذين سحبوا ثقتهم من وجهات عديدة فقدت أمنها وذلك بتكثيف عمل تجاه عواصم بلدان تصدر السياح مثل روسيا وبعض بلدان الخليج التي تحافظ على توازن العلاقات مع الجزائر خاصة تلك التي بادرت باستثمارات صناعية أثبت الوقت، إنها ناجحة بكل المقاييس للطرفين.
وفي هذا الإطار تعرض السوق السياحية المحلية فرصا ثمينة وذات تنافسية للرأسمال العربي الباحث عن شروط الاستقرار وضمانات ديمومة الاستثمارات المنشئة للثروة خاصة منها تأمين الموارد وحرية التنقل إلى جانب اليد العاملة المؤهلة، وهي شروط أصبح من الصعب على كبار المستثمرين ورجال المال والأعمال العثور عليها في أسواق فقدت استقرارها وسقط فيها عنصر الأمن الضامن للرأسمال.
إن شروط الاستثمار الناجح لا تزال قائمة في السوق الجزائرية بشهادة صندوق النقد الدولي الذي سجل مدى نجاعة الاجراءات المتخذة لمواجهة انعكاسات الصدمة المالية الخارجية الناجمة عن انهيار سعر برميل النفط. ولذلك تمّ اللجوء إلى آلية القرض السندي للنمو الموجه حصريا لتمويل المشاريع الانتاجية في شتى القطاعات مما يحقّق ديمومة الديناميكية الاقتصادية التي تمنح للسياحة نفسا جديدا سواء للاستثمار أو تسويق الخدمات من خلال سياحة الأعمال وذلك بالدخول بقوة في معركة النمو.
لكن بالموازة مع ذلك ينتظر أن تنخرط باقي فروع العمل السياحي خاصة الصناعة التقليدية والطبخ المحلي ومختلف الفنون والثقافة التي تزخر بها كافة مناطق البلاد في مسعى الدفع بالسياحة الجزائرية إلى صدارة السوق في وقت يرصد فيه تحسن مؤشر الضيافة في الوسط الاجتماعي بعد أن أدرك الشباب من ذوي الحرف والمهن مدى أهمية مجيئ السياح باعتبارهم مصدر رزقهم. ولعلّ السنة الجارية هي بمثابة الموعد الحاسم لاختبار مدى نجاعة الرهان على السياحة، خاصة منها الأنشطة السياحة الحرة والتجوال والتي تكون بدايتها بتكريس السياحة الداخلية الجوارية وكسر موجة غلاء الأسعار وتهذيب الحياة العامة على مستوى الفنادق والمنتجعات لتعود السياحة إلى سابق عهدها الذهبي.