الإسلاموفوبيا خطر على الاستقرار
يتواصل الجدل في فرنسا حول مسألة اللائكية، حيث يعطي كل تيار قراءاته لهذا المصطلح، كل حسب الزاوية التي ينظر إليها وحسب الموقع الذي يحتله في المجتمع الفرنسي هذا في الوقت الذي اعتبرت فيه كل الحكومات الفرنسية المتعاقبة أن هذا المبدأ الوحيد الذي يضمن العيش المشترك بين مختلف مكونات الشعب الفرنسي سيّما في ظل تنامي موجات الاسلاموفوبيا وانتعاش خطاب اليمين المتطرف الذي أصبح يوظف الهجمات الإرهابية كمطية لبث فكره في أوساط الشعب الفرنسي، لتحقيق مآرب سياسية وإحراز استحقاقات انتخابية ضمن خطاب يريد من خلاله أن يقدم نفسه على أنه السد المنيع الذي سيمنع أسلمة فرنسا وكل أوربا، بينما بات هذا الخطاب يشكل أكبر خطر على تقاليد التعايش بين مختلف شرائح المجتمع الفرنسي.
شكّل موضوع اللائكية والعيش المشترك في فرنسا موضوع ندوة نقاش احتضنها المركز الثقافي الفرنسي بالجزائر العاصمة، أول أمس، نشطها الأمين العام للاليزيه سابقا السيد جون لوي بيانكو بحضور السفير الفرنسي بالجزائر وكذا جمع من المثقفين والمهتمين.
جون لوي بيانكو - الذي يشغل حاليا منصب رئيس المرصد الفرنسي لللائكية ـ استهل مداخلته بإعطاء تعريف لهذا المصطلح، معتبرا إياه مبدأ أساسيا يقوم عليه مبدأ العيش المشترك في الجمهورية الفرنسية وأنه أي مبدأ اللائكية يرتكز إلى عناصر أساسية من أهمها حرية المعتقد، حرية تغيير الديانة وكذا حرية الإلحاد وبين هذا وذاك حرية انتقاد كل الديانات وهي خيارات يضمنها هذا المبدأ لكل الفرنسيين - حسب الوزير والنائب الأسبق- الذي عينه الرئيس فرانسوا سنة 2013 على رأس هذه المؤسسة التي تسهر على مراقبة مدى الالتزام باللائكية في فرنسا وفي هذا الصدد أكد بيانكو أن المطالب باللائكية هي الدولة ومؤسساتها التي يجب أن تلتزم بالحياد والبقاء على نفس المسافة من الجميع وليس من حق أحد الزام المواطن بالحياد أو منعه من ممارسة معتقداته وطقوسه طالما يقوم بذلك في إطار احترام الآخر وعدم الإخلال بالنظام العام ومؤكدا أن العبرة ليس بما نرتديه من ألبسة ولكن في التصرفات والسلوكات التي تعتبر المقياس الوحيد للحكم على الناس ـ أضاف رئيس الرصد الفرنسي الللائكية -
وعن وضع الجالية المسلمة في فرنسا اعتبر السيد بيانكو أن المسلمين عبروا عن انخراطهم في المجتمع الفرنسي والتزامهم باحترام المبادئ الجمهورية للدولة الفرنسية، مؤكدا أن المجلس الأعلى للديانة الإسلامية بفرنسا كان واضحا في هذا الاتجاه خاصة من خلال التصريحات والرسائل التي بعث بها إلى كل الشعب الفرنسي بعد العمليات الإرهابية التي شهدتها العاصمة باريس ولكنه طالب المسلمين بخدمة ديانتهم، مؤكدا أن الإسلام في فرنسا يبنيه المسلمون أنفسهم كما تقع عليهم مسؤولية إعطاء الصورة الحقيقية للإسلام.
أما عن وسائل الإعلام الفرنسية، لم يخف السيد بيانكو أنها مقصرة في مرافقة المجهودات التي يقوم بها مرصد اللائكية الذي يترأسه واطلاع الرأي العام على ما تقوم به هذه المؤسسة وهذا في الوقت الذي يتشدق فيه الجميع بالحديث عن اللائكية في فرنسا.
الأكيد أن اللائكية هو توجه أقرته الدولة الفرنسية لضمان العيش المشترك والمساواة بين الجميع في إطار المبادئ الجمهورية وهذا خيارها الحر والسيد ولكن هذا المسار يفرض بالمقابل المزيد من الانصاف تجاه المسلمين والعمل على رفع عقدة الذنب عنهم وإشعارهم في كل مرة أنهم مجبرون على تجديد العهد الجمهوري كما يحصل عقب كل عملية إرهابية تشهدها فرنسا وكأنهم مطالبون بتبرير ما يقوم به أشخاص منحرفون يعتنقون الدين الإسلامي وينفذون إجرامهم باسمه وبالتالي وضع الجميع في سلة واحدة لأننا لو سرنا وفق هذا المنطق المغلوط فسنعتبر أن الممارسات الشاذة لبعض باباوات الكنيسة في حق أطفال أبرياء جاءت تطبيقا لتعاليم الديانة المسيحية ووفق هذا المنطق فإن كل المسيحيين شواذ! وهذا شيء غير صحيح تماما.