يتطرّق الشاعر الدكتور أحمد حمدي، عميد كلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3، إلى اهتمامات الفقيد صالح زايد، وأهم المواضيع والقضايا التي اشتغل عليها. كما يكشف لنا في هذا اللقاء، عن جوانب مهمة من شخصية زايد، خاصة وأن علاقة صداقة جمعت بينهما. ويحدثنا د ـ حمدي عن شخصية زايد الكتومة، الرقيقة والذواقة، كما يؤكد أنه كان غزير الإنتاج، يقرأ بنهم، ويطرح أفكارا في صميم الثقافة الجزائرية.
يقول الدكتور أحمد حمدي إنه تعرّف على صالح زايد في السنة الجامعية 1974 ــ 1975، حينما انضم هذا الأخير إلى المدرسة الوطنية العليا للصحافة، وكان حمدي قد تخرّج (سنة 1971) وأجرى الخدمة الوطنية.
حراك ثقافي غير مسبوق
عرفت هذه السنة ظهور اتحاد الكتاب الجزائريين، وكذلك انعقاد الدورة الرابعة لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، إذن كانت هذه السنة مليئة بالأعمال الثقافية، يقول حمدي، مضيفا: «في خضم هذا الحراك، تعرّفت على صالح زايد عندما جاء من سكيكدة، التي أعرفها جيدا حيث عشت ودرست هناك، وكان الراحل يعرفني فبحث عنّي والتقيت به ومن ذلك الوقت جمعتنا صداقة، وأنهى دراسته في السنة الجامعية 1978 - 1979، وكان يهتم كثيرا بالجوانب العلمية والثقافية، واشتغل على هذا الموضوع ونشر عدة مقالات في هذا الشأن، وفي سنة 1977 ـ 1978 انضم إلى المجاهد الأسبوعي، واشتغل صحفيا في القسم الثقافي، وكنت أنا في ذات العنوان منذ سنة 1970».
وواصل الدكتور حمدي حديثه عن فترة السبعينيات، التي يصفها بأنها كانت مزدهرة خصبة من الناحية الثقافية، وعرفت نشاط عدة مراكز ثقافية، فاحتضنت «المقار» الأمسيات الشعرية، والنفق الجامعي المحاضرات العلمية والجامعية، والمركز الثقافي الإسلامي نشاطات حول الفكر الإسلامي. حتى المقاهي مثل مقهى اللوتس، عرفت هذا النشاط وجمعت المثقفين والكتاب.
وفي هذه الفترة شهد الأدب الجزائري بروز ما يعرف بجيل السبعينيات في الشعر، حيث كان يوجد شعراء قدماء مثل السائحي وخمّار وصالح خرفي، ومالك حداد باللغة الفرنسية، وغيرهم..ولكن برز جيل جديد منهم أحلام مستغانمي، والمتحدث (أحمد حمدي)، وعبد العالي رزاقي وأسماء أخرى شكلت ما عرف بجيل السبعينيات.
وظهر أيضا جيل كتّاب القصة مثل الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة، وإذا كان الشعر الجزائري موجودا قبل ذلك، وظهر جيل جديد، فإن القصة والرواية لم يكن لديها جيل قديم وجديد، بل كان هنالك جيل مؤسس لهذا الجنس الأدبي.
جيل جديد من المفكّرين
أما في المجال الفكري فقد كان لدى الجزائر فلاسفة ومفكرون كبار مثل مالك بن نبي وعبد المجيد مزيان، وعبد الله شريط، ومع ذلك برز أيضا جيل جديد في السبعينيات، شاب ولكن متحمّس ولديه نزعة فكرية، نذكر منهم بختي بن عودة وعمار بلحسن، وكان صالح زايد أحد هؤلاء.
«كانت هذه المجموعة تطمح إلى حمل المشعل من سابقتها، ولكن للأسف توفي جميع هؤلاء في بداية سن العطاء»، يقول حمدي: «كان صالح زايد من هذه الكوكبة، نشر العديد من المقالات حول مسؤولية المثقف، دور المثقفين ومساهمتهم في التنمية، كتابة التاريخ بصفة عامة، وكتابة تاريخ الثورة بصفة خاصة، والثقافة الوطنية ومحاولة الاستعمار الهيمنة وطرد الثقافة الوطنية، وكيف نحرّر التاريخ من الاستعمار، حيث يقول زايد إنّنا تركنا مساحة للاستعمار حتى غزا الأرض ثم غزا التاريخ، وبعد أن حرّرنا الأرض، فكيف نحرّر التاريخ؟».
