الاحتلال يسعى لتحوير أنظار الداخل والخارج عـــن حقيقـــة النـــــزاع في الصحــراء الغربيـة
سحب المغرب لموظفيه من المينورسو دعوة للحرب
اعتبر السيد عمرون محمد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو في حواره مع «الشعب»، أنّ الحملة المسعورة التي يشنّها المغرب ضدّ الامين العام للأمم المتّحدة بان كي مون، هي تهييج دبلوماسي وشعبي ممنهج يعكس مرحلة اللّاتوازن التي فقد من خلالها النظام المغربي القدرة على مزيد من سياسة تغليط المجتمع الدولي وسعيه لفرض الأمر الواقع في الصحراء الغربية.
وقال الاستاذ عمرون أن الاحتلال المغربي عمل على شخصنة النزاع بينه وبين بان كي مون من أجل تحريف النزاع عن طابعه الاصلي والقفز على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وأضاف بأن سحبه لموظفيه من بعثة «المينورسو» هو تصرّف غير مسؤول ودعوة مباشرة للحرب، ما يعني أنّه أصبح خطرا على المنطقة.
وختم مؤكّدا بأنّ تعاطي الأمم المتحدة مع القضية الصحراوية سيختلف لاحقا من مجرّد نزاع خامد إلى نزاع يستعجل الحلّ.
«الشعب»: ما زال المغرب يشنّ حملته المسعورة على الأمين العام للأمم المتحدة، فما القصد منها، وإلى أي هدف ترمي؟
الأستاذ عمرون محمد: بالفعل، نحن نشهد خلال هذه الفترة ومنذ زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للمنطقة، تهييجا دبلوماسيا وسياسيا وشعبيا ممنهجا من قبل النظام المغربي ضد الأمانة العامة للأمم المتحدة وبالتحديد ضد أمينها العام «السيد بان كي مون»، وقد تجاوزت هذه الحملة حدود الأعراف الدولية وحتى حدود اللباقة في التعامل مع شخصية أمين عام أكبر منظمة دولية، وما الشعارات التي رفعت في مسيرة الدار البيضاء بحضور مسؤولين في الدولة المغربية، والقرارات المتخذة بعد ذلك، إلا تعبير واضح عن مستوى التعاطي «غير المسؤول» لهذا النظام مع نزاع الصحراء الغربية، فردة الفعل المغربية أكدت وصول هذا النظام إلى مرحلة «اللاتوازن» التي فقد من خلالها القدرة على مزيد من سياسة التغليط للمجتمع الدولي، فتوالي الأحداث في السنوات القليلة الأخيرة المعاكسة لتوجهات النظام المغربي في سعيه لفرض الأمر الواقع في الصحراء الغربية، جعلته يدرك حقيقة العزلة الدولية التي يعيشها، بدءا بأحداث مخيم أكديم ازيك في 2010، مرورا برفض الأمم المتحدة طلب المغرب بتغيير المبعوث الأممي للصحراء الغربية «كريستوفر روس»، وصولا إلى موقف المحكمة الأوروبية القاضي بعدم شرعية اتفاق التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي الخاص بالمنتجات الفلاحية القادمة من الصحراء الغربية، وقبلها جنوح دولة السويد للاعتراف بجبهة البوليساريو كممثل شرعي وحيد للشعب الصحراوي.
في ظلّ كل هذه المعطيات جاءت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للمنطقة لتؤكد كل ذلك، حيث زار «بان كي مون» مخيمات اللاجئين واطلع على معاناة اللاجئين الصحراويين لمدة فاقت 40 سنة، كما زار الأراضي المحررة الصحراوية كأول امين عام أممي يقوم بذلك، وأبدى أسفه وتعاطفه مع وضعية اللاجئين الصحراويين واعترف بتخلي المجتمع الدولي عنهم، واعتبر التواجد المغربي في الصحراء الغربية احتلالا، وعاد لخيار الاستفتاء كأحد حلول هذا النزاع.
كل هذه النتائج «غير المتوقعة» من قبل النظام المغربي للزيارة الأممية، جعلت من ردات فعله تتسم بالعشوائية والشعبوية، فعمل على «شخصنة» النزاع بينه وبين الأمين العام، من أجل تحوير أنظار الداخل والخارج عن حقيقة النزاع الدائر بين المغرب والبوليساريو، وسوّق للمسألة وكأنها مجرد نزاع مع أمين عام تمّ تغليطه، والحقيقة أن المغرب في نزاع مع المجتمع الدولي ممثلا في منظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي لتجاهله حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
كما أن المغرب ومن خلال هذه الحملة يريد أن يرسل رسالة للأمين العام القادم للأمم المتحدة، وأن يضع له من الآن مجموعة من المحددات والحدود، حتى لا تتكرر معه مثل هذه الأحداث التي من شأنها توجيه أنظار العالم إلى معاناة الشعب الصحراوي سواء في اللجوء أوتحت الاحتلال المغربي.
