طباعة هذه الصفحة

في الذكرى الـ ٦٠ لتأسيس كومندوس «علي خوجة» ببوكرام بأعالي الأخضرية

أدخل الرعب في نفسية جنرالات فرنسا وأحبط خططهم العسكرية بالمنطقة

جمال أوكيلي

المطالبة بتصنيف «منزل الاجتماع» وإعادة ترميمه

استحضر رفقاء السلاح في قلعة من قلاع الثورة بأعالي الأخضرية «بوكرام»، ذاكرة صمود الشعب الجزائري في وجه أبشع إستعمار عرفه التاريخ، أباد البشر، وأحرق الشجر، ودمّر الحجر، غير أنه خرج يجر أذيال الهزيمة تاركا هذه الأرض الطيبة لأهلها.
هذا اليوم في «بوكرام» لم يكن كسائر الأيام التي يقف عليها سكان هذه البلدية، ذلك التوافد الغفير للمجاهدين، وكل من عاش وعايش الثورة، كسر ذلك الصمت والهدوء في كامل ربوع هذه المنطقة ذات استراتيجية الموقع نظرا للجبال التي تحيط بها، يستحيل على فرنسا مهما كانت «عبقرية» جنرالاتها أن تنال من هؤلاء الرجال الأشاوس المرابطين والثابتين من أجل حماية أرضهم من الدخلاء.
قدموا من كل فج عميق من أجل إحياء الذكرى ٦٠ لتأسيس فرقة الكومندوس في ١٠ ماي ١٩٥٧ باسم علي خوجة الذي استشهد في ١١ أكتوبر ١٩٥٦ ببرج الكيفان وهذا ببيت العائلة الثورية بحي قايد.
إنها لحظات مؤثرة جدا تلك التي عشناها خلال يوم واحد، خلال زيارة أشرف عليها الناشط محمد عباد رئيس جمعية مشعل الشهيد بالتعاون مع كل الأحرار الذين ما تزال قيم نوفمبر راسخة في ذاتهم لا تتزعزع أبدا مهما كانت الظروف.
كنا نعتقد بأن الحفل يعتبر عاديا ومجرد تنقل لتسجيل حضور، لكن مع اقترابنا إلى النصب التذكاري الشامخ المدوّن لأسماء الشهداء الأبرار تفاجأنا بوجود وجوه ثورية بيننا كالقائدين عز الدين زراري ولخضر بورقعة وشخصيات في شتى القطاعات موسى تواتي، مقدم، بوعزارة، وغيرهم ممن قدموا من العاصمة.
الفرحة كانت عارمة في أوساط المجاهدين وهم يرون بأم أعينهم تلك المصالحة التاريخية بين بورقعة وعز الدين، واعتبرها الكثير خطوة تخدم بقوة كل من كافح من أجل الوطن، وقد تأثر لها المجاهد عبد المولى محمد المدعو «محمد الطولي» الذي كان مطلوبا لدى البوليس الفرنسي، نظر لقيامه بعدة عمليات فدائية بالعاصمة، مدرجا إياها في إطار الصفح الجميل بين الرعيل الأول، أبناء الوطن الواحد من أجل جزائر تحتضن الجميع وعبرة كذلك للأجيال الصاعدة قصد معرفة ماضيهم التاريخي المشرف.
الأحاديث المشوقة والمؤثرة عن الثورة لم تنته في خضم هذا اللقاء الأخوي، كنا ننتظر بشغف كلام من كان الأقرب إلى صناعة الحدث عن هذه الذكرى التي تعود بالجميع إلى أوقات كانت فيها إرادة الإستقلال أكثر من إرادة أخرى وثمن ذلك لن يكون هينا أبدا بل يتطلب تضحيات جسام.
برنامج جمعية مشعل الشهيد كان دقيقا ومحددا لا بد من الشروع فيه فورا بالرغم من الحماس الفياض الذي عمّ المكان، لم يتأخر محمد عباد في دعوة الحضور بالتجمع في فوج من أجل الذهاب إلى النقطة الأولى ألا وهي المقبرة للترحم على أرواح الشهداء وقراءة فاتحة الكتاب ورفع العلم الوطني، في هذه الأثناء كل تلك الذاكرة الجماعية عادت إلى تلك الأيام الخالدة وتقدم هذا الموكب عزالدين بورقعة والأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين بالبويرة السيد صالح عبدي.
مباشرة توجه الجميع إلى ذلك الموعد الهام ألا وهو الالتقاء بمكتبة البلدية التي تحمل اسم الشهيد أوكيلي عمر للاستماع إلى شهادات نادرة عن هذا الحدث، هنا رحّب محمد عباد رئيس جمعية مشعل الشهيد بالضيوف مؤكدا أن هذا النشاط يندرج في إطار منتدى الذاكرة، وما زاد اليوم دعما هو حضور وجوه تاريخية بارزة كان لها الأثر البالغ في صناعة الأحداث خلال الثورة ولم يتوان عباد في إظهار خصوصية هذا اليوم بحضور رجال أفذاذ قدموا كل ما لديهم لإنجاح الثورة، مطالبا بمزيد من تشجيع للإرادات الخيرة التي تعمل في هذا الاتجاه التاريخي خدمة للذاكرة.. دون تثبيط العزائم.
من جهته الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين السيد عبدي صالح شدّد على ضرورة أن يكون بنينا الشباب حتى يستفيدوا مما يقوله المجاهدون ويقفون على ما اقترفته فرنسامن جرائم ضد الجزائريين ومن اعتمادها لسياسة الأرض المحروقة لإخماد الثور.

