طباعة هذه الصفحة

الاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب.. الأطر والممارسات

بقلم الدكتور حساني خالد أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة عبد الرحمان ميرة - بجاية

ثانيا: الاستراتيجية المتخذة على المستوى الدولي

عملت الجزائر على وضع استراتيجية دولية تهدف إلى تحسيس شركائها بضرورة التعاون من أجل ضمان الفعالية المطلوبة والعمل على إنجاح الإستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب العابر للأوطان عن طريق السعي لاستصدار قرارات ملزمة من قبل مجلس الأمن لاسيما أن هذا الأخير قد أكد أن الأمم المتحدة تبقى هي الإطار الأمثل لترقية تعاون دولي صادق يتوخى الاستعمال الملائم للوسائل القانونية لمتابعة مرتكبي الجرائم الإرهابية ومن يقف وراءهم وتجفيف مصادر تمويلها والقضاء على شبكات دعمها اللوجستيكية وقنوات الدعاية المروجة والممجدة لها، وقد أخذت الإستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب بعدين أساسيين، بعد إقليمي كمرحلة أولى، وبعد عالمي كمرحلة ثانية.

1/ البعد الإقليمي للاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب

تعد الجزائر من بين الدول التي دعت إلى ضرورة التعاون الإقليمي لمحاربة الإرهاب بمختلف أشكاله، حيث نجحت في دفع الدول العربية إلى تبني الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب حيث تم إبرام هذه الاتفاقية في القاهرة بتاريخ 22 نيسان/ أبريل 1998، وقد جاء في ديباجتها أن الدول العربية الموقعة قد اتفقت على عقد هذه الاتفاقية منطلقة في هذا من رغبتها في تعزيز التعاون العربي لمكافحة الجرائم الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار ومصالح الأمة العربية، التزامها بالمبادئ الأخلاقية والدينية السامية –لاسيما الشريعة الإسلامية- التي تنبذ كل أشكال العنف والإرهاب، وتدعو إلى حماية حقوق الإنسان، وهي الأحكام التي تتماشى معها مبادئ القانون الدولي وأسسه التي قامت على تعاون الشعوب من أجل إقامة السلام.
كما أسفرت الجهود الكبيرة التي بذلتها الجزائر على المستوى الإقليمي عن توقيع الاتفاقية الإفريقية للوقاية من الإرهاب ومكافحته الصادرة عن منظمة الوحدة الإفريقية في 14 جويلية 1999 بالعاصمة الجزائرية.
تعزيزا لهذه الاتفاقية فقد تمت المصادقة على خطة عمل الجزائر في 2002، تمخض عنها إنشاء المركز الإفريقي للدراسة والبحث حول الإرهاب بتاريخ 13 أكتوبر 2002، إضافة إلى ذلك فقد سبق للجزائر أن شاركت في أشغال مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد في الدوحة شهر ديسمبر 2001، هذا المؤتمر أكد أن الإرهاب مخالف للشرائع السماوية والأعراف الدولية، كما أشار إلى ضرورة عدم الخلط بين الكفاح المسلح الذي يراد به خدمة القضايا العادلة ومجابهة الظلم والاحتلال مثلما يحدث في فلسطين.
كما أن الاهتمام بتجريم الإرهاب في اتفاقية الشراكة المبرمة بين الجزائر والاتحاد الأوربي كان كبيرا جدا، ويتجلى ذلك من ديباجة الاتفاقية التي أكدت أن الشراكة المزمع إنشاؤها لن تكون ممكنة التحقق ما لم يتم محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، ثم أبرزت الاتفاقية أهمية محاربة الإرهاب في مادتها 90، مؤكدة على ضرورة التعاون من خلال تبادل الخبرات فيما يتعلق طرق ووسائل محاربة الإرهاب.
بينما دعا المؤتمر العربي الثاني عشر لمكافحة الإرهاب المنعقد بتونس في 24 جوان 2009 على ضرورة الأخذ بالتجربة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، كما أن الجزائر تعتبر أول دولة بادرت بدفع التعاون الإقليمي من منطلق رؤيتها لمكافحة الإرهاب القائمة على ضرورة وجود تعاون إقليمي وعملياتي وعلى إرادة سياسية مشتركة، وقد تمت الموافقة على مبادئ هذه الرؤية خلال الندوة الوزارية لبلدان الساحل الصحراوي في شهر مارس 2010، التي نشطت آليات التنسيق بما فيها لجنة الأركان العسكرية ولجنة تنسيق المصالح الأمنية، كما تم الاتفاق في اجتماع لوزراء خارجية دول الميدان (الجزائر، موريتانيا، مالي والنيجر) في الساحل الإفريقي الذي انعقد في 20 ماي 2011، على تشكيل قوة عسكرية مشتركة من أجل حماية الحدود المشتركة والحد من مخاطر تنظيم القاعدة الذي ينشط في المنطقة على نطاق واسع.
زيادة على ذلك فقد تقدمت الجزائر خلال الاجتماع الأخير لوزراء العدل العرب بجدة باقتراح يتضمن إقامة قواعد أمنية واضحة لتجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية والمتاجرة بالمخدرات على اعتبار أنها هي المنبع الرئيسي لتمويل الإرهاب خاصة في دول الساحل، كما طالبت الجزائر خلال هذا الاجتماع، بتكوين لجنة تتولى صياغة قانون لتجريم دفع الفدية مع إدراجه في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، بل طالبت بمعاقبة الدول التي تدفع الفدية للجماعات الإرهابية.