بان كي مون سمىّ الأشياء بمسمياتها ووصف التواجد المغربي بالصحراء الغربية احتلالا ما يعني أنه لم يخطئ؟
إن التواجد المغربي في الصحراء الغربية إما أن يكون شرعيا أو غير شرعي، والقانون الدولي ولوائح الأمم المتحدة واضحة في هذا الشأن، حيث أن هناك مجموعة من اللوائح الدولية والقرارات الأممية تؤكد عدم شرعية التواجد المغربي في الصحراء الغربية، بدءا باللائحة الأممية رقم 1514 الصادرة سنة 1960 الداعية لمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة وإدراج الجمعية العامة للأمم المتحدة - وبموافقة المحتل الإسباني آنذاك - إقليم الصحراء الغربية ضمن لائحة الأقاليم غير المستقلة، إضافة إلى قرار محكمة العدل الدولية سنة 1975، والذي نصّ صراحة أن لا سيادة للمغرب على هذا الإقليم، ولا يوجد ما يستوجب تغيير تطبيق اللائحة الأممية 1514، وبالتالي كل ما قامت به المملكة المغربية لفرض الواقع على الشعب الصحراوي سواء بتقسيم أرضه بينها وبين موريتانيا سابقا أو غزو الأراضي الصحراوية في ما يسميه النظام المغربي بـ «المسيرة الخضراء»، هو اعتداء صارخ على حقّ تقرير مصير هذا الشعب المكفول له من قبل الأمم المتحدة.
المغرب يتواجد بالقوة في أرض ليست ملكه، ويستنزف خيرات شعب لم يُخوّل له التصرف فيها، وهو ما يجعله ينطبق عليه اسم «المحتل». وعليه فالأمين العام «بان كي مون» حرّك المياه الراكدة للنزاع، وكانت له الجرأة أن يعبّر بلسان حال القانون الدولي ويقول الحقيقة كما رآها واضعا الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية.
ألا تتفقون معي بكون حملة المغرب في هذا الوقت بالذات ترمي إلى التأثير على القرار الذي سيصدره مجلس الأمن هذا الشهر حول الصحراء الغربية ومحاولة إفراغه من محتواه؟
منذ إعلان الأمين العام للأمم المتحدة عزمه زيارة المنطقة من أجل تحريك مسار المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريول إيجاد حل عادل ودائم للشعب الصحراوي يكفل له حقّه في تقرير المصير، بدأ النظام المغربي في السعي لإفراغ الزيارة بحد ذاتها من محتواها، من خلال دعوتها الأمين العام إلى تأجيل الزيارة إلى شهر جويلية، وهو ما تمّ رفضه من قبل الأمانة العامة للأمم المتحدة، لإدراكها أن المغرب يريد زيارة بروتوكولية لأمين عام قاربت عهدته على النهاية، وبالتالي تمرير تقريره لمجلس الأمن حول الصحراء الغربية شهر أفريل المقبل بطريقة «قص - لصق» للتقارير السابقة. وبعد فشل هذه المناورة، لجأ المغرب إلى رفض استقبال الأمين العام في الرباط متحججا برزنامة الملك المغربي؟؟، ورغم ذلك، قرّر الأمين العام القيام بزيارة المنطقة حتى ولو كانت منقوصة من هذا الأخير، ليتحول تكتيك النظام المغربي إلى ضرب نتائج هذه الزيارة من خلال التشكيك في حيادية الأمين العام والطعن في مصداقيته للتأثير على أعضاء مجلس الأمن خصوصا الخمسة الكبار، متحججا بأن تقرير بان كي مون القادم منقوص من وجهة النظر المغربية، وهنا أتوقع أن يسعى المغرب للعب كل أوراقه الدبلوماسية وتقديم مزيد من التنازلات لحلفائه من أجل العمل على أن يكون القرار الأممي بخصوص الصحراء الغربية في أفريل «مميّعا»، وهو ما يمكّنه من كسب مزيد من الوقت لحين نهاية عهدة «بان كي مون» نهاية السنة الحالية، ومجيء أمين عام أممي جديد يتمناه المغرب أقل حزما من سابقه، وما قد يرافق ذلك من تغيير للمبعوث الشخصي للصحراء الغربية «كريستوفر روس» الذي سعى المغرب دائما لعرقلة مهامه.
برأيكم ما الجديد الذي سيحمله هذا القرار، خاصة وأنه سيبنى على الجولة التي قادت بان كي مون ومبعوثه روس إلى المنطقة؟
إذا ما اعتمدنا على نتائج جولات «روس» للمنطقة وتقاريره حول الوضع في الصحراء الغربية، إضافة إلى ما حملته زيارة بان كي مون الأخيرة، فإنني أتوقع أن يكون التقرير أكثر وضوحا وأكثر حزما في تحميل الطرف المغربي سبب عرقلة إيجاد حل عادل ودائم للنزاع، كما أنه من المتوقع أن يشمل 05 نقاط أساسية، رؤية جديدة لإطار المفاوضات، قضايا حقوق الإنسان، النظر في قضية طرد المغرب لموظفي المينورسوو مهامها، استغلال الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية، وضعية اللاجئين الصعبة والدعوة إلى مساعدات أكبر قد تكون من خلال مؤتمر للمانحين.
