صالح زايد شخصية بسيطة ومتواضعة، إنسان خلوق، إعلامي كبير، قلم غزير الإنتاج، عاش بسيطا ومات كذلك..هي الكلمات التي آثر أن يصفه بها من عايشوه وعرفوه كصحفي وأديب وصديق. الشّاعر عبد الحميد شكيّل ورفيق دربه شريف بوشنافة تحدّثا لـ «الشعب» بقلب صادق عن فقيد الساحة الثقافية والإعلامية، والذي تمّ تغييبه منذ أن اختار الرحيل في صمت واضعا حدا لمعاناته مع مآسي الحياة.
يقول الشّاعر عبد الحميد شكيّل إنّ صالح زايد صحفي كبير، وقلم بارز فقدته الساحة الثقافية الجزائرية إثر أزمة نفسية ألمّت به، وجعلته لا يتحمّل مآسي الحياة وردّات الفعل التي أحاطت به من كل جانب، مشيرا إلى أنّه لم يجد الذين كان يُفترض أن يؤازروه في محنته الأليمة التي أدخلته المصحة النّفسية وعجّلت برحيله المؤلم.
وأضاف شكيل أنّ زايد من الأسماء الأدبية والصحفية اللامعة في الجزائر، حيث عمل بجريدة «المجاهد» الأسبوعي، كما اشتغل بالإذاعة الوطنية أين قدّم برنامجا بعنوان «مغرب الشّعوب»، فضلا عن مساهماته المتعدّدة في ميدان الرواية، مؤكدا في سياق حديثه أنّ ما تجمع لديه من هذه المقالات يُشكل كتابا بحد ذاته.
احتضنه الصّخر العتيق بعدما تخلّى عنه كل رفيق
وتأسّف الشاعر عبد الحميد شكيل لكون المحيط في مدينة سكيكدة في تلك الفترة، لم يكن في المستوى المطلوب ليتركوا هذا الاسم الكبير يتخبّط في هذه الحياة، قائلا بأن صالح زايد رحمه اللـّه كان شديد الحساسية لما يحيط به، ولا يأنس إلا بالذين يرى أنهم سيفتحون له أفقا في السبين الذي حاصره من كل جانب، كما أن وضعه الاجتماعي الصعب وعزله عن العمل بالمؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع في سكيكدة، إثر الحركة التي أقرّتها الحكومة آنذاك بحل بعض الشركات وتسريح العمال، جعلته إلى جانب الكاتب الكبير محمد بوشحيط ـ الذي لحق به فيما بعد بسبب سكتة قلبية ـ في الشارع لا بيت يأويه ولا وظيفة تحويه، ليركب سيارة أجرة ـ حسب المتحدث ـ ويتوجه نحو قسنطينة، حيث جسورها المعلقة فرمى بنفسه واحتضنه الصخر العتيق بعدما تخلى عنه كل رفيق وصديق. عبد الحميد شكيل وفي سياق حديثه، أشاد بكل الذين فكّروا في تخصيص يوم إعلامي له بمدينة سكيكدة، التي فقدت قبله الناقد الكبير محمد بوشحيط والقاص يوسف شاوش، والذين تركوا الساحة الثقافية على مستوى سكيكدة ورحلوا في صمت رهيب، ولحد اليوم لا يذكرهم إلا القليل، وارتأى الشاعر شكيل من على صفحات جريدة «الشعب» الغراء أن يتوجّه إلى مدير الثقافة بالولاية لنفض الغبار ونشر الآثار التي يتوفر عليها الأدباء الذين رحلوا، حتى تعلم الأجيال القادمة بقدرهم ومقدراتهم وتعطيهم ما يستحقون من رعاية.
وأبرز الشّاعر أنّ ما قدّمه صالح زايد للساحة الثقافية الجزائرية لا يمكن أن يُحصى، لأنه كان قلما غزير الإنتاج وصحفيا ومشاركا في الملتقيات الأدبية، قائلا: «أذكر بالمناسبة أن في إحدى ملتقيات الأدب والثورة، التي كان ينظمها فرع اتحاد الكتاب الجزائريين بولاية سكيكدة، دعي الكاتب المصري الكبير الراحل محمود أمين العالم والتقى به زايد، حيث أعرب حينها عن إعجابه الشديد بصالح زايد وثقافته العالية، وقال حينها حرام أن يبقى هذا الاسم دون عناية تذكر». وطالب عبد الحميد شكيل من الجهات المعنية، وكل من تتوفّر لديهم الإمكانيات لجمع هذا الشتات من أعماله، حتى نلمس ماذا قدم للحركة الأدبية والإعلامية في الجزائر، مشيرا إلى أنّه كان متمرّدا إيجابيا لا يركن إلى المناطق المظلمة، كما أنّه من الأسماء الأدبية والإنسانية التي لا تُنسى، لأنه كان بسيطا ومحبّا للحياة والأصدقاء، مشهود له بجرأته وصراحته التي أتعبته في زمن متلون لا مكان فيه للصرحاء والأدباء، الذين يقولون الحق ويبرقون بآلامهم نحو الأماكن التي يمكن أن تكون أكثر جرأة ومحبة.
مواقفه الثّابتة عجّلت برحيله
صديقه المقرّب شريف بوشنافة، أبى إلا أن يتحدث عن رفيق عمره صالح زايد، حيث فتح قلبه لـ «الشعب» وتحدّث عن صالح الطفل، الأستاذ، الإعلامي، الأديب والصديق الذي رافقه في أحلك ظروفه.
