وجه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أمس، رسالة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشغل، هذا نصها الكامل:
«بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
دولة الوزير الأول للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، أصحاب المعالي السيدة الوزيرة والسادة الوزراء
السيد الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين،
سيادة الوالي
حضرات السيدات والسادة أعضاء وفد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية
أخواتي العاملات، إخواني العمال،
حضرات السيدات والسادة،
إن اختيار الاتحاد العام للعمال الجزائريين، الاحتفال هذه السنة، بعيد الشغل تحت شعار «التضامن مع شعب الصحراء الغربية» ينم بجلاء عن تمسك منظمتكم، على غرار الشعب الجزائري قاطبة، بمساندة القضايا العادلة عبر العالم وبالدفاع عن مبدإ حق الشعوب في تقرير مصيرها.
يأتي هذا القرار من باعث وفاء الاتحاد هذا للمبادئ التي تأسس عليها، وتساوقا مع مساره التاريخي. أجل، لقد كان الاتحاد العام للعمال الجزائريين رافدا أساسيا من روافد حركة التحرر الوطني من أجل استرجاع استقلال الجزائر وسيادتها.
فكيف لا يكترث هذا الاتحاد، في مثل هذا اليوم وما يرمز إليه، وفي هذا الشهر الذي تأسست فيه جبهة البوليزاريو لتكون الممثل الشرعي للشعب الصحراوي الشقيق الذي ما زال محروما من حقه في تحقيق تطلعه المشروع إلى تقرير مصيره.
إن موقفكم هذا، الذي يشرف منظمتكم، موقف يجد ما يدعمه لدى منظمة الأمم المتحدة التي أدرجت الصحراء الغربية، منذ 1963 في قائمة الأراضي غير المستقلة. ومن ثمة تبقى هذه القضية على عاتقها طبقا لبنود ميثاقها وطبقا كذلك لالتزامات جمعيتها العامة ومجلس الأمن، فبورك فيكم أيها الإخوة العمال الجزائريين على اعتناقكم موقف بلادكم في قضية الصحراء الغربية وعلى بقائكم أوفياء لتاريخ منظمتكم الواقفة إلى جانب الحق وكذا على تناغم تجندكم اليوم، حول قضية الصحراء الغربية، مع موقف أغلبية شعوب المعمورة المدعمة للحرية وللشرعية الدولية.
دلالات نضال ومعركة إنجازات
السيد الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين
أخواتي العاملات، إخواني العمال،
حضرات السيدات والسادة،
إن احتفالنا، بالعيد العالمي للشغل يأتي، هذه السنة، بعد احتفالنا، قبل أيام، بالذكرى المزدوجة ليوم 24 فبراير التي جمعت بين مرور ستين سنة على تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين ومرور خمسة وأربعين سنة على تأميم المحروقات.
يعد شهر مايو بالنسبة لعاملات بلادنا وعمالها محطة تحمل الكثير من الدلالات عبر مسار نضالاتنا وجهودنا وإنجازاتنا. إنه يعيد إلى ذاكرتنا ذكرى أليمة، ذكرى فاجعة ميناء العاصمة التي خلفت يوم 2 مايو 1962، ما يقارب مائة شهيد ومائة جريح، والتي كانت بفعل المنظمة المسلحة السرية OAS بدافع الغل والحقد والحنق الإجرامي طمعا منها في نقض وقف القتال المتفق عليه في إيفيان والحيلولة دون الوصول إلى الإستفتاء حول تقرير المصير.
إن شهر مايو يذكرنا، فيما يذكرنا، بالسنوات الأولى بعد الاستقلال لما كان عمالنا يحتفلون فيها بهذا العيد فيتخذونه مناسبة للإفتخار أمام العالم، بالإنجازات الجليلة التي كانت تتحقق على أيديهم، العام بعد العام، في مجرى بناء أركان الدولة وتحقيق التنمية الوطنية.
أجل، كيف ننسى ما كان من إسهام للعمال ونقابتهم، الإتحاد العام للعمال الجزائريين، في إعادة بناء البلاد غداة الاستقلال وما أبلوه من مقاومة إبان المأساة الوطنية.
إن هذا اليوم الأغر، لفرصة لكي نترحم مرة أخرى على قوافل شهداء الجزائر من شريحة العمال، شهداء الحرية الذين رافقوا تضحيات الشهيد عيسات إيدير وشهداء إنقاذ الوطن من همجية الإرهاب الذين سقطوا بجنب الشهيد عبد الحق بن حمودة، رحمهم الله جميعا وأسكنهم جنات الفردوس.
