الاتجاه الثّاني: تمكين مجلس الأمة من حق التّعديل بطريقة غير مباشرة (عن طريق اللّجنة المتساوية الأعضاء
هناك من يُؤكّد بأنّ لمجلس الأمّة كامل الصّلاحية في «اقتراح التّعديلات» على النصوص المحالة عليه من المجلس الشعبي الوطني، ويرى هذا الاتجاه الذي يطرحه عدة خبراء في القانون العام، بأنّ قراءة رأي المجلس الدستوري رقم 04 / ر . ن . د / م . د / 98 المؤرخ في 10 فبراير سنة 1998، حسب الدكتور بوزيد لزهاري؛ كانت مبتورة، وأنّ ذلك الرأي يفتح المجال أمام مجلس الأمّة لممارسة حقه في «اقتراح التّعديلات» التي يذهب بها إلى اللجنة المتساوية الأعضاء، وهذا ما يؤيّده القانون العضوي الناظم للعلاقة مابين كلا من غرفتي البرلمان والحكومة رقم 99 - 02 والمؤرخ في 08 مارس 1999، ويستند الدكتور لزهاري في طرحه هذا، على تفسير الفقرة الرابعة من المادة 120 من الدستور، وتحليل رأي المجلس الدستوري المشار إليه أعلاه بهذا الخصوص، حيث جاء في هذه المادة «في حالة حدوث خلاف بين الغرفتين، تجتمع بطلب من الوزير الأول، لجنة متساوية الأعضاء تتكون من أعضاء كلتا الغرفتين من أجل اقتراح نص يتعلق بالأحكام محل الخلاف».
أما البروفيسور الأمين شريط، أحد أبرز خبراء القانون البرلماني الجزائري، فيرى بأن المبررات التي أسس عليها المجلس الدستوري رأيه لرفض حق مجلس الأمّة في التعديل أثارت العديد من التساؤلات، منها:
- أن المادة 119 من الدستور التي تنص على أن اقتراح القوانين يكون من الحكومة والنواب، لا علاقة لها بالحق في التعديل، إذ لا توجد علاقة حتمية بين الأمرين، فهناك تجارب برلمانية لا تتمتّع فيها الغرفة العليا بحق الاقتراح، ولكن تمارس حق التعديل بشكل عادي؛
- إذا أخذنا جدلاً بالطرح القائل بأن من له الحق في الاقتراح يكون له الحق في التعديل، أليس من المنطقي أن يطبق ذلك بخصوص الغرفة الأولى نفسها، لماذا تمارس الحكومة الحق في تعديل اقتراحات النواب؟ ألا يؤدّي هذا المنطق حتمًا إما إلى المصادقة أو الرفض؟ مثلمَا هو الحال بالنسبة لمجلس الأمّة.
إنّ المبرّر الرئيسي لموقف المجلس الدستوري، حسب الفقيه الأمين شريط، يرجع إلى الفقرة الرابعة من المادة 120 المتعلقة باللجنة المتساوية الأعضاء بين الغرفتين التي يرى المجلس الدستوري بأنّها الاطار الوحيد الذي يسمح لمجلس الأمة بالتعديل، لكن حتى هذه الفقرة حسب أصحاب هذا الاتجاه تطرح جملة من التساؤلات، وأهم هذه التساؤلات حسب الأستاذ الأمين شريط، والتي تثار هنا، نذكر:
أنّ اللجنة المتساوية الأعضاء ليست تابعة لمجلس الأمة، بل هي لجنة مشتركة بين الغرفتين، فإذا كانت تصلح كإطار لتعديل مجلس الأمة، فهي حتما الاطار الذي يجب أن يعدل من خلاله المجلس الشعبي الوطني أيضًا، لاسيما أنه: «لا يوجد نص في الدستور يتكلم عن الحق في التعديل بالنسبة للمجلس الشعبي الوطني».
