يجتاز الاقتصاد الوطني بكافة عناصره منعرجا حاسما، في ظل تداعيات الصدمة المالية الخارجية الناجمة عن أزمة إيرادات المحروقات، التي وإن سجل بشأنها انتعاش في سلم أسعار البرميل ليصل معدل 40 دولارا الأيام الأخيرة، فإنها تستمر طيلة السنة الجارية مع ترقب عودة التعافي لمعادلة السوق في غضون السنة المقبلة، مثلما يتوقعه خبراء الطاقة، خاصة في ضوء نتائج اجتماع أعضاء “أوبيك” وغيرهم من كبار المنتجين في العالم.
لكن حتى وإن انتعشت الأسعار، كما هو متوقع السنة القادمة، فإن الظرف بكل تحدياته وما يحمله من صعوبات يمنح الفرصة لكي يتم إنجاز النموذج الاقتصادي الجديد بمحتواه الاجتماعي، بما في ذلك التحول الطاقوي، ضمن الإطار الذي حددته الدولة والمسطر في أحكام الدستور، خاصة ما يتعلق بتأكيد الجانب الاجتماعي للخيارات الاستراتيجية الكبرى التي تندرج في سياق اقتصاد السوق الاجتماعي القائم على تحرير المبادرة وتكريس العدالة في توزيع الثروة.
وخلافا لخطاب سلبي يسوقه البعض عن وعي أو تحت تأثير الصدمة البترولية، فإن المؤشرات ليست بتلك الدرجة من الخطورة التي تضع الاقتصاد على حافة خطر قاتل للنمو، فهناك هامش معتبر للمناورة باتجاه مخرج من النفق، لكن شريطة التزام خط سير متزن وواضح المعالم يرتكز على ضوابط ترشيد النفقات وتنمية مبادرة الاستثمار المنتج وتوسيع دائرة مكافحة البيروقراطية والفساد، والأكثر أهمية رد الاعتبار للمورد البشري باعتباره الحلقة القوية في المعادلة التنافسية.
في هذا الإطار، فإن الاعتماد على الذات من خلال تجنيد الإمكانات وتثمين الطاقات المحلية هو السبيل الأنجع لمواجهة خطر المديونية الخارجية التي عاد هاجسها، والتي لا يمكن اللجوء إليها سوى في إطار مشاريع تشاركية ذات جدوى وقابلية للتعامل مع الأسواق الخارجية من خلال تنمية التصدير خارج المحروقات.
وقد تأكدت أكثر من فرصة لكسب معركة التصدير، مثلما أظهرته مؤشرات قطاع الفلاحة، الذي تراهن عليه الجزائر، والذي يقتضي من المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة بالأخص الانخراط في الديناميكية التنافسية باقتحام كافة مهن التصدير والحرص بشكل صارم على امتلاك ثقافة المعايير حتى يفرض المنتوج الجزائري نفسه في مختلف أسواق العالم.