ضمانات لحماية حقوق المواطن والحريات وتكريس التعددية
أخواتي العاملات، إخواني العمال،
يحل عيد الشغل، هذا العام، بعد المصادقة على تعديل الدستور، التعديل الذي أفضى إلى تكييف دستور البلاد مع ما أفرزته التغيرات التي طرأت على مجتمعنا من متطلبات، ومع الرهانات الجديدة التي نجمت عما حصل من تحولات عميقة على الصعيد الدولي.
سيمكننا هذا الدستور المعدل من استكمال مسار الإصلاحات التي بدأت خلال السنوات الماضية، على المستوى السياسي، وذلك بمواصلة تعميق دولة الحق والقانون، وتعزيز ضمانات حماية حقوق المواطن وحرياته، وتكريس التعددية السياسية وحقوق المعارضة والتناوب الديمقراطي.
إن هذا المكسب السياسي يتيح لنا أن نخوض اليوم شوطا جديدا على درب تعزيز الديمقراطية، وترسيخ بناء ركائز هويتنا ورسم نموذجنا التنموي.
إني أعد احتفالنا بعيد الشغل، هذه السنة، ونحن نعيش ظروفا اقتصادية متأثرة بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن انخفاض معدلات النمو لبعض الاقتصادات الناشئة والتدني الفادح لأسعار النفط على مستوى السوق العالمية، أعد هذا الاحتفال، جديرا بأن يكون، بالنسبة للقوى الحية في بلادنا، منطلقا للتصدي للآثار السلبية الناجمة عن الأزمة هذه، وللحفاظ على دينامية النمو التي انبثقت عن برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة وترقية إنشاء مناصب الشغل ومكافحة البطالة حتى لا تتجاوز الحد المقبول.
مكاسب تحققت رغم العقبات
أخواتي العاملات، إخواني العمال،
لقد كانت سنة 2015 محورية تمكنت خلالها قوانا الحية من تعزيز مكتسباتها وإعطاء دفع جديد للمجهود الوطني، رغم العقبات الداخلية والخارجية التي تعترض التطور الإقتصادي والاجتماعي في بلادنا.
بفضل ما كان لكم من إدارة وتجند وفقنا الله، خلال العشريات الأخيرة، في تحقيق إنجازات هامة تمثلت في تحويل مواردنا الطبيعية من المحروقات ومواردنا البشرية إلى قدرات إنتاجية في القطاعين العمومي والخاص وإلى إمكانيات جديدة للرقي الإجتماعي.
لقد أتاحت الإنجازات هذه، التي تحققت بفضل مجهود استثماري هائل، بناء الهياكل القاعدية الضرورية للتنمية الإجتماعية والإقتصادية، وبفضلها صار مسوغا لنا اليوم أن نطمح طموحا مشروعا إلى بناء اقتصاد منتج ومتنوع وتنافسي في ظرف وجيز.
ولكن لا يجوز لنا أن نتطلع إلى بناء اقتصاد منتج ومتنوع وتنافسي ما لم نضطلع بترقية الإنتاج الوطني وتطويره، لكي يتجسد حقا طموحنا بترقية صادرات إضافية للمحروقات وتعزيز استقلالنا الإقتصادي. وبالفعل، إننا نواجه اليوم تبعية شبه كاملة لمداخيل المحروقات مقرونة بانفجار وارداتنا التجارية مع ارتفاع مذهل لكلفتها، واضطرتنا اللجوء إلى احتياطنا من الصرف. لذا، نرى في تقليص حجم واردتنا، خلال الأشهر الأخيرة، تراجعا لابد من مواصلته.
إن ترقية الإقتصاد الوطني تقتضي أيضا وثبة لمؤسساتنا بحيث تقوى على استعادة السوق الوطنية، وهذا مطلب نادى به الاتحاد العام للعمال الجزائريين وهو مشكور من خلال تعبئتها لمزيد من الإنتاج واستهلاك المنتوج الوطني.
والإتجاه هذا جاء في أوانه ليكمل مبدأ منح الأفضلية للمنتوج الوطني بالأولوية في الصفقات العمومية عندما يكون الإنتاج الوطني متوفرا ويستجيب للمعايير المطلوبة.
مراجعة الاختيارات ونماذج النمو
أخواتي العاملات، إخواني العمال،
في مثل هذه الأوقات الصعبة تختبر قدرة الشعوب على الاستفادة من الدروس وإعادة النظر في اختياراتها ونماذج نموها وتنميتها.
