طباعة هذه الصفحة

الذّكرى 42 لاستشهاد الصّحافيّين الجزائريّين بفيتنام

وقفة عرفان وترحّم يسجّلها الإعلامي محمود بوسوسة

الشعب / أحيت الأسرة الإعلامية الوطنية يوم الثلاثاء الماضي المصادف ليوم ٠٨ مارس ٢٠١٦ الذّكرى ٤٢ لسقوط طائرة الصّحافيّين الجزائريّين في وقفة عرفان وترحّم لرجال رحلوا عنّا وهم يؤدّون واجبهم المهني بتفان وإخلاص. وأثارت شهادات رفقاء الضّحايا الذين ينتمون إلى مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والسّمعية البصرية مرة أخرى الوقائع الحيّة والظّروف المأسوية التي تحطّمت فيها الطّائرة، والحزن الكبير للرّئيس الرّاحل هواري بومدين بعد تلقّيه الخبر المفجع، وكيف حزنت الجزائر على أبنائها معلنة الحداد مدّة أسبوع.

الصّحفي محمود بوسوسة، يعود إلى الحدث الأليم الذي هزّ المشاعر يوم ٨ مارس ١٩٧٤ في هذه الوقفة التي تنشرها صفحة التاريخ بـ “الشعب” حتى لا ننسى.
قال الصّحفي بوسوسة في هذا المجال: في يوم ٨ مارس ١٩٧٤، تحطّمت الطّائرة العسكرية الفيتنامية التي كان على متنها ١٥ صحافيا جزائريا من مختلف العناوين الإعلامية وهم:
- صالح ديب (مقدّم الأخبار بالتلفزة)،
- عبد الرحمان قهواجي (مسؤول الحصص الخاصة بالتلفزة)،
- محمود ميدات (مقدّم حصص أضواء على الولايات)،
- مصطفى كبوب، عبد القادر بوجمية، محمد بكاي، لعرج بوتريف (مصوّرون بالتلفزة)،
- رابح حاند وسبتي مواقي (ملتقطي الصّوت بالتلفزة)،
- أحمد عبد اللطيف ومحمد طالب (صحافي ومصوّر بوكالة الأنباء الجزائرية)،
- محمد صحراوي (مصوّر بجريدة “الشعب”)،
- الطيب حركات (مصوّر بالمحافظة السياسية للجيش)،
- جيلالي جدار (ملحق بمديرية الإعلام برئاسة الجمهورية)،
- محمد طاع اللـّه (نائب مدير برئاسة الجمهورية، وكان قبل ذلك صحافي بجريدة “الشعب”)،
يوم ٠٨ مارس ١٩٧٤، كان اليوم الأخير من الزّيارة الرّسمية التي قام بها الرّئيس هواري بومدين رحمه اللـّه إلى الفيتنام، ذلك البلد الصّديق والحليف للجزائر.
بعد حفل الوداع الرّسمي للوفد الحكومي الجزائري بالمطار الدولي بهانوي، توجّه الوفد الإعلامي على متن طائرة من نوع “أنطنوف ٢٤” نحو المطار العسكري الذي يبعد عن المطار الدولي بستين كيلومتر.
قبل الوصول إلى المطار العسكري ببضعة ثواني، لاحظ قائد الطّائرة أنّ الأرضية لا تكفي للهبوط، فقرّر إعادة الإقلاع، لكن عند الصّعود، اصطدمت الطّائرة بالأشجار ووقعت الحادثة المؤلمة.
تحطّمت الطّائرة على بعد بعض الأمتار من المطار العسكري، وتوفي كل من كان على متنها: خمسة عشر صحافيا جزائريا، تسعة صحافيّين فيتناميّين وثلاثة أفراد من طاقم الطّائرة، ولم ينجوا من تلك الكارثة إلاّ ثلاثة صحافيّين جزائريّين وهم:
- نذير لحول (مصوّر بالتلفزة)،
- محمد أعواطية (ملتقط الصّوت بالتلفزة)،
- نور الدين زياني (مصوّر بالصّحيفة الأسبوعية الثّورة الإفريقية).
- كيف ذلك؟ لأنّهم كانوا موجودين في طائرة كانت مخصّصة للوفد الرّسمي الجزائري.
بعد وقوع الحادثة المؤلمة، تمّ إبلاغ الرّئيس هواري بومدين عن طريق السيد عبد المجيد علاهم مدير التّشريفات برئاسة الجمهورية رحمه اللـّه. عمّ حزن رهيب لدى الوفد الرّسمي الجزائري وخاصة الرئيس هواري بومدين، وكذلك السّلطات الفيتنامية.
كلّف الرّئيس هواري بومدين السيد أحمد طالب الإبراهيمي وزير الإعلام والثّقافة بالبقاء في الفيتنام للتكفل مع السيد عبد الرزاق بوحارة سفير الجزائر بالفيتنام رحمه اللـّه لنقل جثث الضّحايا إلى الجزائر. وأشير هنا أنّ الطّاقم الصّحفي وجد صعوبات كبيرة في فرز الضّحايا، وتمّت تلك العملية إلاّ بعد أربعة أيام.
