الحلول الأمنية المحضة ولّدت المزيد من الدمويين
حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم الجمعة الماضي، من أن تنظيم «الدولة الإرهابية» (داعش) ودمويون آخرون ينتشرون كمرض السرطان في أرجاء العالم، داعياً الدول إلى مزيد من التعاون لمكافحة آفة الإرهاب.
وقال بان كي مون خلال المؤتمر الدولي حول مكافحة التطرف الذي احتضنته جنيف نهاية الاسبوع الماضي: «يجب علينا وضع مسألة الوقاية في طليعة جهودنا، وهناك أدلة موجودة تظهر أنه لا يمكن للجهود الأمنية والعسكرية وحدها أن تتغلب على هذه الآفة».
وخلال المؤتمر الذي جمع نحو ثلاثين وزيراً ونائب وزير، دعا الأمين العام الأممي هذه الدول إلى العمل على وضع سياسات وطنية تستند إلى حوالى 70 توصية قدمتها الأمم المتحدة في خطتها للعمل على مكافحة الإرهاب العنيف في جانفي الماضي.
وأشار بان إلى أنه سيشكل مجموعة عمل رفيعة المستوى لتعبئة منظومة الأمم المتحدة بأسرها لتنفيذ الجهود التي تتطلبها خطة العمل، داعياً الدول إلى تعزيز التعاون الدولي.
الوقاية بعيدا عن الحلول الأمنية والعسكرية
المؤتمرالدولي الذي انعقد يومي 7 و8 أفريل 2016 في جنيف بالتعاون بين الأمم المتحدة وسويسرا هدف إلى توحيد الجهود من أجل محاربة تجنيد الشباب في صفوف المجموعات الإرهابية مثل «داعش». ومن أجل تحقيق ذلك، راهن المنظمون على جملة من التدابير كتوفير الوقاية الإجتماعية والإقتصادية، بما يتجاوز المقاربة الأمنية والعسكرية الصرفة التي سادت منذ هجمات 11 سبتمبر 2001.
من بين الأسئلة التي تُطرح اليوم في أزيد من مائة بلد انضمّ بعض شبابه إلى مقاتلي تنظيم «الدولة الإرهابية « في سوريا والعراق، لماذا تحظى هذه المنظمات بجاذبية وإقبال واسعيْن لدى الشباب؟ ويردّ ستيفان هوسّي، السفير السويسري، المكلّف بمهمّة محاربة الإرهاب في إطار المنظمات الدولية قائلا: «لا يمكننا معالجة هذه المشكلة فقط من خلال تعبئة الشرطة والقضاء والجيش».
حول هذه المقاربة دارت فعاليات مؤتمر «الوقاية من التطرّف العنيف» الدولي الذي استضافته جنيف.
وبالنسبة لسويسرا التي رعت المؤتمر مع الأمم المتحدة، تتنزّل مكافحة التطرّف العنيف في إطار الإلتزام بالسلام والتنمية المستدامة وحماية حقوق الإنسان، وتسوية النزاعات، إلى جانب التعاون الإنمائي.
وخلص المؤتمر إلى أن جميع البلدان معنية بظاهرة التطرّف العنيف، إذ لا يوجد بلد بمعزل عن هذه الظاهرة، وشدّد على أن العالم اليوم أحوج من أي وقت مضى للتعاون بين جميع الأطراف لدحر الإرهاب، فقد أثبتت المقاربة الأمنية، والوسائل العسكرية - رغم أهميتها- أنها غير كافية.
ووفقا للسفير السويسري، فإن «المقاربة الأمنية المحضة ربّما ولّدت المزيد من الإرهاب بدلا من القضاء عليه».
ردّ متعدد الأوجه على الإرهاب
سعى هذا المؤتمر والسياق الدبلوماسي الذي انعقد فيه، إلى دفع البلدان المشاركة إلى استخلاص الدروس من فشل «الحرب على الإرهاب» التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2011 في كل من أفغانستان والعراق. كما سعى إلى تجنّب الوقوع في نفس الأخطاء خاصة بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة التي ضربت كل من فرنسا وبلجيكا.
في هذا السياق، أوضح المجتمعون «أن المطلوب اليوم هو العمل على تطوير التعاون الدولي من أجل التنمية، وتعزيز السلام، والأمن الإنساني»، فهذا التوجّه الجديد سوف يكون العنوان الرئيسي لخطّة لمكافحة الإرهاب.
يمكن القول أيضا أن هذا المؤتمر كان نقطة تحول بالنسبة للأمم المتحدة، حيث أنه التئم بعد مرور عشرة أعوام من اعتماد الجمعية العمومية لـ «الخطة الدولية لمكافحة الإرهاب» يوم 8 سبتمبر 2006 تحديدا، التي تأسست على مقاربة أمنية وعسكرية محضة. ومن المقرر أن تقوم البلدان الأعضاء في المنظمة الأممية بإجراء تقييم لهذه السياسة في شهر جوان المقبل.
خطة عمل للوقاية من التطرّف العنيف
في هذا المنظور، حدد الأمين العام المنتهية ولايته، بان كي مون، رسميا في شهر ديسمبر 2015 «خطة عمل للوقاية من التطرّف العنيف»، تقترح جملة من التدابير في مجال منع النزاعات، وتعزيز الحوكمة الرشيدة، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وإشراك السكان في إدارة الشأن العام، وتعبئة الشباب، والمساواة بين الجنسين، والتعليم، وتسهيل الحصول على فرص العمل، والتواصل الناجح عبر الإنترنت وشبكات التواصل الإجتماعي.
وكل بلد مدعوّ للإستلهام من هذه الخطة ومن هذه المقاربة لوضع خطة وطنية مناسبة للوضع المحلّي الخاص به.
تعريف موحّد للإرهاب
هذه هي المهام الكبيرة التي كلّفت بها الأمم المتحدة منذ إنشائها في أعقاب الحرب العالمية الثانية والتي تم استدعاؤها من جديد خلال التفكير في الإجراءات الواجب اتخاذها لمكافحة التطرّف العنيف، الذي يظل مصطلحا غامضا نوعا ما، لأن أعضاء الأمم المتحدة فشلوا في التوصّل حتى الآن إلى تعريف مشترك لما هو»الإرهاب».
أحد أسباب هذا الغموض هو حرص الأمم المتحدة على عدم وصم أي جهة أو أي شخص. ولقد شدّدت البلدان الأعضاء خلال تبنيها واعتمادها لخطة العمل التي وضعها الأمين العام للمنظمة الأممية على أن التطرّف العنيف «لا يُمكن، بل ولا يجب أن يُلصق بأي دين، أو أي شعب، أو أي حضارة أو أي ثقافة، أو أي عرق».