الاستقلال استرجعناه من ديغول بالقوة

القائد عز الدين كان من بين الجالسين في المنصة وعندما أحيلت له الكلمة قال بأنكم وضعتموني في موقف حرج أولا لأنني غير مستعد وثانيا لا أحسن فن الخطابة ورغم إلحاح القاعة شرع في الكلام منوها بعائلة يحيى قايد في هذه المنطقة واعتبر عز الدين أن الكومندوس تكوّن مباشرة بعد معركة «زينا» خلال هذه الفترة كان مسجونا بتابلاط وفر فيما بعد رفقة ١٣معتقلا.. وتزامن ذلك مع اختطاف طائرة القادة الـ ٥وعليه لابد من إظهار لفرنسا بأن الثورة شعبية وهكذا قرر سي لخضر القيام بعمل عسكري واسع النطاق يكون له صدى كبير.
توج ذلك بمعركة «أم الزوبية» استرجع فيها حوالي ٥٠ سلاحا زيادة على معركة في بني خلفون وتم الاستيلاء على ٤٠ قطعة سلاح وأخرى في طريق أعمار ذراع الميزان.
وأكد عز الدين أنه عندما تولى قيادة كوماندوس «علي خوجة» رأى أوعمران بأنه من الضروري اسناد اسمه إلى شهيد من الشهداء،
وهذا لتفادي مبدأ عبادة الشخصية التي عانيننا منها الكثير وهكذا كان «الروبيرية»و»العمارية».
وحذر هذا المجاهد من مغبة السقوط في الأطروحات الخطيرة التي تمجد ديغول على أنه منحنا الاستقلال هذا غير صحيح بتاتا، استقلالنا أخذناها بأيدينا وديغول التقيناه في موعدين في ٨ ماي  ١٩٤٥، تقبل ٤٥ ألف جزائري وبعد ١٣ ماي ١٩٥٨ قام بتحويل الجزائر إلى منطقة محرمة وتصاعدت كل أشكال القمع، من قتل وتهجير وإعدام وسجن زيادة على وجود ٦٠٠ جندي فرنسي بالجزائر وأكثر من مليون من الأقدام السود، فحذار من هذه الأقاويل الباطلة والتي لا أساس لها من الصحة.
وسعي المجاهد لخضر بورقعة إلى التذكير بقيم نوفمبر من كفاح مسلح ضد الاستعمار على أنه كان من أجل الاستقلال الوطني، مبرزا التحديات خلال هذه المرحلة وكيفية الحفاظ على هذه المكاسب الغالية وكاشفا أن ديغول جاء بمشروعين الأول سياسي والثاني عسكري حاول بهما إجهاض الثورة لكنه فشل فشلا ذريعا..
واستعرض المجاهد بورقعة ظروف استشهاد القائد سي امحمد بوقرة في منطقة بوعشرة بالبرواقية الذي لم يتم العثور على جثته في تلك الجهة.
كما تناول الكلمة المجاهد بريانو والمجاهد محمد عبد المولى من منطقة الجزائر الحرة هذا الأخير الذي عبر عن أمله في رؤية الشباب بيننا للاطلاع على ما أنجزه الأسلاف، منوها بما قامت به النساء في هذه المنطقة من جهود جبارة خدمة للمجاهدين ومبلغا الجميع تحيات المجاهدة باية لكحلة، ومصطفى البليدي..

بيت عائلة يحيى قايد موقع استراتيجي

في خضم هذا الجو من الروح الوطنية توجه الوفد إلى البيت الذي جري فيه اجتماع تأسيس الكوماندوس علي خوجة ببوكرام، وحضره سي لخضر، عز الدين، عبد الرحمان لعلا، عمر اوصديق وبوعلام اوصديق.
هذا البيت هو لعائلة قايد يحيى يوجد في مكان استراتيجي لا يجلب انتباه الاستعمار وأعوانه ما يزال على حاله خاصة الغرفة التي احتضنت الاجتماع التاريخي مع انهيار أجزاء مهمة منه، غير أنه للأسف معرض لكل عوامل الانهيار نتيجة العوامل الطبيعية القاسية ببوكرام.
وفي هذا السياق دعا الأستاذ لحسن زغيدي إلى ضرورة إنقاذ هذا المعلم التاريخي، وهذا بإدراجه ضمن مصنفات الوزارة، وإعادة الاعتبار له وعدم تركه على تلك الحالة نظرا لموقعه الاستراتيجي.
ونشير هنا إلى عدم وجود أي إشارة أو علامة بعين المكان تؤكد على أن هذا المنزل أوى قادة تلك المنطقة في يوم من أيام الثورة،، وهذا ما أثر في نفسية الكثير من الناس.. مطالبين بإعادة الاعتبار له في أقرب وقت حتى لا يبقى مهملا تزيد التأثيرات المناخية في تدهوره.
وفي هذا السياق أوضح لنا يحيى قايد صاحب المنزل أن الاجتماع الذي انعقد هنا عمل من أجل التأسيس الرسمي للكومندوس علي خوجة وهذه بإدماج جميع الكتائب منها كتيبة عين بسام لسي لخضر، وكتيبة الشيخ مسعود بتابلاط وكتيبة باليسترو لعبد الله بربار ببودربالة، تبالة أوغني وكتيبة الثنية وهكذا جاءت الهيكلة الجديدة أو التصور بمفهوم الكومندوس ليحل محل الكتيبة، السليمانية بعين بسام، ورحمنية ببوزقزة، والعومارية بالثنية أما كومندو علي خوجة فقد أعطيت له صفة «المنطقة» أي «زونال» له كل المبادرة في التحرك وهكذا توالى عليه كل من عز الدين عبد النور، بوسيف، بلعيد، السعيد حزامة وهذا من ١٩٥٦ إلى ما بعد ١٩٥٩..ثم تم حله لمقتضيات المرحلة وهذا بتقليص عدده والعمل بصيغة الأفواج الصغيرة.