2/ البعد العالمي للاستراتيجية الجزائرية في مكافحة الإرهاب
بهدف تفعيل التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب العابر للحدود، تم إنشاء المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في 22 سبتمبر 2011 ()، وتم تشكيل مجموعة مختصة في تقوية قدرات مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي وترأس هذه المجموعة الجزائر وكندا، حيث تتمثل وظيفة هذا المنتدى في تشجيع تنفيذ إستراتيجية منظمة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب().
لقد حرصت الجزائر في مختلف المحافل الدولية والإقليمية على التنبيه بمخاطر هذا الابتزاز، معتبرة ذلك من أهم مصادر تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة، لتطالب الجزائر أيضا الدول بالعمل على تجفيف منابع التنظيمات الإرهابية والإجرامية.
وقد أفضت تلك الجهود التي بذلتها الجزائر في هذا الإطار إلى قرار الاتحاد الإفريقي في جويلية 2009 الذي دعا من خلاله المجتمع الدولي إلى دفع تجريم الفدية للجماعات الإرهابية، وكذا اللائحة 1904 التي أقرها مجلس الأمن الدولي في 17 ديسمبر 2009 لتطبيق الإجراءات التي تستهدف منع دفع الفدية للجماعات الإرهابية.
كما أفضت كذلك جهود الجزائر إلى قرار الندوة 16 لقمة دول عدم الانحياز في أوت 2012 بإدانة الأعمال الإجرامية المتمثلة في احتجاز الرهائن مرفوقة بطلب الفدية أو تنازلات سياسية، وكذا المصادقة على مذكرة الجزائر حول أفضل الممارسات في مجال الوقاية من الاختطافات التي يقوم بها الإرهابيون مقابل دفع الفدية والحد من المزايا التي تترتب عنها على إثر المنتدى الشامل ضد الإرهاب الذي نظم بالجزائر في أفريل 2012.
في نفس السياق، صادق مجلس الأمن الدولي بالإجماع في 27 جانفي 2014 على اللائحة رقم 2133 التي تدين عمليات اختطاف واحتجاز الرهائن التي تقوم بها الجماعات الإرهابية مقابل فدية أو تنازلات سياسية، وقد أشار مجلس الأمن في الفقرة التاسعة من اللائحة 2133 إلى اعتماد المنتدى العالمي «مذكرة الجزائر بشأن الممارسات الجديدة المتعلقة بمنع عمليات الاختطاف التي يرتكبها الإرهابيون طلبا للفدية وحرمانهم من مكاسبها»، كما شجع المديرية التنفيذية لمكافحة الإرهاب على وضعها في الاعتبار، حسبما يقتضيه الحال وبما يتفق مع ولايتها، بما في ذلك عملها الرامي إلى تسهيل بناء قدرات الدول الأعضاء.
لذلك فان قرار مجلس الأمن الذي يلزم الدول الأعضاء والشركاء من القطاع الخاص بتنفيذ توصيات لائحته المتعلقة «بحظر تقديم أموال أو أرصدة مالية أو موارد اقتصادية أو غيرها من الخدمات المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالفدية أو التنازلات السياسية»، جاء ليكرس فعلا نظرة الدولة الجزائرية التي عبرت عن ارتياحها للمصادقة على اللائحة 2133 واعتبرتها إشارة إيجابية لتفعيل مقاربة دولية شاملة وحل إشكالية تمويل ظاهرة الإرهاب.