في نفس الفترة وبالتّحديد ما بين عشرة وإثنى عشر مارس، أجرت السّلطات الجزائرية اتصالات مع الحكومتين الصّينية والباكستانية، الهدف منها بحث امكانيات للحصول عن طائرة مخصّصة لنقل الجثث إلى أرض الوطن، ولكن دون جدوى. أمام  هذه الوضعية الأليمة، قرّرت أعلى السّلطات للدّولة الجزائرية أثناء اجتماع مضيق ترأّسه الرّئيس هواري بومدين رحمه اللـّه، وضمّ بعض الأعضاء من مجلس الثّورة وكذا المرحوم رابح بيطاط وزير الدولة مكلّف بقطاع النّقل، إرسال على جناح السّرعة طائرة عسكرية من النّوع “إليوشين 18”.
تلك الطّائرة التي أقلعت في اليوم الموالي من مطار بوفاريك، وصلت إلى هانوي ولكن في ظروف صعبة للغاية نظرا لعدم استعمال أجواء بعض الدول التي لم تكون لها في ذلك الوقت أي في السّبعينات علاقات دبلوماسية مع الجزائر.
وكانت العودة إلى أرض الوطن طويلة وشاقّة، وهكذا فبعد الفيتنام، ثم الصّين الشّعبية، توجّهت الطّائرة نحو راتقون عاصمة برمانيا أين تعرّض الوفد الجزائري الذي كان يقوده المرحوم عبد الرزاق بوحارة إلى عدة مشاكل، أذكر منها على الخصوص تلك التي وقعت على أرضية المطار عندما رفض العمال تزويد الطّائرة بالكيروزان، وهذا استجابة لقرار مسؤولي المطار لأنّ آنذاك وحتى إلى يومنا هذا لم تكن علاقات دبلوماسية وحتى تجارية بين البلدين أي الجزائر وبرمانيا.
سفير الفيتنام في برمانيا الذي كان حاضرا طيلة هذه المدة بجانب الوفد الجزائري، تدخّل مرارا لدى مسؤولي المطار لفكّ تلك المعضلة التي انتهت إلاّ ما بعد أن دفع هذا الأخير أي الدّبلوماسي الفيتنامي ثمن قيمة الوقود اللاّزم لتزويد الطّائرة، واستطاع أخيرا قائد الطّائرة ومساعديه التحرك ثم الإقلاع من مطار رانقون نحو كراتشي بالباكستان، ثم الكويت، القاهرة وأخيرا الجزائر.
بعد وصول الطّائرة إلى مطار الدار البيضاء وبالتّحديد يوم ١٦ مارس، أي أسبوع كامل بعد تلك الكارثة، نظّم بالقاعة الشّرفية للمطار لقاءً تأبينيًا على أرواح أولئك الشّهداء، شهداء الواجب الوطني، حضره الرّئيس هواري بومدين وأعضاء من الحكومة ومجلس الثورة، وكذلك عائلات الضّحايا وعدد كبير من الصّحافيّين من مختلف المؤسّسات الإعلامية الوطنية.
قد يتساءل البعض من الحضور:
- أوّلا: لماذا حطّت الطّائرة الرّئاسية على أرضية المطار العسكري، وليس المطار الدولي؟
- ثانيا: لماذا السّلطات الفيتنامية نظرا للأحوال الجوية السيّئة السّائدة في ذلك اليوم، لم تستعمل وسائل النّقل البري بين المطار الدولي والمطار العسكري؟
أجاب محمود بوسوسة متأثّرا:
- فيما يخص السؤال الأول: إنّ الطّائرة الرّئاسية وهي من نوع “بوينڤ ٧٢٧” حطّت بالمطار العسكري لأنّ أرضية المطار الدولي كانت غير مهيّأة لاستقبال الطّائرات ذات الحجم الكبير.
- أمّا فيما يخص السّؤال الثّاني:
- إنّ السّلطات الفيتنامية لم تستعمل وسائل النّقل البري لأنّ الطّريق الذي يربط هذين المطارين كان مهدّما بالقنابل، ولابد أن لا ننسى أنّ الفيتنام كان في تلك الفترة في حرب ضد قوات الاحتلال الأمريكي.
وقال بوسوسة في سرد وقائع الحدث الأليم: “إنّ أولئك الاخوة الذين كلّفوا بتلك المهمّة الصّعبة مدة أسبوعين كاملين في كل من باكستان، الصّين الشّعبية، كوريا الشمالية وأخيرا الفيتنام، قد أدّوا واجبهم على أكمل وجه تجاه الوطن والشّعب.
أولئك الزّملاء رحمهم اللـّه، تركوا لنا رسالة واضحة وهي موجّهة لكل الصّحافيّين الجزائريّين تحثّهم على العمل والسّهر حتى يكون الإعلام في بلادنا يخدم الوطن وليس تهديمه.