طباعة هذه الصفحة

هل لهيئة «جي 5 ساحل» مستقبل دون الجزائر؟

الجيش الوطني الشعبي ركيزة الأمن في المنطقة

حمزة محصول

حـــرب شرسة على الإرهاب والجريمة المنظمة

يواصل الجيش الوطني الشعبي، عمليات تأمين الحدود ومحاربة الإرهاب، محققا نجاحات بفضل احترافيته وجاهزيته، تظهر في حالات الضرب بيد من حديد خلايا الإرهاب الحية والنائمة على الشريط الحدودي الجنوبي وغيرها بمختلف الجهات، معتمدا على استراتيجية محكمة تحتل فيها اليقظة والنظرة الاستشرافية الصدارة.
بعد ثبات الجزائر المستميت على مبدإ عدم مشاركة قواتها المسلحة، في عمليات حربية خارج حدودها مثلما يحدد الدستور، قررت دول الساحل الإفريقي، ممثلة في موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينافاسو وتشاد، التراجع خطوة إلى الوراء على صعيد التنسيق الأمني بمختلف أشكاله معها. هذا ما استشفه المحللون المتابعون لما يجري في منطقة الساحل.
مع العلم، تم انشاء أواخر 2014 هيئة «جي 5 ساحل»، وهي عبارة عن مجموعة عمل مشتركة فيما بينها، مهمتها الأساسية محاربة الإرهاب. وقامت خلال الأشهر القليلة الماضية، بخلق قوة للتدخل السريع، وتبحث في الوقت الحالي عن تمويل تأسيس أكاديمية عسكرية متعدد الأسلحة بموريتانيا.
التكتل الخماسي، يحظى بمباركة ودعم فرنسا، الحليف العسكري فوق العادة، لهذه البلدان. وأبرز الملاحظات التي ارتبطت بنشأته، كانت غياب الجزائر التي تعتبر فاعلا أساسيا ومحوريا في محاربة الإرهاب بالمنطقة، واعتباره هيكلا بديلا لـ»لجنة قيادة الأركان العملياتية المشتركة»، التي تأسست سنة 2010، ومقرها تمنراست بعدما ترأستها الجزائر.
 دوافع تنصيب «جي 5 ساحل»، واضحة وليست خفية على المتابعين للشأن الأمني، في هذا الإقليم الجغرافي المعروف عند الأكاديميين باسم « قوس الأزمات»، حيث أن الهشاشة الدفاعية للبلدان الخمسة، دفعتها للبحث عن «عراب» أو «شريك»، يتولى مهمة الأعباء الأمنية المنوطة بها، وبطبيعة الحال ليس هناك أفضل من فرنسا للعب هذا الدور، خاصة وأنها هيئت للأمر منذ عقود عبر اتفاقيات عسكرية تحمل في مضمونها امتيازات عديدة على حد آراء المحللين وخبراء الشؤون الأمنية.
لكن لماذا ليس الجزائر؟ وهي الشريك التاريخي والبلد الجار، صاحب التجربة والخبرة في مكافحة الظاهرة الإرهابية !؟. السبب الرئيسي وراء ذلك، يتعلق برفضها الدائم لخيار التدخل الأجنبي لحل الأزمات، والمانع الدستوري الذي تضعه أمام قيام جيشها بعمليات قتالية في الخارج.

الجزائر لن تتخلى عن مبدئها

العقيدة القتالية للجيش الوطني الشعبي، وبالنظر إلى تنامي التهديدات الإرهابية على الحدود الجنوبية، والجنوبية الشرقية على وجه الخصوص، باتت تثير امتعاض البعض، سواء كانوا دولا أو مختصين في الشأن الأمني، فهناك من يصفها بـ»المبدأ الإيديولوجي الذي لا يجب أن تبنى عليه مصلحة الأمن القومي»، وهناك من يدعو إلى شن هجمات خاطفة خارج الحدود استجابة لحتمية الظرف.
وكرد صريح على هذه الانتقادات، أكد مصدر دبلوماسي رفيع لـ»الشعب»، عدم تخلي «الجزائر عن مبدئها الراسخ تحت أي ظرف»، وقال «عدم مشاركة الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير، في قتال خارج الحدود من ثوابت الدولة الجزائرية التي لن تتخلى عنها».
وأشار المصدر إلى أن المصلحة العليا للوطن، تقتضي ذلك ويخطئ من يعتقد العكس، ملمحا إلى «وجود ضغوط دولية (غربية) تسعى لرؤية الجيش الجزائري يقاتل خارج حدوده»، يفيد ذات المتحدث.
وانطلق ذات المصدر، في إبطال الحجج المضادة لهذا المبدأ، بالتساؤل قائلا «كيف ندمر جيش ما؟، أو كيف نستنزف قواه؟»، وأوضح «إذا أردت أن تحطم جيشا، فأرسله ليقاتل خارج الحدود».
ودعا المصدر الدبلوماسي، إلى عدم إطلاق الأحكام دون الفهم المعمق للأزمات، وقال «منذ بداية الأزمة في مالي سنوات الستينات نادت الجزائر بالحوار، لأن أصل النزاع مرتبط بمشاكل سياسية واقتصادية-اجتماعية، وأثبتت الأيام والأحداث مصداقية رؤيتها».
وأكد أن التدخلات الأجنبية، في دول معينة بغرض مكافحة الإرهاب، تتطلب موافقة مجلس الأمن وتدخل في إطار إستراتيجية شاملة للأمم المتحدة، مشيرا إلى أن المسؤولية تقع على عاتق الدول المعنية بالأساس، مفيدا «الجزائر سنوات التسعينات لم تطلب مساندة أحد وخرجت من الأزمة لوحدها».

