طباعة هذه الصفحة

مبدأ يختلف حوله الفقه الدولي يستعمل ذريعة لاستغلال واستعمار الدول

إشـكـــــاليـة التـــدّخـل الدولي الانســــاني وتأثـيره على السيــــادة الوطنيـة

بقلم الدكتور حساني خالد أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة عبد الرحمان ميرة - بجاية

تتجاوز الاختصاص الوطني، حيث يجوز لجميع الدول أن تعتبر بأن لها مصلحة قانونية في حماية هذه الحقوق، وبالتالي فهي التزام في مواجهة الكافة (Erga Omnes).
يضاف إلى ذلك، أن ميثاق الأمم المتحدة يعتبر أن أي تهديد للسلم والأمن الدوليين من جانب دولة ما يشكل استثناء على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء (م 2/7)، وهذا يعني أن منظمة الأمم المتحدة لها الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للدول بواسطة قرار صادر عن مجلس الأمن، استنادا إلى الفصل السابع من الميثاق.
وعليه إذا كان الهدف من تدخل مجلس الأمن هو حماية حقوق الإنسان والأقليات، فإن هذا التدخل لا يعد تدخلا غير مشروع في الشؤون الداخلية للدول. وذلك لأن المادة 2/7 من الميثاق التي تحظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول استثنت إجراءات القمع المتخذة بواسطة مجلس الأمن تطبيقا لأحكام الفصل السابع لحفظ السلم والأمن الدوليين.
وفي السياق ذاته، يجد التدخل الإنساني الذي تقوم به الأمم المتحدة بهدف حماية حقوق الإنسان سنده وأساسه القانوني في القرار الذي أصدره معهد القانون الدولي خلال دورته المنعقدة في Saint- Jaques de Compastalle
 بتاريخ 13 سبتمبر/ أيلول 1989 بشأن «حماية حقوق الإنسان ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول»، والذي ذهب إلى إخراج المسائل المتعلقة بحقـوق الإنسان من إطـار المجال المحجـوز للدول وفق ما تقضي به المادة الثانية من القرار، وعليه فإن تدخل الأمم المتحدة الإنساني يشكل أحد الاستثناءات الجديدة لمبدأ عدم التدخل والتي فرضتها قواعد القانون الدولي المعاصر.
غير أن الدول العربية ترفض فكرة التدخل الإنساني حيث أن مجرد ذكر كلمة «تدخل» يعيد إلى الأذهان ذكريات تاريخية مريرة عن حقبة الاستعمار، ويثير ردود فعل كثيرة وأحاسيس بعدم الأمان، وبالفعل، فإنه من غير المتوقع أن تتعاطف أي دولة عربية مع مفاهيم التدخل الإنساني لأنها هي المستهدف الأكبر بهذا المبدأ للتدخل في شؤونها الداخلية، كما أن الموقف العربي من التدخل الإنساني يركز دائما على أنه خلال عملية تطوير المفهوم ثم تطبيقه، تظهر مشاكل عديدة لها علاقة بشرعيته وفاعليته وبتبعاته الإنسانية وانعكاساته على القانون والنظام الدوليين، إضافة إلى ذلك يعتقد الفقه العربي أن عملية فهم وتبرير التدّخلات الإنسانية تكون مرفوقة بتهم الانحياز والكيل بمكيالين، وينطبق ذلك على معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي فبينما يعجز العالم عن حمايتهم من الاعتداءات الإسرائيلية يرى البعض أن الحجة الإنسانية هي فقط ذريعة للتدخل في البلدان الأخرى.

الفرع الثالث: التدّخل الإنساني في الدول العربية

 تم تجسيد التدّخل الدولي الإنساني في الدول العربية عن طريق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن طبقا للفصل السابع من الميثاق، وارتكزت هذه القرارات على دول شهدت وقوع نزاعات مسلحة ترتب عنها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والأقليات، وقد بدأ هذا الاتجاه الجديد لمجلس الأمن منذ حرب الخليج الثانية، ثم أعيد تطبيقه في الصومال وكذا التدخل العسكري بليبيا تحت ذريعة حماية المدنيين.

