طباعة هذه الصفحة

التأسيس للنموذج الاقتصادي الجديد

الصناعة عصب النمو..

فضيلة بودريش

مؤشرات  إيجابية تشجع على دفع القاطرة

في البداية يجب الوقوف على حجم الإمكانيات المالية، التي رصدت لتأهيل الآلة الإنتاجية، وما صاحبه من تشجيع استحداث المؤسسات الصناعية، وبما فيها بناء الهياكل القاعدية، وتهيئة الحظائر الاقتصادية، وكذا حجم التمويلات القرضية، لانعاش وتوسيع نطاق الاستثمارات سواء تلك المحلية، أو المبنية على أسس الشراكة، ورغم الانتقادات التي طالت القاعدة 49 / 51، إلا أن الشراكة حقّقت مكاسب لا يمكن إنكارها، نذكر من بينها عدة مشاريع عبر عدة قطاعات على غرار «بلارة» للحديد واستثمارات في الاسمنت وقطاع الميكانيك والصناعات الصغيرة والمتوسطة بما فيها الالكترونية.
وجميع الظروف هيّأت اليوم، لكن يبقى العصب القوي لتحريك دواليب النمو، يتمثل في المنظومة البنكية المرشحة للرفع من وتيرة نشاطها، والتي صارت في الوقت الراهن مؤمنة، في ظلّ احتياطي الصرف الذي مازال معتبرا، رغم انكماش إيرادات المحروقات، يصاحبها إدراك وإرادة لعقلنة استعمال هذه الموارد، لاسيما وأن السنة الثانية من العهدة الرابعة اختتمت بانطلاق القرض السندي، وسبقته عملية الامتثال الضريبي لامتصاص السوق الموازية، مع الصمود الذي حقّقته بورصة الجزائر، برغم تحديات المحيط الذي كان يميل نوعا ما إلى السلبية بسبب عدم تفاعل القطاع الخاص معها.   
وبنظرة استشرافية لعام 2016، يمكن القول إن الصناعة عصب النمو سوف تواصل وتيرة التطور رغم صعوبات المرحلة، بل إن السنة الجارية تعد سنة مفصلية بالنسبة للاقتصاد الوطني، خاصة ما تمّ إدراجه من تعديلات في وثيقة الدستور. إلى جانب الحركية الكبيرة التي تمّ تسجيلها لإنشاء المزيد من النسيج الصناعي مع شركاء أجانب ومحليين من القطاعين العمومي والخاص.
الصناعة..  مؤشرات تعكس النجاعة
يمكن القول إن الاستثمار الصناعي سجل نموا وتطورا محسوسا في عام 2016 ، فكانت سنة الصناعة بدون منازع، من خلال انتعاش صناعة الفولاذ والتخطيط لإطلاق الشركات الناشطة في مجال النسيج، الذي ظلّ غائبا طيلة أزيد من عشريتين كاملتين، بالرغم من الإمكانيات والطاقات التي تتوفر ببلادنا، ولعلّ أكبر المكاسب المحققة، وتستدعي تسليط الضوء عليها، استرجاع الدولة لمركب الحجار «رمز الصناعة الوطنية» قصد إدماجه في معركة التنمية الوطنية، التي تحتاج إلى كل القدرات مادية كانت أو بشرية، وتعكس استعادة هذا المركب الضخم على استمرار الدولة وإصرارها على الحفاظ على القاعدة الصناعية الصلبة، ويأتي مركب «بلارة» الذي تمّ إنشائه بالشراكة الأجنبية، ليعزز القاعدة الصناعية التي تصبو إليها الجزائر مع انفتاحها الكبير على التنوع الصناعي بعيدا عن ما توفره ثروة المحروقات من ثروة، وينتظر من هذه المركبات وأخرى، الجاري إنشائها تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تلبية الطلب الداخلي، يضاف إليها المشاريع العديدة التي مازالت تطلق من مصانع ومركبات، علما أن القدرة الإنتاجية لمركب الحجار وحده  عقب الانتهاء من عمليات الترميم والصيانة الحديثة، التي يستفيد منها إلى جانب تكوين ورسكلة عماله، مرشحة للقفز إلى سقف الـ 1.6 مليون طن مع نهاية 2017، وسوف يحقّق ذلك لأول مرة منذ نشأته، ويتوقع أن يسمح كل ذلك باسترجاع الحجار توازنه المالي وبلوغ مرحلة جني الأرباح، حيث ينتظر من تحقيقها تحرره