تستعد الجزائر للاحتفال باليوم العالمي للعمال، وهي تخوض تحوّلات عميقة في مختلف المجالات وخاصة الجانب الاقتصادي الذي رفعت فيه شعار التقليص من التبعية للمحروقات وترشيد النفقات، وإدماج أكبر قدر من الكفاءات والشباب في الدورة الاقتصادية مع محاربة كل ما من شأنه إعاقة تطوير سوق العمل والإنتاج.
تسعى السلطات من خلال العمل على تحديث وتحيين التشريعات لتدارك النقائص والقضاء على الاختلالات، حيث نصّ الدستور على العديد من المحاور التي ستكون أرضية تشريع العمل القادم الذي سيخلف قانون 90/11 الذي أصبح غير مواكب لما يجري في سوق العمل.
أقرّ الدستور الجديد الذي دخل حيّز التطبيق، مارس الماضي، العديد من الإجراءات لفائدة الطبقة الشغيلة والاقتصاد الوطني حيث عمل على ترقية ظروف العمال وتعزيز حقوقهم، ناهيك عن حماية العمال من كل الممارسات التي تسيء إليهم ولعملهم.
ونصّت المادة 8 على «.... حماية الحريات الأساسية للمواطن، والازدهار الاجتماعي والثقافي للأمة، ترقية العدالة الاجتماعية، القضاء على التفاوت الجهوي في التنمية، تشجيع بناء اقتصاد متنّوع، يثمّن قدرات البلد كلها، الطبيعية والبشرية والعلمية، حماية الاقتصاد الوطني من أي شكل من أشكال التلاعب، أو الاختلاس، أو الرشوة، أو التجارة غير المشروعة أو التعسّف، أو الاستحواذ، أو المصادرة غير المشروعة» وتعكس هذه المواد صراحة العديد من السلوكات السلبية التي تميز الجزائر وخاصة سوق العمل وما تحذير الدستور من تلك الممارسات إلا دليل على وجود العديد من الذهنيات التي تعرقل تحسين مناخ العمل في الجزائر.
وذلك استجابة لمطالب المساواة بين الرجال والنساء في مختلف المجالات وخاصة ميدان العمل وتولي المسؤولية والمشاركة في صنع القرار، أشارت المادة 31 مكرر 2 على: «تعمل الدولة على ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل. تشجع الدولة ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في الهيئات والإدارات العمومية وعلى مستوى المؤسسات.» وورد في المادة 31 مكرر3 «... الشباب قوّة حية في بناء الوطن. تسهر الدولة على توفير كل الشروط الكفيلة بتنمية قدراته وتفعيل طاقاته» ويدخل هذا في سياق برنامج الدولة الذي يولي عناية كبيرة للشباب خاصة من خلال إدماجهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لتخليصهم من الضياع واستغلالهم في مجالات تهم الاقتصاد الوطني وتهديد الأمن.
وحافظت السلطات على جميع حقوق العمال وتعزيزها بما فيها الحق في الاضراب والتظاهر السلمي، لكن شريطة أن يكون وفقا للقانون مع احترام الصالح العام والأمن العام بعيدا عن التهويل والتكسير والاعتداء على الآخرين وقال المادة 41 مكرر» حرية التظاهر السلمي مضمونة للمواطن في إطار القانون الذي يحدّد كيفيات ممارستها.»
وجدّد الدستور في المادة 55 على الحقوق الأساسية من خلال «... لكل المواطنين الحق في العمل. يضمن القانون في أثناء العمل الحق في الحماية، والأمن، والنظافة. الحق في الراحة مضمون، ويحدد القانون كيفيات ممارسته. يضمن القانون حق العامل في الضمان الاجتماعي. تشغيل الأطفال دون سن 16 سنة يعاقب عليه القانون. تعمل الدولة على ترقية التمهين وتضع سياسات للمساعدة على استحداث مناصب الشغل.»
تظهر هذه المادة التشديد على ضرورة عدم تشغيل الأطفال بعد أن أخذت هذه الظاهرة أبعادا خطيرة في المجتمع الجزائري وانتشار ظاهرة التسرّب المدرسي.
كانت المادة 56 صريحة من خلال الحديث عن ممارسة العمل النقابي حيث نصّت على: «الحق النقابي مُعترَف به لجميع المواطنين.»وورد في المادة 57 « الحق في الإضراب معترف به، ويُمارَس في إطار القانون. يمكن أن يمنع القانون ممارسة هذا الحق، أو يجعل حدودا لممارسته في ميادين الدفاع الوطني والأمن، أو في جميع الخدمات أو الأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع.» وحافظ الدستور على هذه المادة بالرغم من العدد القياسي الذي شهدته الجزائر من الاضربات في السنوات الأخيرة والكثير منها صبّ في خانة تحسين مستوى المعيشة ووقف التعسّف والابتزاز.
وتأمل الطبقة الشغيلة في الجزائر في تمرير قانون العمل في أقرب وقت ممكن على البرلمان حتى يكون جامعا لمختلف التشريعات المتعلقة بالعمل والمقسمة على 11 مجالا قانونيا يصعب على الكثير من الحفاظ على الحقوق وحمايتها من التعسف خاصة في ظل سوق عمل متشعبة ومعقدة تتميز بعدم الاستقرار وصعوبة التنظيم.