ولذا، يتعين على قوانا العاملة الغيورة على سلامة اقتصاد بلادها أن تدعم وتعزز سياستنا التنموية بحيث تتحرر كليا من تبعيتها للمحروقات.
لقد اعتمدنا، قبل سنوات، استراتيجية الحفاظ على التوازنات الإقتصادية الكبرى، وكذا الدفع المسبق للديون الخارجية، وتكوين احتياطات الصرف قصد التمكن من مواجهة التقلبات التي قد تحدث على الساحة الاقتصادية الدولية. وسمحت لنا اليوم تلك السياسة الحذرة بالتقليل من آثار الأزمة المالية العالمية وخاصة بمواجهة عواقب الإنخفاض الفادح لأسعار النفط حاليا.
إن التحكم في توازناتنا المالية والاقتصادية في الظروف الصعبة التي نمر بها حاليا، على غرار جميع البلدان المنتجة للبترول، لا يترك لنا خيارا آخر سوى توخي الصرامة التامة في إدارة الأموال العمومية وفي استعمال مواردنا الطبيعية ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية الجارية وتعميقها.
غير أن هذه الصرامة، يجب أن ترافق بخيارات تحافظ بقدر الإمكان على مبادئنا الاجتماعية وخاصة الحفاظ على مستوى معيشة ذوي المداخيل المتواضعة. وفي هذا الشأن، لقد جاء الدستور المعدل مؤخرا بضمانات جوهرية تؤكد على التزامات الدولة بالإبقاء على خياراتها الاجتماعية.
فلضمان هذه التوجهات وضمان الديمومة لخيارنا المتمثل في العدالة والتضامن الوطني، تسعى الدولة، بما يواتي من إجراءات حافزة وسياسة قوية، إلى تشجيع الاستثمار الإنتاجي وتعزيز مكانة المؤسسة في الاقتصاد الوطني. وإلى جانب ما تضطلع به الدولة يكون سعي المؤسسات إلى تنويع مصادر استدرار الثروات أفضل ضمان لدوام التشغيل والحفاظ على القدرة الشرائية للعمال وتحسينها.
تحريك الآلية الإنتاجية بديلا للمحروقات
أخواتي العاملات، إخواني العمال،
يتعين على جميع القطاعات الاقتصادية من صناعة، وفلاحة وصيدي بحري، وطاقة، وسياحة، وتكنولوجيات الإعلام والإتصال، أن تغلب هذا التحدي وتضاعف، أكثر من أي وقت مضى، من إسهامها في تحقيق هذه الغاية الهامة من خلال تعبئة القدرات الاقتصادية الوطنية والاستعانة بالشراكة الدولية وإسهامها.
بالفعل إن قطاع الفلاحة، من حيث هو الضامن للأمن الغذائي، وفي ذات الوقت القطاع الذي يزود الصناعة الزراعية الغذائية بالمواد الأولية التي تحتاجها، وقطاع تكنولوجيات الإعلام والاتصال بتأثيره الإيجابي الأكيد في الإنتاجية العامة للإقتصاد وفي تحديثه تكنولوجيا، وكذا قطاع السياحة بإمكاناته القادرة على خلق مناصب الشغل ودر المداخيل، تعدّ، إلى جانب غيرها من النشاطات، قادرة على تطوير النمو الاقتصادي الذي يتيح الإنفاق العمومي.
سيمكننا النهوض بقطاعاتنا الإقتصادية، من خلال تثمين ما نملكه من مكتسبات، من تحريك الآلية الناجعة لنمو اقتصادي ذاتي متنوع وسريع. في هذا الشأن، أوكد أننا عازمون، كل العزم، على مواصلة دعمنا لاستثمار المؤسسات الإنتاجي، وإنشاء مناصب العمل، من خلال دعم آلية حفز الاستثمار، وتسهيل الإستفادة من العقار فضلا عن التسهيلات التي أقرتها الحكومة مؤخرا، واستفادة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من التمويل البنكي.
لذلك ينبغي العمل على تعبئة القدرات الإنتاجية وتحرير المبادرات بتحسين محيط المؤسسة وتأمين مناخ ملائم للاستثمار. تساوقا مع الدستور المعدل الذي كرس حرية الإستثمار وأكد، في نفس الوقت، دور الدولة في تحسين مناخ الأعمال وتشجيع المؤسسات المساهمة في التنمية الاقتصادية الوطنية بلا تمييز من خلال تكثيف جهود تبسيط الإجراءات الإدارية على النحو الذي يساعد حقا على استقطاب الاستثمارات، وكذا في مكافحة الإحتكار والمبالغة في الأسعار على حساب المستهلكين.