إنّ تعديلات مجلس الأمة المحتملة يجب أن تشارك في وضعها المجلس الشعبي الوطني، وفي هذا الإطار، التساؤل الذي يطرح: ألا يكون هناك تقليل من مكانة ومركز مجلس الأمة، وجعله في حالة تبعية للمجلس الشعبي الوطني رغم النّص على مساواة الغرفتين بموجب المادة 98 من دستور 1996؟
إنّ أعضاء اللجنة المتساوية الأعضاء الذي يمثلون مجلس الأمة، بل مجرد مندوبين عنه يعبرون عن وجهة نظره وعن فحوى خلافه مع المجلس الشعبي الوطني، وبالتالي لا تتمتع اللجنة بحق الحلول محل مجلس الأمة وممارسة صلاحياته التشريعية.
إضافة إلى ما سبق ذكره، فإن المادة 120 جاء فيها عبارة «تعديل» الواردة بخصوص الغرفتين وليس المجلس الشعبي الوطني فقط، ويجدر الإشارة هنا بأنه سبق لمجلس الأمّة تعديل عدة نصوص من خلال هذه اللجنة كقانون الطاقة، قانون عضو البرلمان، والقانون العضوي الخاص بالقضاء.
يُتّضح من لُّب هذا النقاش الذي ما انفك أن يثري الساحة القانونيّة والسّياسيّة ببلادنا ويستقطب المزيد من الاهتمام، حسب ما جاء في كلمة رئيس مجلس الأمّة عبد القادر بن صالح، هذا النقاش العلمي والبناء، يدفع إلى القول بضرورة إعادة النظر في صلاحية أو حق مجلس الأمّة في التعديل في ضوء المراجعة المرتقبة للقانون الناظم للعلاقات ما بين كلا من غرفتي البرلمان والحكومة، والنظام الداخلي لمجلس الأمّة، بعد مراجعة الدّستور، والذي منح لأعضاء مجلس الأمّة، الحق بالمبادرة بإقتراح قوانين في مجالات محددة حصرًا، وفقًا للأحكام الواردة في المادتين 136 و137 من الدستور المعدّل، هذا ما يُتطرق إليه في النقاط الآتية.
ثانيًا: المبرّرات السّياسيّة والأسس القانونيّة لحق مجلس الأمّة في التّعديل في ضوء المراجعة الدّستوريّة لعام 2016
إنّ تبنّي خيار البيكاميرالية (Bicaméralisme) كان نقلة نوعية في تطور السلطة التشريعية في أغلب البلدان التي أخذت بهذا الخيار، في ممارسة الديمقراطية النيابية، واستجابةً لانشغالات ومستجدات أملتها مختلف التحولات السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي عرفتها تلك الدّول، ومنها الجزائر، حيث نجم عن التعديل الدستوري لعام 1996 استحداث مجلس الأمّة كغرفة ثانية في البرلمان بعدما كشف نظام الغرفة الواحدة عن محدوديته وعدم قدرته على التكيف مع التحولات الجارية.
ولكن بعد مرور حوالي عقدين من تبني خيار الثنائية التشريعية في الجزائر، ونظرًا للمستجدات، الثغرات أو النقائص التي أبانت عليها هذه التجربة، وخاصة في مجال دور مجلس الأمّة في المسار التشريعي، دفعت العديد من النخب السّياسيّة الوطنية (أولاً)، وجُل الخبراء والباحثين في القانون البرلماني الجزائري يتجهون نحو طرح مفاده وجوب إعطاء مجلس الأمّة حق المبادرة بالتشريع ولو في مجالات محددة حصرًا، واستجابة لذلك تمّ تضمين مشروع التعديل الدستوري لعام 2016، والذي صادق عليه البرلمان، على أحكام جديدة تتيح لمجلس الأمّة الحق في تقديم اقتراحات قوانين في مجالات محددة مرتبطة بتنظيم الجماعات المحلية (ثانيًا)، فهل لمجلس الأمّة الحق في التعديل تأسيسًا على المراجعة الدستورية لعام 2016؟.