النهائي من الاستعانة من دعم الدولة المالي، مع حلول آفاق عام 2018. وبلغة الأرقام ناهز حجم نمو قطاع الصناعة خلال السداسي الأول من السنة الفارطة نحو5.7 بالمائة، ويرتقب أن تواصل منحى الارتفاع، بفعل الإجراءات التي جاء بها قانون المالية، نذكر من ضمنها إرساء حقّ المقاولة الصناعية للمتعامل الاقتصادي الخاص الذي صار بإمكانه تجهيز وتسيير مناطق صناعية على ممتلكاته الخاصة، إلى جانب المساواة التي نصّ علىيها الدستور بين المؤسسة الاقتصادية العمومية والخاصة، ويبدو أن مشاكل الاستفادة من العقار سوف يطوى بشكل نهائي مع مطلع شهر جوان المقبل، حيث يجري بشكل متقدم تهيئة الحظائر الاقتصادية وإحصاء تلك غير المستغلة وتسليمها للمستثمرين الجادين حتى تستغل بالشكل المطلوب في التنمية والإنتاج. ومن الصناعات التي يعوّل عليها وينتظر تكثيفها عقب الانتهاء من جاهزية العقار الصناعي، نذكر الصناعات الصغيرة والمتوسطة الغذائية التي تعرف بالجودة من خلال الاستغلال الفعلي للمنتجات الفلاحية لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتوجه فيما بعد نحو التصدير للأسواق القريبة في إفريقيا والوطن العربي، ولا يجب أن نغفل على ما تصبو إليه الصناعة الميكانيكية وعلى رأسها الصناعة الميكانكية العسكرية وكذا مركب «رونو الجزائر»، والتطلع القائم من خلال التخطيط والتسطير لإطلاق شراكات مثل هذه الصناعات الناشئة لتطوير وجه وأداء الصناعة الميكانكية الجزائرية، سواء ما تعلّق بصناعة وتركيب السيارات أو الشاحنات والجرارات ومختلف وسائل النقل. إذا مستقبل الصناعة في الجزائر يعد بالكثير من المفاجئات، خاصة إذا ما تمت ترجمة الرؤية الحالية المرتكزة على إنشاء نسيج متنوع ومكثف من المؤسسات الصناعية في مساحات واسعة من العقار المهيأ.
 ثلاثية بسكرة حددت المعالم
وكانت ثلاثية بسكرة قد حددت معالم الرهانات الاقتصادية الكبرى وحسمت في رفع العراقيل، التي حالت دون تسريع الوتيرة التنموية، ودعمت الجهود التي بذلت في مجال استحداث المؤسسات وخلق مناصب الشغل، وفي ترقية الأداء الاقتصادي على أرض الواقع، وتمّ الاتفاق على ضرورة مواصلة التعجيل بتكريس نجاعة المنظومة الاقتصادية، كونها السبيل الوحيد القادر على تحرير القدرات وعدم الاعتماد الكلي على ثروة المحروقات، وجاء التمسك بالعقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي للنمو حتى تستمر المؤسسة في التطور والعطاء بمساعدة جميع شركائها، سواء العامل ممثلا في نقابته أو الإدارة التي تسهل كل ما من شأنه أن يحقق إضافة في الحياة الاقتصادية، وتحقّق ذلك في سنة يمكن وصفها بسنة استقرار في عالم الشغل الاقتصادي. وأبقت آخر ثلاثية ذات طابع اقتصادي عقدت خلال الخريف الماضي والتي تمكنت من خطف تقارب وجهات النظر جميع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعين وكذا الحكومة حول التوجهات الكبرى للإقلاع الاقتصادي القوي، والاستمرار في دعم المؤسسة لكن مع التزام هذه الأخيرة برفع تحدي النمو وتقديم بديلا للتسهيلات التي تستفيد منها من خلال طرح منتوج منافس بسعر مغري والانخراط في مسعى امتصاص البطالة، وتهيئة قدراتها لاقتحام تنافسية الأسواق. وشكّل إطلاق القرض الاستهلاكي الذي تمّ الاتفاق عليه في هذه القمة الثلاثية، خطوة مهمة وإضافة للإجراءات الاقتصادية لصالح المؤسسة والمستهلك على حدّ سواء من خلال تشجيع الإنتاجية والادخار بالنسبة