العقد الوطني تجربة ومرجع
أخواتي العاملات، إخواني العمال،
كلكم يلمس أن بلادنا دخلت بعد مرحلة تؤول فيها الكلمة العليا لإنتاجية المؤسسات وتنافسية الاقتصاد. والمرحلة هذه تقتضي مزيدا من التعبئة والتشاور بين كافة الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات والإدارات الإقتصادية وبالخصوص العمال وقيادتهم النقابية حول الأولويات الإقتصادية المتفق عليها. فبتوحيد جهودنا والتزام الجميع، وانتهاج التجديد، وتنافسية المؤسسات، وإنتاجية العمال، والمحيط الملائم للاستثمار، سنتمكن من تسريع تنمية اقتصادنا وإعطائه طموحا صناعيا يكون في مستوى ما يواجهه من التحديات.
وفي هذا الشأن، دعوني أغتنم هذه الفرصة لدعوة جميع العاملات والعمال إلى مواصلة تعزيز دعمهم للجهد الوطني المبذول قصد تحقيق أهداف العقد الوطني الاقتصادي والإجتماعي للنمو. ولذا، أدعو كافة الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، في إطار هذا الفضاء المؤسساتي الوطني للتشاور والحوار، إلى الاندماج فيه من أجل تسريع مسار الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز التنمية الصناعية في بلادنا.
وأما دسترة المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، فسيكون لها أثر إيجابي على التنمية في بلادنا، باعتباره فضاءً هاما لتلاقح الأفكار وإيجاد الحلول.
إن اجتماع الثلاثية المقبل، المزمع عقده عن قريب سيكون مناسبة للتشاور حول مواصلة التنمية الاقتصادية بما يعزز الدينامية التي انطلقت قبل بضع سنوات في مجال إنشاء النشاطات والتخفيض من نسبة البطالة، لاسيما بطالة فئة الشباب حاملي الشهادات وتحسين النظام الوطني للتكوين بما يتماشى مع الاحتياجات من حيث اليد العاملة المؤهلة.
والتعبئة العامة هذه يجب أن تتم في مناخ هادئ يضمن رفع التحديات وتجسيد الالتزامات في المجال الاقتصادي.
الجبهة الداخلية رافد للاستقرار
أخواتي العاملات، إخواني العمال،
نحمد الله اليوم على كل ما تمكنت بلادنا من تحقيقه في مجال ترقية الظروف الاجتماعية لشعبنا وخاصة طبقات العمال والمتقاعدين.
إن سخاء الدولة عندما كانت لها موارد خارجية معتبرة تجلّى من خلال ملايين السكنات التي استفادت منها العائلات الجزائرية ومرافق صحية وتعليمية استجابت للتطلعات المشروعة لشعبنا وهو ينهض من المحن ودمار المأساة الوطنية.
صحيح أن الجزائر اليوم تمر بمنعرج اقتصادي صعب من جراء أوضاع اقتصادية عالمية ليست لنا مسؤولية فيها، لا نحن الجزائريين ولا العديد من الشعوب التي تناضل يوميا من أجل نيل حقها في التنمية والتقدم.
إن هذا المنعرج لا يزعزع عزمنا في المضي قدما بوتيرة التنمية الجزائرية وسنحقق ذلك بعون الله وبجهد جميع أبناء وطننا الغالي، الغيورين على استقلال الجزائر في جميع المجالات بما في ذلك في المجال الاقتصادي.
إن صمودنا هذا، ومواصلة الجهد، سيعودان علينا بالمزيد من المكتسبات الاجتماعية لشعبنا وبالدرجة الأولى لعمالنا وعاملاتنا وهم مصدر التقدم وخلق الثروة.
مواجهة الجهود من أجل الجزائر
أخواتي العاملات، إخواني العمال،
قبل أن أختم رسالتي هذه، أهيب بكم ألا تدّخروا أي جهد من أجل استقرار الجزائر والحفاظ على مكانتها في حضيرة الأمم.
من جانبي، أؤكد لكم أنني سأواصل العمل بإصرار على ترسيخ فضائل العمل والجدارة بالعمل والعطاء في ثقافة مجتمعنا، وعلى صون المصالح المشروعة للعمال».