حريصة على أمن دول الجوار؟

أصبح الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الوطني، من بين المواقع الإلكترونية الأكثر استقطابا للباحثين عن المعلومات والبيانات الأمنية. فمنذ 5 سنوات تقريبا، يطلع الجيش الوطني الشعبي الرأي العام بحصيلة نشاطاته بشكل يومي ومفصل.
هذه النشاطات، تتعلق أساسا بمكافحة الإرهاب، وتوقيف المهربين وتجار المخدرات والمنقبين عن المعادن النفيسة، وإذا كان لهذا دلالة، فإن قوات الجيش تحارب الإرهاب والجريمة المنظمة، باعتبارهما خطرين متكاملين.
وبما أن الشحنات العديدة من الأسلحة والمخدرات تتخذ من الحدود الجزائرية، معبرا لبقية الدول، فإنه يجعل من مهام الجيش الوطني الشعبي، تمتد بشكل غير مباشر لبلدان الجوار، ولا تقتصر فقط على حماية الأمن القومي الجزائري، وسبق لوزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، أن صرح قائلا «الجزائر حريصة على أمنها وأمن دول الجوار».

ضعف التنسيق لا يلغي التعاون

يرى محمد خلفاوي، العقيد السابق في المخابرات الجزائرية، ومؤلف كتاب «الاستعلامات رهان حرب صامتة»، أن دول النيجر، مالي، موريتانيا، تشاد وبوركينافاسو، سبق وأعلنت بشكل غير مباشر عدم قبولها لمبادئ الجزائر في ميدان مكافحة الإرهاب.
وقال لـ»الشعب»، بأن «هذه الدول، صرحت قبل أشهر أنها مع التدخل العسكري الأجنبي، ويعلم الكل أنها منخرطة تماما في الصف الفرنسي»، وأضاف «جميعها تحت الغطاء العسكري الفرنسي بموجب اتفاقيات ثنائية».
واعتبر خلفاوي، أن قرار إنشاء «جي 5 ساحل»، دون الجزائر، يحمل في باطنه نية لعزلها عن العمل الجماعي، مستطردا بأنه «لا يمكن الاستغناء كليا عن المجهود الجزائري لأنها تملك قدرات هائلة في دعم هذه البلدان لوجيستيكيا».
 وأشار المتحدث إلى أن ضعف التنسيق لا يلغي التعاون الثنائي، معتبرا أن هذا الأخير مهم للغاية، باعتبار «مجهود الجيش أو المخابرات يدخل ضمن التكتيك العسكري بينما تمثل العلاقة مع الدول عاملا استراتيجيا».
ولفت إلى قدرة الجزائر، على تعويض أي فراغ استعلاماتي محتمل، بالنظر لتجربتها الميدانية، التي طلبت عديد البلدان الاستفادة منها.

الاستقلالية تعطي قوة المبادرة
من جهته، لم يستغرب الضابط السامي السابق والخبير في الشؤون الأمنية، عمر بن جانا، إنشاء دول الساحل لهيئة أمنية، خالية من الجزائر، «لأنها تتموقع في مربع النفوذ الفرنسي وتعلم مسبقا رفض الجزائر لأي شكل من أشكال الهيمنة وتقييد سيادة القرار».
وأوضح بن جانا، بأن الجيش الوطني الشعبي ومنذ الاستقلال، يمتلك عقيدة قتالية دفاعية يحددها الدستور، تمنع من الخروج ما وراء الحدود أو التدخل في شؤون الدول.
واعتبر «أنه من الأفضل للجزائر عدم مشاركته في مجموعة (جي 5 ساحل)، لأن هذا يخدم استقلالية الجيش ويعطيه قوة المبادرة ومصداقية العمل لعدة اعتبارات جيواستراتيجية».
وقال أن التنسيق الحقيقي يجمع بين الجزائر وتونس، بينما «تتحمل بلادنا الأعباء الأمنية للبلدان الواقعة في الجهة الجنوبية».