التدّخل الإنساني في العراق

نتيجة هزيمة القوات العراقية من طرف قوات التحالف وبتواطؤ من بعض الدول الكبرى بغية تمزيق الوحدة العراقية تأسست حركتان عملتا على التمرد في الشمال من قبل الأكراد، وفي الجنوب من قبل الشيعة سنة 1991، مما أدى بالسلطات العراقية إلى القيام ببعض عمليات القمع ضد الشيعة في الجنوب والبصرة والأكراد في الشمال (كردستان العراق)، حيث مارست في نظر المجتمع الدولي انتهاكات خطيرة في حق المدنيين، الأمر الذي ترتب عنه نزوح عدد كبير من اللاجئين إلى الدول المجاورة، إذ وصل عددهم مليون شخص لجأوا إلى إيران، وحوالي 500 إيراني اتجهوا إلى تركيا، وهو ما دفع بكل من فرنسا وبلجيكا إلى تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الهدف منه تقديم المساعدات الإنسانية لأكراد العراق، وقد وافق عليه المجلس بتاريخ 05 أفريل 1991 تحت رقم 688 والذي أدان أعمال القمع التي يتعرض لها السكان المدنيون في أجزاء كبيرة من العراق، الذي شمل مؤخرا المناطق السكانية الكردية، وتهديد الوضع للسلم والأمن الدوليين، كما طالب المجلس من العراق السماح بوصول المنظمات الإنسانية على الفور، إلى جميع من يحتاج إلى المساعدة في كل أنحاء العراق ويوفر التسهيلات اللازمة لعملياتها.
 يعد هذا القرار في الحقيقة خطوة متقدمة في توسيع سلطات مجلس الأمن لكونه ولأول مرة ينص بصراحة لا غموض فيها على ربط انتهاكات حقوق الإنسان في الدولة مع تهديد السلم والأمن الدوليين.
وقد استندت كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى القرار 688 لتبرير العملية العسكرية التي قامت بها في شمال العراق، والتي أطلق عليها اسم عملية (بروفايد كمفورت) من أجل حماية الأكراد، مع العلم أن هذا القرار لم يتضمن أي تفويض لهذه الدول من طرف مجلس الأمن باستخدام القوة في شمال العراق أم في جنوبه، إضافة إلى هذا فإن القرار لم يصدر سندا لأحكام الفصل السابع من الميثاق وحرص على تأكيد الحكم المقرر في المادة 2/ 7 من الميثاق المتعلق بتحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من قبل منظمة الأمم المتحدة أو الدول.

التدّخل الإنساني في الصومال

يعد التدخل العسكري الدولي في الأزمة الصومالية نموذجا هاما لتقييم مشروعية التدخل في الشؤون الداخلية للدول لاعتبارات إنسانية دون رضا الدولة المعنية وذلك سواء بالنسبة لتدخل الأمم المتحدة كمنظمة دولية، أو بالنسبة لبعض الدول التي تدخلت في الصومال تحت مظلة الأمم المتحدة من الناحية الرسمية لكن دون أن ترتبط المنظمة بشكل مباشر وفعلي بذلك التدخل سواء من حيث قيادة عملية التدخل أو من حيث سير العمليات العسكرية والأهداف المحددة لها.
فقد ترتب على الإطاحة بنظام سياد بري بتاريخ 21/ 11/ 1992 انتشار الفوضى في الصومال بسبب تنازع 14 حركة التي كان من أهمها مؤتمر الصومال الموّحد بزعامة محمد فرح عيديد، والتحالف الوطني لإنقاذ الصومال بزعامة علي مهدي، إضافة إلى ذلك فقد أعلن الشمال عن قيام دولة مستقلة، كما كشف مركز الدراسات الإستراتيجية بلندن عن مقتل 75 ألف صومالي منذ اندلاع الحرب بالصومال سنة 1991 إلى غاية 1994، هذه الأوضاع جعلت المسؤول المؤقت عن أعمال بعثة الأمم المتحدة في الصومال يناشد مجلس الأمن بالتدخل لتقديم المساعدات الإنسانية عن طريق الرسالة المؤرخة في 20/ 09/ 1991، التي سبقتها رسالة وجهها الرئيس عبدو ضيوف رئيس المؤتمر الإسلامي إلى مجلس الأمن في ديسمبر 1991 تتضمن نفس الغرض، هذه المعطيات كلها دفعت بمجلس الأمن إلى الانعقاد وإصدار القرار 733 بتاريخ 23/01/ 1992.
تضمن القرار 733 مجموعة من البنود التي تؤكد على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية الفورية من قبل الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصّصة إلى الصوماليين مع تعيين منسق يشرف على توزيع هذه المساعدات، غير أن هذا القرار لم يحقق الغايات التي شرع من أجلها، وهو ما زاد من حدة المآسي الإنسانية للسكان الصوماليين بشكل يهدد السلم والأمن الدوليين وهو ما دفع بمجلس الأمن إلى إصدار قرار آخر تحت رقم 571 المؤرخ في 24 أفريل 1992 والذي يتضمن تشكيل قوة أمن أممية تهدف إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الصومال، كما أصدر القرار 775 بتاريخ 28 أوت/ أغسطس 1992 يؤكد فيه ضرورة حماية ميناء مقديشو ومرافقة قوافل الإغاثة الإنسانية حتى وصول المساعدات الإنسانية إلى مراكز التوزيع وحماية هذه المراكز.
إلا أن قوات الأمم المتحدة فشلت في تحقيق أغراضها بسبب قلتها حيث قدرت بحوالي 500 جندي من القبعات الزرق، وهو ما جعل الأمين العام يصرّح أن هذه العملية لم تف بأغراضها، مما أدى بمجلس الأمن إلى إجازة التدخل الدولي في الصومال بموجب القرار 794 الصادر في 03 ديسمبر 1994، حيث عبر المجلس عن قلقه من حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها الصومال والتي تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وقد قام بإرسال قوات عسكرية إلى الصومال لضمان وصول المساعدات الإنسانية في إطار عملية إعادة الأمل.
يتفق الفقه الدولي على أن مجلس الأمن قد تدخل بشكل متأخر في الصومال على خلاف التدخل في العراق الذي كان سريعا، كما لم يقم المجلس بشكل مباشر بقيادة القوات الأممية بل عهد بها إلى الولايات المتحدة التي كانت تريد تكوين حكومة موالية لها، إضافة إلى أن مجلس الأمن لم يكن يشرف على مباشرة على التدخل العسكري في الصومال فانحرفت به الولايات المتحدة لتحقيق أغراضها، فبدلا من توزيع المواد الغذائية وتحقيق المصالحة بين الأطراف المتنازعة راحت الولايات المتحدة تلاحق محمد فرح عيديد وتقتل الصوماليين وتهتك أعراض النساء، كما قامت القوات الكندية بنفس التصرفات مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من الصوماليين إلى إثيوبيا وكينيا نتيجة لتجاوز القوات الأممية أهدافها.

