قدّمت كوكبة من المسرحيين الجزائريين، يتقدمهم محمد يحياوي، المدير العام للمسرح الوطني الجزائري، وأعضاء اللجنة الفنية، أمس الاثنين، البرنامج المسرحي المسطر للموسم الجديد، والذي يتضمن جانبه الإنتاجي 9 أعمال جديدة، إلى جانب النشاطات الملحقة مثل إقامة الكتابة التي يشرف عليها زياني شريف عياد، والموائد المستديرة، الأيام الدراسية والورشات. وإلى جانب تقديم أصحاب الأعمال التي قبلتها اللجنة الفنية، تطرق الحضور إلى قضايا تهمّ الفن الرابع، مثل التمويل، الجمهور والترويج الإعلامي.
يقترح المسرح الوطني الجزائري على جمهوره تسعة أعمال في الموسم المسرحي 2016 ـ 2017، اختيرت من بين 41 مسرحية مقدمة، ويتعلق الأمر بثلاثة عروض كوميدية، مسرحيتان تراجيديتان، مسرحية تراجي كوميدية، عرض غنائي مسرحي، عرض ملحمي، وعرض خاص بالأطفال.. وقد تمّ عرض أول هذه الأعمال أول أمس، ويتعلق الأمر بتراجيديا «عدوّ الشعب» للمخرج حيدر بن حسين.
من كل بستان زهرة
وفي هذا السياق قال جمال قرمي، عضو اللجنة الفنية، إن هذه الأخيرة حرصت على التواصل مع أصحاب الأعمال المقدمة ومعرفة الرؤية الإخراجية لكتاب نصوصها، «كما فتحنا المجال أمام صاحب كل مشروع ليدخل في العمل الإنتاجي (المساهمة بالإشهار مثلا) حتى لا يكون كل العبء على المسرح الوطني تضافر الجهود»، يضيف قرمي.
أما أحمد رزاق، صاحب مسرحية «طرشاقة»، فصرح بأن هذه هي أول مرة يتعامل مع المسرح الوطني، وأن مسرحيته كوميديا تضم 18 شخصية مسرحية، وتصور قصة حب بين عودي ثقاب، ولكن مجتمع أعواد الثقاب يرفضنه، و»من يقول أعواد ثقاب يقول نار»، يقول رزاق.
كما قدّم المخرج كمال يعيش مسرحيته «الزاوش»، الذي تطرق إلى معايير اختيار الأعمال المسرحية، قائلا إن المناقشة مع اللجنة الفنية كانت تدوم ساعتين أو 3 ساعات في بعض الأحيان. وأضاف أنه أيضا أول تعامل له مع المسرح الوطني.
وتحدث جايب كمال عن مسرحية «فريروش ما علابالوش»، وهو عرض للأطفال يتطرق إلى التراث القديم، مستوحى من شخصية «كريروش»، في شكل فانتازيا مسلية تدور حول فكرة «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها»، ويقول جايب: «أعجبتني الفكرة لأنها جزائرية، ولكن أتمنى أن يحل السينوغرافي معضلة المكان أو الفضاء، حبذا لو يتم إسقاط المسرحية على الهوية الجزائرية التي لها عدة أبعاد»، قبل أن يتساءل: «من نحن وما هي حضارتنا؟ هذه مهمة الفن، إعادة بعث الثقافة الجزائرية في ثوب فني».
وقدّمت المخرجة نبيلة إبراهيم مسرحية «سلاك الواحلين» التي اقتبسها المرحوم محمد التوري عن نص كوميدي أصلي لموليير عنوانه «حيل سكابان»، حيث تصوّر شخصية حوحو الذي دائما ما ينقذ الآخرين من الورطات. تضم المسرحية 10 شخصيات، وجاءت تكريما لمحمد توري، تقول المخرجة.
وفي غياب عبد المالك العقون، مؤلف مسرحية «نجمة ميرامار»، قدّم قرمي المسرحية قائلا إنها قصة واقعية لامرأة عجوز تحمل علما جزائريا وتحسب أن الجزائر مازالت مستعمرة، والكاتب أعطاها بعدا آخر: كيف ترى هذه الجزائر بعد الاستقلال.. المسرحية من الطابع الملحمي وتتشكل من عدة لوحات مستقلة.
فيما قدمت حجلة خلادي مساعدة المخرج، مسرحية «الفيل والوسيط»، في غياب مخرجها حميد رماس، وقالت إن من بين الممثلين صالح أوقروت وياسين زايدي، وفكرة المسرحية هي إحالة المشعل للشاب المثقف بمساعدة أصحاب التجربة. وأضاف ميسوم الجهري كاتب النص أن الفكرة بدأت مع الفيلسوف الهندي بيدبا الذي كان يروي قصصا على الملك نقلها إلينا ابن المقفع في «كليلة ودمنة». هذه المسرحية مقتبسة من الحكاية 42 من «حكايات جحا».