خاتمـــــة
تعد الجزائر من بين الدول الرائدة في مجال محاربة الإرهاب بكل أشكاله وذلك بالنظر إلى الأزمة التي عاشتها البلاد خلال العشرية السوداء بسبب هذه الظاهرة الإجرامية، مما دفعها إلى إصدار ترسانة هامة من القوانين بغية مكافحة الإرهاب، كما أولت الجزائر اهتماما كبيرا للتعاون الدولي على مختلف المستويات لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة.
زيادة على ذلت وبهدف تفعيل التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب العابر للحدود، فقد تم إنشاء المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في 22 سبتمبر 2011، وتم تشكيل مجموعة مختصة في تقوية قدرات مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي وترأس هذه المجموعة الجزائر وكندا، حيث تتمثل وظيفة هذا المنتدى في تشجيع تنفيذ إستراتيجية منظمة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.
كما عملت الجزائر على وضع إستراتيجية دولية تهدف إلى تحسيس شركائها بضرورة التعاون من أجل ضمان الفعالية المطلوبة والعمل على إنجاح الإستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب العابر للأوطان عن طريق السعي لاستصدار قرارات ملزمة من قبل مجلس الأمن لاسيما أن هذا الأخير قد أكد أن الأمم المتحدة تبقى هي الإطار الأمثل لترقية تعاون دولي صادق يتوخى الاستعمال الملائم للوسائل القانونية لمتابعة مرتكبي الجرائم الإرهابية ومن يقف وراءهم وتجفيف مصادر تمويلها والقضاء على شبكات دعمها اللوجستيكية وقنوات الدعاية المروجة والممجدة لها.
بينما أجمعت مختلف الدول على سداد المقاربة الجزائرية في معالجة ظاهرة الإرهاب لاسيما فيما يخص عدم التفاوض مع الإرهابيين ولا دفع الفدية، فالجزائر التي ما فتئت تحذر من تفاقم خطر الظاهرة، كانت سباقة لدعوة المجتمع الدولي لتجريم دفع الفدية للإرهابيين من أجل تحرير الرهائن، وحرصت الجزائر في مختلف المحافل الدولية والإقليمية على التنبيه بمخاطر هذا الابتزاز، معتبرة ذلك من أهم مصادر تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة، لتطالب الجزائر أيضا الدول بالعمل على تجفيف منابع التنظيمات الإرهابية والإجرامية، وهو ما تجسد فعلا من خلال القرارات التي اتخذها مجلس الأمن لاسيما القرار 1904 (2009)، والقرار 2133 (2014) واللذين يجرمان دفع الفدية للجماعات الإرهابية.
لكن ينبغي الإشارة إلى أن غياب تعريف دقيق لجريمة الإرهاب الدولي ساهم في انتهاك قواعد القانون الدولي واللجوء إلى القوة بهدف محاربة الإرهاب مثلما حصل في أفغانستان والعراق، وعليه ينبغي الآن تكثيف الجهود الدولية من أجل وضع تعريف محدد ودقيق لجريمة الإرهاب مع تمييزها عن حق الشعوب في تقرير المصير، بهدف ضمان احترام قواعد الشرعية الدولية من طرف الدول الأعضاء في المجتمع الدولي، مع ضرورة الأخذ بالتجربة الجزائرية الرائدة في محاربة تمويل الإرهاب من جهة؛ ودفع المجتمع الدولي نحو وضع الإطار القانوني الدولي لتعريف الإرهاب الدولي من جهة أخرى.
«انتهى»