لكن ومن خلال التجارب السابقة، قد يخضع قرار مجلس الأمن المرتقب لعاملين أساسيين، الأول: إلى ضغط فرنسي لجعل هذا القرار غير «مؤذ» للمغرب، كون أن هذا الأخير يقدم وظائف حيوية لفرنسا في المنطقة، الثاني: منطق الواقعية السياسية والتوازن الاستراتيجي الذي تعتمده الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
وفي كل الأحوال، ومهما كان قرار مجلس الأمن الدولي القادم، فإن الصحراويين قد انتزعوا اعترافا هاما من طرف أمين عام أممي يمثل السلطة المعنوية والأخلاقية للمجموعة الدولية، وأعاد القضية الصحراوية إلى سلم اهتمامات الأمم المتحدة بعد سنوات من التجاهل والتغييب المتعمد.
سحب المغرب لموظفيه من «المينورسو» ألا يرمي إلى اجهاض البعثة الأممية ومنع توسيع صلاحياتها لمراقبة حقوق الإنسان؟
أولا، إن هيئة المينورسو هي بعثة أممية هدفها تنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، أنشئت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب سنة 1991، وهذا الأخير مطالب باحترام التزاماته، وسحبه لموظفي «المينورسو» يؤكد ما قلته سابقا بأن هذا النظام فقد توازنه وأصبح يمثل خطرا على المنطقة، فسحب جزء من موظفي المينورسو هو تصرف غير مسؤول من المغرب وتنصل من مسؤولياته، ودعوة غير مباشرة للحرب، حيث إن أي خرق لوقف اطلاق النار مستقبلا سيتحمله المغرب وحده كونه تعمد تقليص قدرتها على القيام بمهامها المخولة لها ومنها مراقبة وقف إطلاق النار، أما ما تعلّق بتوسيع مهام «المينورسو» ليشمل مراقبة حقوق الإنسان، فهو أكبر ما يتخوّف منه النظام المغربي اليوم بعد فكرة الاستفتاء، كون أنه يدرك أن مثل هذه المهمة، هي مقدمة للتعريف أكثر بالقضية الصحراوية ومعاناة الصحراويين، حيث وجود آلية أممية لمراقبة حقوق الإنسان ستجعل من نشطاء حقوق الإنسان الصحراويين وغيرهم يكشفون حقيقة معاناة الشعب الصحراوي في ظلّ الاحتلال المغربي، ونتذكر جميعا الحملة التي قادها المغرب سنة 2013، من أجل ثني الولايات المتحدة الأمريكية على تقديم مقترح لتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة وضعية حقوق الإنسان.
وعلى العموم، فالمغرب بهذا السلوك قد يقضي على كل آمال الصحراويين في التوصل إلى حقهم المشروع في إجراء استفتاء لتقرير مصيرهم، وهو ما يجعل من خيار العودة للحرب يتعزّز أكثر في صفوف جبهة البوليساريو خصوصا الشباب منهم.
ما الجديد الذي تحمله الأيام القادمة للقضية الصحراوية؟
الشعب الصحراوي يعاني في اللجوء منذ أكثر من 40 سنة، وينتظر منذ 25 سنة أن تجسّد الأمم المتحدة التزاماتها اتجاهه بتنظيم استفتاء حر وعادل يضمن له تقرير مصيره بكل حرية مثل كل شعوب العالم، ورغم محاولات تحريف النزاع في العديد من المرات عن طابعه الأصلي والقفز عن حقّ هذا الشعب المشروع من خلال اقتراح مبادرات ومخططات تتجاهل حقّه في تقرير المصير، إلا أنه بقي واثقا في قدرة الهيئة الأممية على حلّ النزاع، وعليه فعلى منظمة الأمم المتحدة وبالتحديد مجلس الأمن باعتباره الذراع الأممي لحل النزاعات الدولية أن يتحمّل مسؤولياته ويجعل من نزاع الصحراء الغربية أولوية في أجنداته، كون أن المنطقة المغاربية لا تتحمّل مزيدا من التوترات والحروب.
وسيكون تقرير الأمين العام المقبل وما سيتمخض عليه من قرار أممي أولى المؤشرات التي يمكن أن نبني عليها جديد القضية الصحراوية، لكن ما هو أكيد أن زيارة الأمين العام «بان كي مون» تعتبر إحدى النقاط الفارقة في هذا النزاع، وسيختلف تعاطي الهيئة الأممية مع هذا النزاع، من مجرّد نزاع خامد لا يشكّل أولوية لها، إلى نزاع يستعجل الحل، وهنا يكون الأمين العام المقبل للأمم المتحدة أمام حتمية وضع كل ثقله في هذا النزاع مستندا على الشرعية الدولية وعلى تقارير سابقه «بان كي مون».