 التدخل العسكري في ليبيا

بدأت المظاهرات السلمية في ليبيا والمطالبة برحيل نظام معمر القذافي بتاريخ 17 فيفري 2011، إلا أن هذه المظاهرات قوبلت بقمع عسكري من طرف النظام الليبي مما تسبب في نشوب نزاع مسلح بين النظام والثوار أدى إلى استمرار القذافي في استخدام الطائرات والأسلحة الثقيلة المختلفة ضد المدنيين العزل من أجل قمع ثورتهم، كما اضطر الثوار إلى الانسحاب من المدن التي سيطروا عليها وواصلت قوات القذافي زحفها حتى أصبحت على مشارف مدينة بنغازي، وهي المعقل الأخير للثوار، ولم يعد بالإمكان السكوت عما حدث من جرائم ومجازر وما قد يحدث من جرائم ومجازر أشد شناعة؛ فطلبت دول مجلس التعاون الخليجي عقد اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية للبحث في كيفية وضع حد لجرائم نظام القذافي، وانعقد اجتماع مجلس الجامعة في القاهرة بتاريخ 12 مارس/ آذار 2011، وأصدر قرارا تضمن عددا من التدابير والإجراءات، منها دعوة مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي فورا وإقامة مناطق آمنة في الأماكن المتعرضة للقصف كإجراءات وقائية تسمح بتوفير الحماية لأبناء الشعب الليبي والمقيمين في ليبيا من مختلف الجنسيات.
نتيجة لهذه الدعوة أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1970 بتاريخ 27 فيفري 2011 يدعو فيه إلى الوقف النهائي لأعمال العنف واتخاذ تدابير للاستجابة للتطلعات المشروعة للشعب الليبي، كما اعتبر أن الهجمات الواسعة والممنهجة التي حصلت في ليبيا ضد المدنيين يمكن أن ترقى إلى تصنيف الجرائم ضد الإنسانية، ثم قام بإحالة الوضع في ليبيا منذ 15 شباط (فبراير)2011 إلى المدعي العام المحكمة الجنائية الدولية؛ وقد تضمن القرار 1970 أيضا حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا ومنع عبور أو دخول القذافي وبعض أفراد أسرته ومعاونيه إلى أراضي الدول الأعضاء، زيادة على التجميد الفوري لجميع الأصول والموجودات المالية الأخرى والموارد الاقتصادية الموجودة على أراضيها والمملوكة أو المدارة مباشرة أو غير مباشرة من جانب هؤلاء الأشخاص، كما قرّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة وقف عضوية ليبيا في مجلس حقوق الإنسان.
بناءً على ذلك قامت الدول الأعضاء في حلف الناتو بالتدخل العسكري في ليبيا في مارس 2011، وقد برّرت تدخلها العسكري هذا على أنه تدخل يستند إلى الترخيص الممنوح لها من طرف مجلس الأمن بموجب القرار 1973 (2011)، كما عملت الدول الأعضاء في الحلف على إسقاط نظام العقيد معمر القذافي من خلال تنفيذ الحظر الجوي على ليبيا بهدف حماية المدنيين، لذلك فإن القرار 1973 يُجسِّد مبدأ مسؤولية المجتمع الدولي في التدخل العسكري لحماية المدنيين من خلال طلب جامعة الدول العربية من مجلس الأمن أن يتحمل مسؤوليته في حماية المدنيين في ليبيا.
«يتبـــــع»