المبررات السّياسيّة لمنح مجلس الأمّة الحق في اقتراح تعديلات على النّصوص التّشريعية
إنّ المتداول بين النخب الوطنية بأنّ إنشاء مجلس الأمّة جاء في إطار تقوية سلطة الدّولة، وتعزيز مؤسساتها الدّستوريّة، وتكريسًا لديمقراطية تمثيلية أكثر توازنًا وتكاملاً، تحقيقًا للتمثيل الشعبي لقوى بصورة شاملة ومتوازنة، وكما يُساهم في تجسيد لمبدأ الاقتراع العام المباشر والسري، والتمثيل غير المباشر، والتعيين بهدف تحقيق وجود فعلي لمختلف فئات شرائح الأمة والشعب، وذلك لتحسين الأداء البرلماني تشريعا ورقابة، كما جاء في كلمة رئيس لجنة الشؤون القانون والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني.
وفقًا لهذا الطرح يعتبر مجلس الأمّة، صمام أمان ومكبح لإيقاف كل انزلاق قد يحدث بمناسبة التفاعلات الدستورية والسياسية بين الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي، حيث تعتبر نسبة ¾ أعضاء المجلس المشترطة للمصادقة على أي نص قانوني في مجلس الأمة دليل على قيام المجلس بهذه المهمة، ولكن في ظل التعديل الدستوري لعام 2016، تمَّت مراجعة هذا النصاب المتطلب للمصادقة، لصالح الأغلبية المطلقة فقط، ما يطرح تساؤلات وقراءات عدة عن الغاية من ذلك، وعن لُب التحولات الدستورية التي تعرفها الجزائر حاليًا، بحيث مُنح للغرفة العليا في البرلمان حق المبادرة بالتشريع في مجالات محددة، وكذلك حق التعديل،
وكما جاء في عدة خطابات رسمية لرئيس الجمهورية، وفي مناسبات عدة، والأهم من ذلك ما جاء في عرض أسباب مشروع التعديل الدستوري لعام 2016، حيث تعد هذه الأعمال التحضيرية من أهم الوثائق المساعدة في تفسير النَص الدستوري، حسب مدرسة الشرح على المتون.
وبمناسبة الملتقى الدولي الذي انعقد، بالجزائر، حول الدور التشريعي لمجلس الأمة، أكد السيد عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة الجزائري بأنّ: «دراسة مجلس الأمة للنّص التّشريعي ليست بأي حال من الأحوال إعادة نظر أو مراجعة لما قام به المجلس الشعبي الوطني، وإن تموقع مجلس الأمّة في نهاية مسلك النص التشريعي يجعل منه المتتبع الدقيق لمختلف جوانبه وإشكالاته والبدائل المطروحة للتكفل به، وهذا ما يمكن أعضاؤه من قراءة متأنية وعميقة للنص ومقاربة توفيقية له تأخذ في الاعتبار المصالح العليا للأمة بعيدا عن النظرة الحزبية الضيقة».
إنّ هذه التطورات والمستجدات الجديدة على الساحة السياسية، دليل على تحول ونقلة نوعية في الحياة البرلمانية، لاسيما أن هذا التحول من الناحية السياسية هو قطيعة مع التساؤلات التي ما فتئت بعض النخب السياسية من الموالاة أو المعارضة على حد سواء تطرحها، إن هذا التساؤل يتمحور عن الجدوى من تأسيس الغرفة العليا بدون إعطاء لها أدوات فعلية للمشاركة في الحياة البرلمانية في شقيها التشريعي أو الرقابي، بشكل جدي، حسب رأيهم، مما دفع النخبة السياسية في مرحلة معينة أن تنقسم إلى اتجاهين رئيسيين؛ اتجاه كلاسيكي ينادي بإلغاء الغرفة العليا، والاكتفاء أو العودة إلى نظام الغرفة الواحدة، ومن القائلين بهذا الطرح رئيس المجلس الوطني الشعبي، سابقًا، في حوارات وتصريحات صحفية، وبعض أساتذة القانون العام، مستدلين ببعض التجارب المقارنة التي عرفت تراجع في الأخذ بنظام البيكاميرالية لصالح نظام الغرفة الواحدة، أو تحت ذريعة أن العلة من وجود الغرفة العليا، حاليا، قد زالت وبالتالي الاستغناء عنها، أو بحجج اقتصادية أو مالية.
«يتبــــع»
الايميل: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.