طباعة هذه الصفحة

إرث حضاري، تاريخي ورئة للمدينة

تأخر تهيئة الحديقة العمومية بسيدي بلعباس يثير الحيرة

سيدي بلعباس: غنية شعدو

أمر والي سيدي بلعباس محمد حطاب بفتح الحديقة العمومية بوسط المدينة، بعد الجدل الكبير الذي أثاره مشروع تهيئتها والتأخر المسجل في عملية التهيئة الذي فاق الثمانية أشهر، حيث تقرر فتحها لفائدة مواطني المدينة على الرغم من عدم إستكمال الأشغال بها والتي لا تزال سارية على مستوى مقاطع منها.
جاء هذا القرار بعد تقاعس المقاولة المكلفة بالتهيئة في إتمام المشروع في آجاله المحددة على الرغم من تعليمات المسؤول الأول عن الولاية الذي شدّد في أكثر من مناسبة على ضرورة إحترام آجال الأشغال وتسليمه في أوقاته المحددة.
ومن جهتها مصالح البلدية حملت المسؤولية كاملة لمديرية البيئة في عدم متابعة المشروع متابعة جدية وعدم التشديد على المقاولة لإستكمال المشروع في آجاله، أما مديرية البيئة وفي ردها أكدت أن التسليم النهائي لمشروع التهيئة سيكون نهاية شهر ماي الجاري بعد أن فاقت نسبة الإنجاز 90٪، حيث أرجعت التأخر المسجل إلى إضافة بعض الإشغال الثانوية التي تطلبها المشروع.
الحديقة العمومية والتي تتربع على مساحة إجمالية تفوق الستة هكتارات تعد رئة المدينة ومتنفسا حقيقيا لها ومرفقا طبيعيا، ترفيهيا تقصده العائلات للإستجمام وقضاء ساعات وسط أشجار ونباتات الحديقة، كما تعد أيضا إرثا حضاريا وتاريخيا لسكان الولاية باعتبارها من أقدم الحدائق على المستوى الوطني، حيث تم إنجازها خلال الحقبة الإستعمارية وبالضبط سنة 1859، لتكون رئة لعاصمة المكرة أنذاك نظرا لموقعها بالجهة الغربية من المدينة التي استوطنها المعمرون، وهي شاهدة على جملة من الأحداث التاريخية الهامة على غرار الحادثة المعروفة  بإشتباكات الحديقة العمومية شهر أوت سنة 1961 بين عدد من المجاهدين والقوات الفرنسية أين تكبد الإستعمار خسائر بشرية معتبرة في حين فقدت الولاية ثلاثة من أبنائها الشهداء، هذا وكانت الحديقة مزارا لعديد الشخصيات الفرنسية على غرار نابوليون الثالث سنة 1865، الرئيس الفرنسي لوبي سنة 1903، بالإضافة إلى شخصيات جزائرية هامة كفرحات عباس، العربي بن مهيدي، ميصالي الحاج، أحمد زبانة وغيرهم.
عرفت الحديقة وعلى مر الأزمنة عدة تغيرات طرأت على هياكلها حيث فقدت العديد من مرافقها على غرار حديقة الحيوانات، نادي الحديقة وغيرها في حين لا يزال المسبح ومسرح الهواء الطلق التابعين لها قائمين بعد خضوعهما لعمليات تهيئة.
 كما تعرضت أهم تماثيلها للتخريب والسرقة خلال فترة التسعينيات على غرار تمثال «سقوط إيكاروس» للفنان الفرنسي أوغست مايار الذي قام بنحته سنة 1881، تمثال الفنان ألفونس كويلوو تمثال العناق المجهول الهوية، هذا وتعرضت الحديقة وعلى مدار الثلاثين سنة لإهمال وتخريب طال أشجارها ونباتاتها ما أدى إلى إندثار أنواع كثيرة من الأشجار والنباتات الفريدة، قبل أن تقرر السلطات المحلية إخضاعها لعملية تهيئة واسعة بهدف إعادتها لسابق عهدها حيث خصص للمشروع غلاف مالي فاق ٨٠ الف دينار لكن العملية لاقت جدلا كبيرا من قبل أعيان وسكان الولاية بعد مباشرة الجهة المكلفة بالمشروع عملية قطع العديد من الأشجار، الأمر الذي اعتبره السكان مجزرة حقيقية في حق الحديقة.
لكن مكتب الدراسات المكلف بالعملية رد على جملة الإتهامات بمطابقة العملية للدراسات المنجزة وتماشيها مع  المقاييس المعمول بها في تهيئة مثل هذه الفضاءات الترفيهية، حيث أرجع عملية القطع إلى عملية تهذيب الحديقة التي تعتمد أساسا على إستبعاد عديد الأشجار الميتة والمصابة والتي تؤثر بشكل كبير على غيرها، فضلا عن التخفيف من بعض أنواع النباتات التي تكاثرت وبشكل عشوائي داخل الحديقة مما تسبب في تلف وإندثار أنواع أخرى كما تم نقل أشجار أخرى من أماكنها إلى أماكن جديدة لخلق نوع من التوازن داخل المرفق.
وتم أيضا الإستعانة بخبرات مختصين في البيئة والنباتات للقيام بهذه العمليات بهدف الحفاظ على التنوع البيولوجي وعلى خصوصية الحديقة، وفي هذا الصدد تم قطع حوالي 380 نبتة وفي المقابل تمت غراسة 4800 شجيرة من أنواع مختلفة وملائمة لبيئة الحديقة وحوالي 12 ألف نبتة بما في ذلك النباتات المزهرة.