العودة إلى سكيكدة
يقول الدكتور حمدي إنّه بعد إنهاء صالح زايد دراسته، ثم انضمامه للمجاهد الأسبوعي، يبدو أن ظروفه الاجتماعية هنا في العاصمة لم تسعفه، وأثّر عليه مشكل السكن، فرجع إلى سكيكدة واشتغل بجريدة «النصر؛، وكان له ركن قار هو «قضية وموقف»، طرح فيه الكثير من القضايا المتعلقة بالإيديولوجيا، التطور، الفكر والتاريخ. «كان يتنقّل بين سكيكدة وقسنطينة، وأظن أنه عاش أزمات لا أعرفها، لأنني بعد أن تعرفت عليه في العاصمة منتصف السبعينيات صرنا نلتقي في سكيكدة لأنني مثابر على الذهاب هناك خاصة في فصل الصيف، وكان في سكيكدة مجموعة لا بأس بها من الكتاب أمثال الناقد محمد بوشحيط، وكان معنا عبد العالي رزاقي، وفي أحيان كنت أقلّ معي زايد بسيارتي ونسافر معا إلى سكيكدة».
كتوم..قليل الشّكوى ويعشق القراءة
يحدّثنا الدكتور أحمد حمدي عن الجانب الإنساني للفقيد صالح زايد، فيقول إنه كان من النوع الحييّ والكتوم، ولا يتحدث عن نفسه أبدا، لم يكن يبوح بأسراره ولا يشتكي كثيرا..»حين انتقاله من العاصمة إلى سكيكدة كنت أتابع مقالاته في النصر ولكن لم أكن أراه لفترة ولكننني علمت بأنه عانى من انهيار عصبي، وقد يعود ذلك إلى أسباب اجتماعية وعائلية، أثّرت عليه خاصة وأنه كتوم لا يفضفض، ولا يطلب المساعدة من أحد».
كما أنه كان ذا نفسية حسّاسة، رقيقة وذوّاقة، ويقرأ بنهم، وكان يسأل دائما عن جديد الكتب، والمهم أن يكون كتابا ولا يهم إن تعلق الأمر برواية أو قصة أو شعر أو فكر أو علم. وكان غزير الإنتاج واشتغل بما توفر حينها من وسائل الإعلام بما في ذلك الإذاعة، وكان يقتحم مواضيع شائكة وجديدة حينها.وعن عملية جمع أعمال الراحل، أشار الدكتور حمدي إلى أنّ هنالك أديبة شابة تشتغل على جمع هذه الأعمال، وهي نسيمة بو عبد الله، ونتمنى لها التوفيق في ذلك.
وعن الاحتفاء هذه السنة بذكرى الراحل صالح زايد، قال الدكتور أحمد حمدي إنّه تمّ الاتصال به من مديرية الثقافة بسكيكدة للمشاركة في ملتقى حول أعمال الراحل، خاصة وأنّه مغمور تماما والعديد من الجيل الجديد لا يعرف من هو صالح زايد، «وسأساهم في هذا الملتقى، الذي سينظّم يوم 24 مارس الجاري، بمداخلة علمية حول الفقيد»، يكشف حمدي، مضيفا بأنه يجب الاهتمام بأعمال صالح زايد ودراستها ومراجعتها لأنها أعمال قيمة تحدثت في صميم الواقع الجزائري.
مصير الفكر الجزائري
لقد كنا نرى في السابق مفكّرين يتطرّقون إلى مثل هذه القضايا، فهل حافظ المثقّفون الجزائريون على نفس التوجه وواصلوا على هذا المنوال أم لا؟ سؤال طرحناه على الدكتور أحمد حمدي، الذي أجاب بصراحته المعهودة: «لديّ ملاحظة في هذا الصدد..هذا الجيل الذي ضمّ عمار بلحسن وصالح زايد ممّن اشتغل على الدراسات السوسيوثقافية، كان جيلا يصبّ كل همومه على التراث والتاريخ والثقافة الوطنية، أما شباب اليوم الذين ينشرون أعمالهم، يلجأون كثيرا إلى الحديث عن الخارج، وقد يكون شكلا من أشكال الاغتراب، كما أنه قد يكون استسهالا، بالنظر إلى توفر المراجع والدراسات والكتابات حول الثقافة العالمية والأجنبية، أما ثقافتنا المحلية فعلى المفكر المحلي الإبداع فيها ودراستها، وتكون بذلك عملية تأسيس، وهو ما قام به صالح زايد ورفقاؤه، أما شباب اليوم فلا يطيقون هذا الأمر ويفضّلون الاشتغال على أمبرتو إيكو وبورخيس، فيقعون في التكرار ولا يقدمون أي إضافة..وهكذا نجد أسماء لا بأس بها في الشعر مثلا، ولكن في الفكر فلا إنتاج يكاد يذكر، ما عدا محاولات بعض أساتذة الجامعة».