يقول بأنّ صالح زايد وُلد يوم 17 نوفمبر 1949 في «سطورة» بسكيكدة، فهو ابن الشاطئ الكبير المتواجد بأعالي المدينة، توفي والده وهو في سن الرابعة على يد الاستعمار الفرنسي، ولحد الآن لا يعرف أحدا مصيره إن قتل في الجزائر أو المهجر.
عاش فقرا مدقعا في طفولته التي تشبه إلى حد كبير شخصية «قافروش» التي تحدّث عنها الكاتب فيكتور هيغو في روايته «البؤساء»، تعلّم أولى أبجديات الحرف العربي في مدرسة قرآنية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية وعمره 10 سنوات، تدرّج بشكل سريع في دراسته، حيث كان متفوّقا، وتمّ تقديمه بسنتين أو ثلاثة، وبعد أن تحصّل صالح زايد على شهادة الأهلية، اضطر لأسباب اجتماعية أن يلتحق بالتعليم، أين ابتدأ كممرن ثم معلم بأحد المدارس الابتدائية للمدينة، وبالتحديد مدرسة «الإرشاد»، واصل زايد تعليمه عن طريق المراسلة إلى أن التحق بكلية العلوم السياسية والإعلام بالجزائر العاصمة.
وأضاف بوشنافة أنّ صالح زايد عمل صحفيا بجريدتي «المجاهد» الأسبوعية، و»النصر»، حيث كان يكتب عمودا تحت عنوان «قضية وموقف»، كما كان صاحب قصص قدّمها في إطار «مغرب الشعوب» بالإذاعة الوطنية تهتم بالمسرح العالمي، مشيرا إلى أن صالح زايد تخصّص في النقد المسرحي، وفي حياته الثقافية اهتم كثيرا بابن خلدون والكاتب والمثقف الجزائري عبد الحميد مزيان، كما كتب الكثير من المقالات في المجالات الفكرية والثقافية والأدبية، وتناول المقاومة اللبنانية والقضيتين الفلسطينية والصحراوية، فضلا عن ذلك اهتم بالمسرح الوطني الهاوي والمحترف. توظّف صالح زايد بعد سنوات من البطالة في الشركة الوطنية للنشر والتوزيع لمدة عامين، وذات يوم ـ يقول بوشنافة ـ امتطى سيارة أجرة من سكيكدة إلى قسنطينة، وبهذه الولاية فضّل أن يغادر هذا العالم بطريقته الخاصة بعد معاناة وظروف قاسية، حيث كشف بوشنافة، أنه نتيجة لمواقفه الثابتة وبعض المشاكل الشخصية والمضايقات التي واجهها، تعرّض لأول انهيار عصبي، أين كان كصديق يرافقه إلى مصحة الأمراض النفسية الكائن بـ «الحروش» بولاية سكيكدة.
26 سنة من الصّمت
شريف بوشنافة قال إنه بعد 26 سنة من الصمت والتناسي المقصود في وجداننا الثقافي، أين أصبحت الرداءة تكرّم نفسها في أغلب الملتقيات والمهرجانات، والتي غيّبت المقامات الكبيرة وحوصرت بالنسيان، جاء اليوم الذي كتبت فيه مقالا عن صالح زايد نُشر في مجلة «أصوات الشمال»، والذي كان حسب المتحدث بمثابة صرخة ضد النسيان، مشيرا إلى أنّه لقي مؤازرة إيجابية وتضامنا كبيرا من النخبة المثقفة أمثال واسيني الأعرج وأمين الزاوي..لتصبح هذه التدخلات أملا في نفض الغبار عليه.
وأكّد بوشنافة أنّه تمّ تشكيل لجنة تضم مجموعة من المثقفين والأدباء والأصدقاء، على رأسهم المتحدث صاحب المبادرة، إلى جانب الإعلامية زهرة بوسكين والتي ناضلت جنبا إلى جنب منذ البداية، الدكتور أحمد نوار، الكاتبة نسيمة بن عبد اللـّه، وخيدر عبد الوهاب، مشيرا إلى أنهم جمعوا الكثير من أعماله وهي الآن بحوزتهم، والغاية من كل هذا النشاط إصدار كتاب حول مسيرة وحياة الكاتب صالح زايد.
وتمنّى أن يرى هذا المشروع النور في أحسن الظروف، والذي سينطلق العمل فيه بعد ملتقى «صالح زايد» الذي يعقد يوم 24 مارس الجاري، مؤكدا أنّه بعد نضال مرير مع مديريات الثقافة سابقا، والتي رفضت جملة وتفصيلا إحياء نشاطات لهذه القامة الأدبية، جاء المدير الحالي ليعطي موافقته على تنظيم هذا الملتقى بمشاركة كبار الأدباء والمثقفين. وفي الأخير نوّه صديق الأديب الراحل بخصاله ومناقبه، مشيرا إلى أنه كان إنسانا بسيطا للغاية، متعاونا، ذو أخلاق عالية وسلوك قيم واجتهاد دائم ومتواصل، حيث عاش بسيطا ومات كذلك، وكان كل همّه أن يخدم وطنه، إلى أن توفي يوم 02 نوفمبر 1989 بقسنطينة.