يتفق، أغلب الباحثين في فنون المسرح الجزائري، التراث كان دائما مصدر إبداع هام، خاصة بالنسبة للكتاب المسرحيين والنقاد، كما يؤكد الكاتب المسرح العربي بولبينة، الذي وظّف التراث في أغلب كتابته مستعملا رؤى مختلفة، تحكي واقع الجزائر، من خلال في توظيف العناصر التراثية، كالراوي، الحلقة، الحكاية الشعبية.
يعتقد الكاتب والناقد المسرحي العربي بولبينة الذي شارك في العديد من المهرجانات المسرحية الوطنية والعربية والدولية، ككاتب وكعضو لجان تحكيم وكناقد، أن التراث لعب دورا هاما في قيام مسرح جزائري يحمل خصوصيات تعكس واقع الجزائريين وطموحاتهم، من خلال التعبير عن همومهم وانشعالاتهم، ويضيف أن التجارب المسرحية في الجزائر التي قامت بتوظيف المعطى التراثي في المسرح الحديث كثيرة.
المسرح الجزائري أكثر الفنون توظيفا للتراث
وسواء أكان مسرحا في عبق التراث، أم تراثا محمولا في عرض مسرحي، فإن المسرح يبقى أبو الفنون، ومرآة المجتمع وجوهر الجمال لديها، أما التراث فهو روح ذلك المجتمع ونبض وجوده وهويته، التي تميزه عن غيره من المجتمعات ليكونا معا المخزون الحضاري والثقافي.
ويفصل الكاتب بولبينة في حديثه أكثر بالقول «لقد تتبعت مسيرة المسرح الجزائري، ولعلني كنت من بين الكثيرين المتابعين لتلك المسيرة كتابة ونقدا وتحكيما، ومن خلال احتكاكي القريب بالحركة المسرحية الجزائرية سواء في جناحها الهاوي مثل المهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم، أم جناحها المحترف على غرار المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالعاصمة، أو المهرجان الوطني الأمازيغي أو حتى المهرجان الوطني للمسرح النسوي بعنابة...وغيرها كثير، بالإضافة لمشاركتي في عديد الملتقيات المسرحية، والتي سمحت لي بالتعرف على الكثير من رموز المسرح الجزائري وأعلامه الكبار، فإنني ـ يضيف متحدثا لجريدة «الشعب» - لاحظت ظاهرة الحضور القوي للتراث بمختلف تجلياته في عموم الإنتاج المسرحي الجزائري، حتى أنه يمكن القول بأن المسرح هو أكثر الأشكال الفنية حملا للتراث واحتضانا وتوظيفا له، لتحقيق الأهداف السياسية والاجتماعية والفنية التي يهدف إليها المسرحي من وراء ذلك التوظيف.
العملاق علولة من أوائل موظفي التراث في المسرح
يعتبر الكاتب المسرحي بولبينة العربي، أن العملاق عبد القادر علولة، من أوائل المسرحيين الذين وظّفوا التراث في المسرح بمختلف أشكاله، من خلال القوال والحلقة، وأنا ككاتب مسرحي لا أكتفي فقط بحضور التراث في المسرح الجزائري، بل اعمد إلى تحليل أهداف ذلك الحضور، من منطلق أن توظيف التراث يقوم أساسا على رغبتي في إيجاد مساحة من التواصل بين الماضي الذي تمثله العناصر التراثية المستلهمة، وبين الحاضر الذي تمثله القضية المطروحة في الواقع المعيش.
وبالعودة إلى مسرح علولة نجد مليء بالتراث شكلا ليجنب المتفرجين الانبهار، وهو يحمل فكرا اشتراكيا ومارس مسرحه بصفته مناضلا يساهم في توعية الجماهير بواسطة مسرح يمجد الكادحين ويحارب كل مظاهر المحسوبية والرشوة والنهب والبيرقراطية، وغير ها من السلوكات التي كانت منتشرة في وقت ما.
فقام بمسرح الحلقة وجربه من خلال 3 مسرحيات ما بين 1982 و1988 يوظف لقوال ويوظف السرد، وذلك من خلال مسرحيته الشهيرة الموسومة بعنوان «الأجواد».
فكان يقول دوما - حسب المتحدث - أن «الناس تبصر بآذانها»، فتوظيف التراث في المسرح بحنكة وذكاء وإبداع علولة كان يحتاج إلى ثقافة مسرحية عالية متعمقة وإلماما كبيرا بالتراث الجزائري ليخرج من لقاء التراث والمسرح إبداع فني يحقق المتعة لدى المتفرج، وهو ما كان علولة دوما حريصا عليه.
ويشير المسرحي بولبينة إلى ضرورة تبني مفهوم واضح ومحدد لماهية التراث والمسرح، والعمل على بلورة ذلك في تصور جاد وعملي من نواحي الفكر والجمال والممارسة.
وأوصى في الختام بأهمية التنسيق وتبادل الخبرات بين المشتغلين والباحثين في الحقلين الفني المسرحي والتراث المادي واللامادي والفنون الشعبية، إضافة إلى التفكير في إبرام شراكات وخلق توأمات حول التراث مع فعاليات مسرحية محلية ووطنية ولما لا دولية بهدف تبادل الخبرات والتجارب وتعميق الممارسات وإنضاج الأفكار خدمة للجزائر دائما ولتاريخها وحاضرها ولمستقبل أفضل.