للمواطن. ويشكل مشروع النموذج الاقتصادي الجديد، إحدى الخيارات التي سيبنى عليها الاقتصاد الجزائري المتنوع والمتحرر من ثروة النفط، بل سيكون خارطة تجمع القطاعات المنتجة وتبلور القدرات البشرية والمالية في مسعى حقيقي وجاد يسمع بالرفع من وتيرة النمو وتكثيف الإنتاج، الذي يجعل من الجزائر بلدا مصدرا بدل بلد يتجه نحو الاستيراد، علما أن هذا النموذج الاقتصادي الجديد الذي ينتظر أن يتم إطلاقه خلال شهر أفريل الجاري ويمتد تجسيده في الفترة مابين 2016، إلى غاية آفاق 2019، سوف يبني ويؤسس لمرحلة جديدة يعاد فيها الاعتبار لكل ما يصنع محليا بل سيعتمد كثيرا على تثمين الابتكار واللجوء إلى كل ما تتوصل إليه المخابر العلمية، بهدف تطوير المنتوج والتقليص من كلفته حتى يجد مكانا له في الأسواق بسهولة ويلقى الرواج المطلوب والذي سيساعد المؤسسة على الاستمرار وعلى التوسع والتطور نحو الأمام. ويتضح جيدا أن النموذج الاقتصادي الجديد سيكون دون شك قاطرة التحرر من ثروات النفط، وإحدى البدائل الحقيقية التي سوف تحقّق نجاعة الاقتصاد الوطني المنشود والذي يرفع المؤسسة إلى صدارة المشهد الاقتصادي بل يجعلها عصب التنمية الوطنية.
وجهة مغرية للاستثمار
 وبدا مناخ الاستثمار يستعيد انتعاشه شيئا فشيئا، بالنظر إلى بروز اهتمام بالشراكة مع المتعاملين الجزائريين من طرف عدة دول في مختلف القارات، رغم القاعدة الاستثمارية49 / 51، التي ثبت أنها لا تشكل أي عائق أمام المستثمرين الحقيقيين وفي ظلّ المزايا التي تتوفر عليها الجزائر بعد توفير العقار الصناعي، وتحسين مناخ المؤسسة والتسهيلات المدرجة للمهتمين بإنشاء مؤسسات إنتاجية عن طريق الشراكة، ولا يمكن الحديث عن الاستثمار دون الوقوف على مشروع القانون الجديد للاستثمار والذي يرتقب مناقشته في الأيام القليلة المقبلة داخل قبة البرلمان ويوصف بالنص التشريعي المحفز على اعتبار أنه يتوفر على ميكانزمات تلتزم بتحسين الاستثمارات الخارجية في الجزائر، إلى جانب إزالة العراقيل والحرص على مرافقة المستثمر والسهر على تحسين مناخ الأعمال واستحداث شباك جديد موحد للاستثمار، ويعكس حجم تدفق القروض إلى سير المنظومة البنكية والمصرفية باتجاه توسيع حصتها في مرافقة الاستثمار الذي بات الحل الوحيد لتحقيق تنوع وتعدد منتوجات الاقتصاد الوطني، ومن السبل التي تمكن من تكثيف وتقوية نسيج صناعي يرقى إلى ذلك الإنتاج الذي وصلت إليه الدول الناشئة، وكون الجزائر تسعى في المرحلة الأولى من إطلاق النموذج الاقتصادي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي واستهلاك على الأقل ما تنتج من أجل تخفيض فاتورة الواردات، التي تثقل كاهل ميزانيتها وتستنزف احتياطاتها الصرفية، والتوجه بعد ذلك نحو أسواق خارحية، بعد أن تكون قد فرضت قوة منتوجها داخل السوق المحلية وقامت بتطويره أكثر ودونه شك التخفيض من تكلفته. وتبقى حلول الاعتماد على المؤسسة الإنتاجية من الرؤى السليمة التي يتفق عليها جميع الشركاء الفاعلين، ولعلّ الانطلاق بعد سنة من التخطيط يأتي مواتيا في ظرف اقتصادي ومالي لا يخلو من الصعوبة، والمطلوب من البنوك اليوم الكثير من المرونة والاستجابة لمتطلبات السوق الاقتصادية، لمواكبة النصوص التشريعية وما تجسد على صعيد العقار الصناعي، حتى لا تستغرق عملية نشأة المؤسسة مدة أطول، بل البنك مدعو من أجل تقديم خدمات سريعة تتوافق والظرف الاقتصادي الجديد.