العلم سند للإبداع
وعاد المسرحي زياني شريف عياد إلى إقامة الكتابة التي يشرف عليها، مؤكدا على أن كتابة السيناريو وكتابة مسرحية أمران مختلفان، لذا فهو يفضل تسمية «إقامة الكتابات»، فهي لا تتوقف فقط عند الكتابة، «إن لم يكن لكاتب النص اتصال بالخشبة وتقنياتها فإن النص سيكون ناقصا» يقول زياني شريف عياد، مضيفا أن طلبة الفنون الجميلة والموسيقى سيرافقون المشروع، لذا فالنص جزء فقط من المشروع، وهدفه النهائي هو العمل المسرحي. ويضيف: «تلقينا 30 مشروعا من مختلف الفئات العمرية، ويوجد في المترشحين الكثير من الجامعيين»، كما ذكرّ بأنه ما يزال أسبوعان لإرسال المشاريع.
من جهته، قال الدكتور سعيد بن زرقة إن العروض الفنية يجب أن يكون لها جانب نقدي وعلمي يسندها، لذلك استحدث صالون وفضاء ستحدد تسميته فيما بعد، هو نشاط شهري يتوالى عليه الجزائريون والأجانب. أما النشاط الآخر فهو استضافة كتاب ناقدين مثلا، إلى جانب التأقلم مع الحدث، والهدف منه الجمع بين الأكاديميين والمبدعين.
وفي حديثه عن برنامج هذا الفضاء، قال د.بن زرقة: «سنناقش العروض المسرحية وتداخل الأجناس الأدبية، النقد المسرحي من خلال الإعلام، ورشات لفائدة الإعلاميين، الاحتفاء بشخصيات قدمت الكثير للمسرح، المسرح والفعل التربوي، المسرح في مواجهة العنف، المسرح الجزائري بين الحضور والغياب.. وسيتم ضبط البرنامج النهائي والفضاء نهاية الأسبوع
وفي إطار اتفاقية بين وزارتي الثقافة والتربية الوطنية، سيتم العمل على إدخال مادة المسرح في البرنامج المدرسي، كما تطرق إلى نشاط في إطار هذا التعاون مع المدرسة العليا للأساتذة لبوزريعة في شكل ورشات تكوينية، «الأستاذ الجيد هو ممثل جيد، ويعرف كيف يستثمر الجانب التربوي للمسرح» يقول د.بن زرقة.
الممولون والقنوات التلفزيونية يقاطعون المسرح
وعن سؤالنا بخصوص التمويل «السبونسورينغ»، قال رئيس الدائرة الفنية سعيد بن سلمى «قمنا بمراسلات مع عدة مؤسسات ولم يجبنا أحد إلى حد الآن، ما عدا المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهارANEP التي طبعت دليل برنامج 2017» مضيفا: «نحن لسنا ضد كرة القدم، ولكن كل التمويل يذهب إلى كرة القدم».
أما عن ملاحظتنا الأخرى بخصوص الغياب التام للمسرح في الشبكة التلفزيونية، وهو ما كان معمولا به سابقا، قال السيد يحياوي: «لقد تحدثت مؤخرا مع وزير الثقافة، وقلت إننا أنتجنا 38 مسرحية في إطار تظاهرة قسنطينة ومستعدون لإعطائها مجانا للقنوات لبثها». هذا الأمر عارضه زياني شريف عياد، وقال إن من حق الفنان أن يتقاضى مالا على أعماله، وتساءل إن كان بث المسرحيات موجودا في دفتر أعباء التلفزيون.
وعن معضلة عزوف الجمهور، قال شريف عياد أن المسرحية لا تتوقف في العرض الأول، بل يجب أن تتنقل ويتم عرضها في أماكن مختلفة بشكل متواصل. أما د.سعيد بن زرقة فاعتبر بأن الجمهور يأتي بعمل منظومة، والبداية تكون بالمنظومة التربوية، والجامعة مثلا لا توجد بها مسارح. وتساءل: هل درسنا هذا الجمهور؟ مثلا أطفالنا اليوم يقرؤون المانغا ومخيالهم مختلف تماما.. كما أشار إلى نقص المسرحيات الكوميدية لأهمية الكوميديا في جلب الجمهور وإيصال الأفكار أكثر من التراجيديا.
تجدر الإشارة إلى أن المسرح الوطني سجّل سنة 2015 ما يعادل 52 عرضا للأطفال، و139 عرض مسرحي للكبار، و50 عرضا فنيا بين الرقص والموسيقى، إلى جانب 11 فرقة أجنبية، و56 جولة للمسرحيات الست التي أنتجها المسرح الوطنية السنة الفارطة.